للأسف الشديد، تعمق فى نفس الرأى العام الإيرانى أن العالم، وأن الغرب وأن العالم العربى، وأن السنة، لديهم «كراهية ثابتة» ضد إيران.
والدارس للتاريخ والمطلع على الحقائق والوقائع يعلم أننا كعرب ليس لدينا حالة كراهية أو شعور بالتناقض مع الشعب الإيرانى.
سياستنا مع إيران ليست مشكلة قومية عربية ضد قومية فارسية، أو مذهب سنى ضد مذهب شيعى، وليست معتدلين ضد متشددين.
إنه خلاف سياسى بالدرجة الأولى قبل أن يكون خلاف هوية، أو مذهب أو قومية.
إنه خلاف بين دولة لها نظام حكم، وهو القائم على مبدأ حكم الولى الفقيه، وهو النظام الوحيد فى العالم الذى ينص فى دستوره على هذا المبدأ من ضمن 212 نظاماً فى العالم المعاصر.
خلافنا مع نظام الحكم فى طهران، وليس مع أشقائنا الإيرانيين.
نحترم حق إيران فى أن تصبح قوة عسكرية، وأن تسلح نفسها، شريطة أن يكون هذا التسلح للدفاع الشرعى عن حدودها وليس للقيام بالمغامرات فى أراضى جيرانها.
خلافنا ليس لأن البعض فى إيران اختار المذهب الشيعى، أو أن غالبية المواطنين هناك ينتمون إلى الطائفة الشيعية الكريمة.
خلافنا أن من يحكم إيران على طريقته ورؤيته ومذهبه يريد تصدير ذلك لنا، وفرضه بالقوة بجميع أشكالها، بدءاً من «المال السياسى» إلى السلاح، وصولاً إلى السعى لقلب أنظمة الحكم.
خلافنا أن من يحكم فى طهران لا يكتفى بأن يمارس سيادته داخل حدود بلاده، لكنه يسعى إلى التدخل فى شئون الغير وعدم احترام اختيارات جيرانه.
القارئ للتاريخ يعلم أن إيران مهد مدارس الفكر والفنون، ومصدر صناعة السجاد، وتجارة اللؤلؤ، والفستق والبهارات.
لا يمكن أن نكره إيران التاريخ، والجغرافيا، والحضارة، وعلاقات التمازح الثقافى والمصاهرة والنسب، بالذات مع العراق وسوريا ودول الخليج العربى.
لا يمكن أن نكره إيران (82 مليون نسمة)، إحدى أكبر الدول الإسلامية المؤثرة فى العالم الإسلامى، وصاحبة المساحة الجغرافية رقم 18 فى جغرافية العالم؟
لا يمكن أن نكره إيران صاحبة ثانى أكبر مخزون للغاز فى العالم ورابع أكبر احتياطى للنفط العالمى.
نحن فقط نرفض تماماً أن يُفرض علينا نظام حكم من الخارج، سواء كان من طهران أو واشنطن أو أنقرة أو تل أبيب.
نحن لا نسعى لقب نظام الحكم فى إيران من الداخل أو الخارج، لأننا نؤمن بأن كل شعب هو وحده مصدر السلطات، وهو صاحب القرار فى اختيار حكامه.
نحن أمة مسالمة، نضع فى أولوياتنا إعادة النهوض الاقتصادى الغائب وليس انتظار عودة الإمام الغائب.
من حق إيران وشعبها أن تختار ما تراه لنفسها فكرياً وسياسياً ومذهبياً، شريطة ألا تحاول فرضه علينا بالقوة.
نحن لا نريد النموذج الإيرانى فى الحكم ولا فى التنمية ولا فى العلاقات الدولية، خاصة أنه نموذج لم يثبت نجاحه فى أى مجال من المجالات، بدليل الثورات الشعبية المكتومة من الشعب الإيرانى نفسه، والتى يتم قمعها بالقوة المسلحة.
نقول للأشقاء فى إيران رسالة: نحن لا نكرهكم، ولكن نكره تدخلاتكم فى شئوننا، وسنكون أسعد الناس لو جنحتم للسلم، واحترمتم سيادة وسلامة جيرانكم.
هل وصلت الرسالة؟!
رحم الله الإمام «شمس الدين التبريزى» الذى كتب: «لا يوجد فرق كبير بين الشرق والغرب، ولا بين الشمال والجنوب، فمهما كانت وجهتك فيجب أن تجعل الرحلة التى تقوم بها فى داخلك».