عماد الدين أديب
بينما كنت جالسا على مقهى في دولة خليجية مستمتعا بلسعة شمس الظهيرة في هذا الشتاء المتقلب، محاولا ارتشاف قليل من الشاي الأخضر المطعم بأوراق النعناع الفواحة، سحب شاب يافع المقعد الملاصق لي وجلس دون استئذان وبادرني متسائلا:
الشاب: يا أستاذ كيف تسكتون في وسائل الإعلام عما يحدث هذه الأيام من مهازل في عالمنا العربي؟!
العبد لله: نحن لا نسكت، نحن نتكلم إلى الحد الذي أصبحنا نتهم فيه بالمسؤولية الأساسية عن تدهور الأمور!
الشاب: أنتم تثيرون الدنيا في شكل انفعالي هستيري ولكن لا تقدمون أي حلول للأزمات التي نحياها.
العبد لله: الفارق بين الصحافي والطبيب أن الأول يشخص المشكلة، أما الثاني فيشخص مشكلة المريض ثم يتعين عليه إيجاد العلاج الشافي.
الشاب: وهل هذا ما يحدث في الصحافة العالمية؟
العبد لله: هل عمرك قرأت في «نيويورك تايمز» أو «واشنطن بوست» أو «لوموند» أو «لوفيغارو» مقالا أو وصفة سحرية لمشكلة المرور أو علاجات لسوء خدمات الصحة والتعليم؟
الشاب: ولكن هل يتوقف دوركم على تحديد المشكلة؟
العبد لله: التشخيص السليم والدقيق للمشكلة هو - وحده - أكثر من نصف الطريق نحو الحل المناسب لها.
الشاب: لكن نحن في دول العالم الثالث بحاجة إلى أن يقدم لنا أحد الحلول «بالملعقة» مثل الدواء الذي يجب أن نتجرعه بأمر الطبيب.
العبد لله: يا صديقي العزيز، ثبت بالتجربة أن وصفات الدواء هذه لا تنجح مع الشعوب المعاصرة، الناس بحاجة إلى أن تتوصل بنفسها إلى إدراك مشكلاتها وإيجاد الحلول العملية لها.
الشاب: إذن لا توجد حلول سابقة التجهيز؟
العبد لله: الحلول المعلبة ثبت فشلها الذريع ولا مجال لها في هذا الزمن المعقد.
الشاب: إذن ماذا نفعل حتى تنضج مجتمعاتنا؟
العبد لله: ننتظر!
الشاب: كم عاما أو كم قرنا من الزمان؟
العبد لله: من استعجل شيئا قبل أوانه عوقب بالحرمان منه!
نظر إليّ الشاب شذرا ثم عاد من حيث أتى غاضبا!