لا يغيّر قادة إيران من أسلوبهم أبداً. يتماهون بشىءٍ من خطابٍ بعثىّ قاعدتُه صورتان: قمْعٌ داخلى على كل المستويات وإن تَفاوتتْ أقنعةُ التجميل والتبرير، واستدرارُ شرعيةٍ خارجيةٍ لهذا القمع عبر تَوَسُّل علاقاتٍ تطيل العُمر.
كل شىءٍ يتمحور حول تركيبِ مشروعٍ فى المبدأ والمسار والمصير، وحول اعتمادِ السياسات المؤهّلة لهذا المشروع «أسفنجة امتصاص». إذا تَعَرْقل فبالتمنّى وانتظار تطوراتٍ ونتائج، ثم باللسان للحشد وتوجيه رسائل، ثم باليد إذا ما عاد للرسائل حيلة. وإذا انفرجتْ، تعود اليدُ الغليظة إلى الداخل واللسان الظريف إلى الخارج.. المهمّ بقاء النظام أولاً ولو اقتضى الأمرُ إبادةَ «العملاء» والانحناء فى الوقت نفسه للمستعمرين والمستكبرين.
قال ترامب إنه مستعد للقاء القادة الإيرانيين. يعرفون أنه يريد نتائج شبيهة بنتائج لقائه بالرئيس الكورى الشمالى. يدركون تماماً أن جميع الوسطاء وَضَعوهم أمام خلاصتيْن: إجراءات عملية للتخلى التام عن إنتاج السلاح النووى، وتَعَهُّد «عملى» بوقف التدخل فى شؤون الدول الأخرى. هنا النتائج تلغى المشروع فى المبدأ والمسار والمصير، ولا تنفع السياسات السابقة للالتفاف عليها. ومع ذلك سارَعَ الرئيس روحانى ووزير الخارجية ظريف إلى فتْح كوةٍ فى الجدار الإعلامى عبر نصْف ترحيبٍ ونصْف ملاقاةٍ ونصْف تَعَهُّدٍ بعدم التعرّض للمعابر المائية الدولية، وسارَعَ الحرسُ الثورى، فى إطار تَبادُل الأدوار، إلى القول بلسان الجعفرى إن أمنيات ترامب فى اللقاء سيأخذها معه إلى قبره. أما نائب رئيس البرلمان، على مطهرى، فاعتبر التفاوضَ مع الأمريكيين الآن.. إذلالاً.
إذلالٌ؟ غريبة. أين الكرامة فى إيقاف المواطن الإيرانى ساعات أمام محطات الوقود لملء خزان سيارته، بينما «جمهوريته الإسلامية» دولة نفطية؟
أين الكرامة فى قمْع متظاهرين بأقدامٍ تخْبط هدّارة على الأجساد ورصاصٍ حىٍّ خارقٍ، حارقٍ للحاضر والمستقبل؟
أين الكرامة فى حرمان الإيرانى من ثروات بلاده وتوزيعها على ثلاث ميليشيات فى أفغانستان وبعض المجاميع القبلية فى باكستان و10 ميليشيات فى العراق، ومثلها فى سوريا، و«حزب الله» والدكاكين التابعة له فى لبنان، وحماس والجهاد والحوثيين؟
وأين الكرامة فى رهْن كل إمكانات الدولة لخدمة النظام فقط وأهدافه وتَمَدُّده وتصديره لتجربته؟
الإيرانى يريد قبل المفاعل النووى استقرارَ عملته والحفاظ على قوّتها الشرائية ونموّ اقتصاده وتنمية المدن والأرياف. الإيرانى لن يأكل خبزاً من شتيمة «الاستكبار» ولن يشرب ماء نظيفاً من مهادَنته.
الإيرانى يتطلّع إلى حقه فى المشاركة فى انتخاباتٍ لا يحدّد خبراء ولا مجالس ولا هيئات مواصفاتِ مَن يشترك فيها.. والإيرانى يريد استعادة بعض إنسانيته التى خَطَفَتْها سياسات الحروب الإقليمية وعمليات الإرهاب الخارجية وتَورّط فيها نظامُه فى بلاد ما بين القطبين طولاً وخطوط العرض من أستراليا إلى البرازيل.
ومِن داخِل إلى خارِج، أين الكرامة فى مساعدة نظام بشار الأسد فى قتْل مليون سورى وجرْح وتهجير الملايين؟
فى تمزيق العراق وافتتاح ميليشيا فى كل شارع؟
فى ضرْب الوحدة الفلسطينية ومنْع التلاقى بين السلطة وجماعات إيران فى الأرض المحتلة؟
فى تعطيل بلدٍ اسمه لبنان ورهْن قراره ومصيره وعلاقاته لسلاح حزب الله؟
فى الجُرح اليمنى المفتوح ضرباً لاستقرار الخليج؟
فى محاولاتِ تخريب البحرين؟
فى مَخازن السلاح التى تُكْتَشَف فى هذا البلد أو ذاك؟
بل أين الكرامة فى استغلال التطرف وإنتاج التطرف.. فقط لابتزاز العالم واستدراج التعاون بشروط النظام؟!
التفاوض مع الولايات المتحدة «إذلالٌ»، وضرْب إسرائيل اليومى للقوات الإيرانية فى مختلف مناطق سوريا عزةٌ.
الكلامُ مع الأمريكى إهانة، لكن توسيط الروسى مع إسرائيل وتوظيفه مهنْدس مساحةٍ يقيس بالكيلومترات حدودَ بقاءِ القوات الإيرانية بعيدة عن الجولان إِبَاءٌ.
الكلامُ مع الأمريكى إساءةٌ، وهتافات أهل الجنوب العراقى لخروج إيران من بلادهم إجلالٌ.
الكلامُ مع الأمريكى تحقيرٌ، لكن التهجير الديموغرافى المُمَنْهَج فى سوريا والإبادة المعلنة تَعْظيمٌ.
الكلامُ مع الأمريكى شتيمةٌ، لكن انهزام مشروع التمدُّد فى الخليج ميليشياوياً وصاروخياً إكبار.
والأهمّ من ذلك كلّه، إذا تطورت الاحتجاجاتُ ضد الانهيار الاقتصادى والفساد والسرقات واحتكار السلطة والثروة، فسيَعتبر النظام الإيرانى «إذلالَ» شعبِه.. كرامة!.
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
المصدر: المصري اليوم