تاريخ ما أهمله التاريخ الغيطانى وشارع المعز

تاريخ ما أهمله التاريخ.. الغيطانى وشارع المعز

تاريخ ما أهمله التاريخ.. الغيطانى وشارع المعز

 السعودية اليوم -

تاريخ ما أهمله التاريخ الغيطانى وشارع المعز

بقلم : مصطفى الفقي

إننى ممن يظنون أن «القاهرة» هى متحف كبير لأنها مدينة مفتوحة أمام كل عصور التاريخ التى مضت، وهى تحمل على كاهلها عبء الرقائق الحضارية التى عرفتها «مصر»، فإذا كنا نقول إن «روما» هى متحف كبير أيضًا- وهى بحق كذلك- فإن «القاهرة» تتفوق عليها فى التداخل بين الحضارات التى شهدتها، فالقاهرة الكبرى فيها «الأهرامات» و«أبوالهول»، وفيها الكنائس المسيحية القديمة، بل والمعابد اليهودية الباقية، إلى جانب المساجد الإسلامية الرائعة، حتى أطلق عليها الكثيرون «مدينة الألف مئذنة»، وقد تزيد عن ذلك بكثير، إذ يكفى أن فيها «الجامع الأزهر» ومسجدى «الحسين» و«السيدة زينب» ومسجدى «السلطان حسن» و«الرفاعى»، إنها شاهدة على دورة الزمان التى حولتها إلى سبيكة ذات مذاق خاص قد لا تحظى به عاصمة أخرى على وجه الأرض، وللقاهرة عشاق كُثر فقد كان المستشرق الفرنسى «جاك بيرك» يعرف القاهرة القديمة أكثر من معظم المصريين، وكان يعرف حوارى وأزقة «حى الجمالية» بشكل يدعو إلى الإعجاب، وكذلك عشقها الكاتب الراحل ونقيب الصحفيين الأسبق، الأستاذ «كامل زهيرى»، أما «جمال الغيطانى» فقد كان بحق ابنًا شرعيًا للحضارات التى تعاقبت أو تركت بصماتها على قلب «القاهرة» حتى قبل أن تحمل «القاهرة» الطبعة الأخيرة لاسمها الحالى، إننى مازلت أتذكر بريق عينى «جمال الغيطانى» وهو يشرح لى فى جولة ممتدة فى إحدى أمسيات الصيف كنوز «شارع المعز» وما يحتويه من مبانٍ تاريخية وآثار مذهلة، فيها المساجد والقصور وأسبلة المياه، وكلها تجعل المرء يعتبر ذلك الشارع التاريخى العظيم متحفًا إسلاميًا بكل المعايير ويقف على قدم المساواة مع أهم شوارع مدن العالم وأكثرها تعبيرًا حضاريًا، بالإشارة إلى حقبة معينة فى التاريخ الإسلامى، خصوصًا فى «العصر المملوكى» الذى امتد لعدة قرون، ولقد شرح لى الكاتب الكبير والروائى الراحل تاريخ كل مبنى له أهميته فى تلك البقعة من مصر الإسلامية، وكنت أتنسم معه رائحة التاريخ تفوح فى أركان ذلك الشارع وأزقته المتناثرة، حيث تجد فى كل «عطفة» أثرًا يختفى وراء الشارع الكبير ويعطيه قيمته، فما أكثر الآثار المستترة التى تختفى فى ظلال «القاهرة» ولكنها تنطق دائمًا بالمكانة العظيمة لتلك المدينة الباقية على مر الزمان، فقد لا تكون «القاهرة» أقدم المدائن، لكنها بالتأكيد أكثرها ثراءً وأشدها التصاقًا بالتاريخ الذى تطور على أرضها ومضى فى ركابها يشير إلى الدنيا قائلًا: فوق هذه البقعة جرى تصنيع الحضارة وتوريث الثقافة وتأكيد عبقرية الزمان والمكان حتى ولو كان ذلك فى زحام السكان! ولحسن الحظ، فإن الراحل «جمال الغيطانى» كان معنيًا بمسلسل الحضارات التى تعاقبت على الأرض المصرية، إذ لم تقف حدود اهتمامه عند الحضارة الإسلامية وحدها، بل تجاوزت قدراته نظرة بعيدة فى مسار الماضى وآفاق المستقبل.

ورغم معاركه الأدبية وخلافاته الشخصية إلا أننى أشعر بسعادة خاصة عندما أتذكر أنه قد حصل على جائزة «النيل العليا» للدولة المصرية من المجلس الأعلى للثقافة قبل رحيله بأسابيع قليلة، وأتذكر أيضًا ولعه الشديد واهتمامه الزائد بالتراث الوطنى، وهو أمر امتد به ليشمل قضايا الوطن الحاضرة فكانت له إسهاماته المقروءة والمرئية والمسموعة فى الأزمات التى يمر بها الوطن والمشكلات التى تواجهه والتحديات التى تعترض طريقه، ولقد حكى لى «الغيطانى» تاريخ كل مبنى فى «شارع المعز» والخلافات التى أدت إلى ظهوره والمراحل التى تطور فيها أو أعيد بناؤه بسببها، ولا نستطيع أن نقول إن تاريخ «مصر» كان كله تشييدًا حضاريًا وبناءً ثقافيًا ولكننا نتذكر مثلًا أن «السلطان حسن» لم يشهد نهاية بناء مسجده الرائع، فقد جرى قتله قبل ذلك، ولكل «أثر» قصة ترتبط به وتقدم شريحة من تاريخنا المتحضر أحيانًا والدامى أحيانًا أخرى، إننى أتذكر لـ«فاروق حسنى»، وزير الثقافة الفنان، دوره العظيم فى تجديد «شارع المعز» وإعادة تنظيمه، وأرجو أن نتمكن من المحافظة عليه لأنه شارع تاريخى وسياحى فى نفس الوقت ويجب أن نتعامل معه كشارع مغلق وأن نبعد عنه كل ما لا يتصل بالسياحة ولوازمها أو بالتاريخ وقيمته، حتى نكون أوفياء لذلك التراث الذى آل إلينا وفرطنا فيه كثيرًا وجعلناه مقرًا لحرف لا تمت إلى التاريخ بصلة، بدءًا من ميكانيكا السيارات وصولًا إلى بيع الكهربائيات.

إن «جمال الغيطانى» يطل علينا من بعيد يُذكّرنا بقيمة هذا الشارع وبمكانته التى لا تنتهى أبدًا.

arabstoday

GMT 15:57 2024 الأربعاء ,10 كانون الثاني / يناير

أقباط مصر

GMT 08:51 2024 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

اعترافات ومراجعات (36).. أزمتِي مع التكنولوجيا

GMT 06:13 2020 الأربعاء ,03 حزيران / يونيو

فوائد الكورونا

GMT 07:27 2020 الأربعاء ,06 أيار / مايو

طارق حجى.. جدل الثقافة

GMT 05:52 2020 الأربعاء ,01 إبريل / نيسان

هل يتراجع إرث غاندى؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تاريخ ما أهمله التاريخ الغيطانى وشارع المعز تاريخ ما أهمله التاريخ الغيطانى وشارع المعز



إطلالات متنوعة وراقية للأميرة رجوة في سنغافورة

سنغافورة - السعودية اليوم

GMT 16:48 2024 الثلاثاء ,16 كانون الثاني / يناير

اكتشاف بروتين يحفز إنتاج الدهون الجيدة والتخلص من السمنة

GMT 10:54 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 09:30 2016 الأربعاء ,11 أيار / مايو

لازم يكون عندنا أمل

GMT 05:34 2020 الثلاثاء ,28 إبريل / نيسان

"قبعات التباعد" سمحت بعودة الدراسة في الصين

GMT 11:29 2020 الخميس ,05 آذار/ مارس

أعمال من مجموعة «نجد» تعرض في دبي 9 الجاري

GMT 14:43 2017 الخميس ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح من أجل محاربة الأرق عن طريق الوجبات الخفيفة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
alsaudiatoday alsaudiatoday alsaudiatoday
alsaudiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab