فرنسا صراع «الثورة» مع «الإصلاح»

فرنسا: صراع «الثورة» مع «الإصلاح»!!

فرنسا: صراع «الثورة» مع «الإصلاح»!!

 السعودية اليوم -

فرنسا صراع «الثورة» مع «الإصلاح»

بقلم - عماد الدين أديب

لماذا تفشل الثورات وينجح الإصلاح؟ لماذا كل انتفاضة شعبية صادقة ونبيلة تمت سرقتها، وتم اختطاف أهدافها، وتزوير نتائجها لصالح قوى تنتمى -أساساً- للثورة المضادة؟!

لماذا تنقلب الثورة على ثوارها؟ وتأكل الثورة أبطالها؟ ويحدث الهدم ولا يحدث البناء؟ وتسقط الرموز ولا تسقط الأنظمة؟ ويتبدل الرجال ولكن لا تتبدل قيم المجتمع؟

ماذا يحدث حينما يثور الناس ضد الإصلاح؟ وكيف نفسر أن يرفض الثوار أن يأخذ المريض المحتضر الدواء المر الذى يجب أن يتجرعه حتى يُشفى مما يعانيه؟

إذا أردت أن تفهم كل هذه القصة وترى بنفسك مأساة «خيبات الأمل الكبرى» التى تحيط بالثوار الذين تُسرق منهم ثورتهم ويختطفها أقصى اليمين وأقصى اليسار ويندس داخل حركتها السلمية الغوغاء واللصوص والمخربون والبلطجية، انظر إلى ما يحدث الآن فى فرنسا.

تاريخ فرنسا مع الثورات والانتفاضات الشعبية هو تاريخ دفع فواتير باهظة لأهداف لا تتحقق بل تنتهى بنتائج عكسية وسلبية.

فى الخامس من مايو 1789 قامت ثورة الشعب الفرنسى الشهيرة التى أسست لمبادئ «الحرية، الإخاء، المساواة»، لكنها استمرت، ولسنوات طويلة، تضع رؤوس المعارضين تحت المقصلة، وتملأ السجون والمعتقلات بالطبقات والقوى المخالفة لهوى الشارع، وراح ضحيتها عشرات الآلاف من البشر.

ورغم أن تلك الثورة أطاحت بالملكية، فإن الجماهير التى هتفت بسقوط الملكية هى التى طالبت بتنصيب «الجنرال» نابليون إمبراطوراً على البلاد والعباد.

ومنذ 22 سبتمبر 1792، أى تاريخ تأسيس الجمهورية الفرنسية الأولى، والبلاد تعيش على مدار خمس جمهوريات حالة من التناقض بين «فكر ومبادئ وأنظمة وهياكل» شعبوية تدغدغ مشاعر الجماهير، لكنها فى الوقت ذاته مضطرة إلى انتهاج سياسات واقعية براجماتية غير قادرة على دفع الفاتورة الباهظة لدولة الرعاية الاجتماعية والمكتسبات الاشتراكية.

حتى أقصى اليمين التابع للسيدة «لوبين» يستمتع بمزايا الرعاية الاجتماعية الاشتراكية على مستوى الحياة اليومية لكنه يتظاهر من أجل سياسات اجتماعية وشعارات يمينية تؤمن بالاقتصاد الحر وتعادى المهاجرين وتسعى للتميز الطبقى والعرقى والعنصرى.

فرنسا اليوم فى مشهد متكرر للورطة التاريخية ذاتها بين «ما تريده وما عليها أن تدفعه»، إنه شعب يريد الإصلاح ولكن لا يرغب فى أن يتنازل عن أى مكسب سابق حصل عليه ولا أن يسدد أى فاتورة للإصلاح.

اختار إيمانويل ماكرون أن يكون الطبيب الماهر الذى يداوى أمراضه المتراكمة لكنه الآن يرفض أن يتناول الدواء المر الذى يتعين عليه أن يتجرعه.

معضلة الاقتصاد الفرنسى صريحة وواضحة فهى باختصار تعبير رقمى عن شعب يستهلك أكثر مما ينتج، ويحصل على فاتورة رعاية اجتماعية أضعاف أضعاف ناتج دخله القومى.

فى هذه الحالات، الحقيقة الواضحة هى إما مضاعفة الدخل أو تخفيض فاتورة الامتيازات التى توفرها الدولة أو رفع المداخيل السيادية مثل الضرائب والجمارك والرسوم بكل أشكالها.

وما قام به الرئيس ماكرون هو «كوكتيل» ما بين تحفيز الاستثمار، ورفع الضرائب والرسوم، وتخفيف الامتيازات الحكومية.

يبلغ تعداد سكان فرنسا قرابة الـ70 مليوناً يعيش 72٪ منهم فى المدن الكبرى ويبلغ سكان العاصمة باريس 9٫5 مليون، وإذا أضفنا إليهم سكان الضواحى والأطراف تصبح 12 مليوناً، لذلك ليس غريباً أن يكون أكبر التظاهرات فى العاصمة والمدن مثل: ليون، وتولوز، وليل، ومارسيليا.

الاقتصاد الفرنسى هو الثالث أوروبياً من ناحية الدخل القومى، والسادس عالمياً، ويبلغ متوسط دخل الفرد قرابة ثلاثة آلاف يورو شهرياً، ويحصل أصحاب المهن الحرة غير المنتظمة على متوسط دخل يبلغ ألفاً وستمائة يورو شهرياً.

معدل البطالة يصل إلى 10٪ حسب الأرقام الرسمية، وأكثر من ثلثى الذين يعانون من البطالة فى سن الشباب.

من هنا يمكن أن نفهم حالة غضب الشباب من صعوبات الحياة واستنكارهم لفاتورة العلاج المؤلمة التى وضعها لهم ماكرون بعد 18 شهراً من انتخابهم له.

ثورة ذوى «السترات الصفراء» ثورة إلكترونية نمت وكبرت وتحركت على وسائل التواصل الاجتماعى، أرادت أن تقوم باعتراض سلمى مدنى للتعبير عن خيبة أمل.

وهكذا يكرر التاريخ نفسه منذ الثورة الفرنسية إلى ثورة الشباب الفرنسى فى مايو 1968 إلى ثورة الضواحى فى عهد الرئيس جاك شيراك عام 2005 إلى الاعتراضات على إصلاحات «ساركوزى» و«أولاند» إلى النتيجة ذاتها!

النتيجة دائماً هى إسقاط الحل المطروح دون إيجاد حل أو بديل أفضل.

«ارحل».. «أرحل»، دون أن يأتى الأفضل، «الشعب يريد إسقاط النظام»، دون أن يكون هناك تصور لأى نظام يريدونه.

فكرة «اهدم الحالى» دون أن يكون هناك تصميم ومخطط للبناء الجديد الذى نحلم به.

يخرج الشباب إلى الشوارع بعفوية وطهر ونقاء ولكن يندس بينهم من يحرق السيارات ويخرب الممتلكات العامة ويسرق محلات الطعام والمخابز.

لست أعرف ما هو ذلك العمل الثورى الذى يخلع أبواب محلات شانيل وديور ومحلات الآيس كريم وحلوى الشيكولاتة فى شارع الشانزليزيه؟!

تطلب الحكومة من المتظاهرين الحوار، فيردون كما رد شباب المتظاهرين فى التحرير وتونس ودرعا وكييف: «لا توجد لدينا قيادة، ولا يوجد متحدث باسمنا»!

إذن، إذا كان لا يوجد متحدث، ولا يوجد برنامج، ولا سقف زمنى، فما هو المطلوب؟

اقرأوا كتاب «جين شارب»: «كيف تقلب الحكم من الشارع؟»، وسوف تعلمون أن المطلوب هو الفوضى!

arabstoday

GMT 09:20 2020 السبت ,06 حزيران / يونيو

أخبار المتزوجين

GMT 09:15 2020 السبت ,06 حزيران / يونيو

أخبار من ايران وغيرها

GMT 05:49 2020 السبت ,06 حزيران / يونيو

«قيصر» يقتحم أبوابكم!

GMT 04:28 2020 السبت ,06 حزيران / يونيو

3 سنوات قطيعة

GMT 04:19 2020 السبت ,06 حزيران / يونيو

مسكين صانع السلام

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فرنسا صراع «الثورة» مع «الإصلاح» فرنسا صراع «الثورة» مع «الإصلاح»



إطلالات متنوعة وراقية للأميرة رجوة في سنغافورة

سنغافورة - السعودية اليوم

GMT 16:48 2024 الثلاثاء ,16 كانون الثاني / يناير

اكتشاف بروتين يحفز إنتاج الدهون الجيدة والتخلص من السمنة

GMT 10:54 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 09:30 2016 الأربعاء ,11 أيار / مايو

لازم يكون عندنا أمل

GMT 05:34 2020 الثلاثاء ,28 إبريل / نيسان

"قبعات التباعد" سمحت بعودة الدراسة في الصين

GMT 11:29 2020 الخميس ,05 آذار/ مارس

أعمال من مجموعة «نجد» تعرض في دبي 9 الجاري

GMT 14:43 2017 الخميس ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح من أجل محاربة الأرق عن طريق الوجبات الخفيفة

GMT 18:25 2016 الثلاثاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

معين شريف يهاجم راغب علامة عبر قناة "الجديد"

GMT 04:58 2012 الخميس ,06 كانون الأول / ديسمبر

سلوى خطاب بائعة شاي في"إكرام ميت"

GMT 03:32 2016 الإثنين ,04 كانون الثاني / يناير

جيسيكا هيلز ستعتزل في 2017 لتتفرَّغ لإنجاب طفل آخر

GMT 11:22 2012 الثلاثاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

تفاصيل سرية تنشر للمرة الأولى بشأن اغتيال الشيخ أحمد ياسين

GMT 15:55 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

ارتفاع عدد ضحايا العدوان الإسرائيلي علی غزة إلى 24448 شهيدًا

GMT 17:10 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

مواطنة من فئة الصم تحصل على درجة الماجستير من أمريكا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
alsaudiatoday alsaudiatoday alsaudiatoday
alsaudiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab