سـر «عقلانية» حماس

سـر «عقلانية» حماس

سـر «عقلانية» حماس

 السعودية اليوم -

سـر «عقلانية» حماس

عريب الرنتاوي

بدت حماس كما لو أنها “والدة الطفل” في الجولة الأخيرة من الصراع بين القطبين الفلسطينيين على السلطة ... مال الناطقون باسمها إلى تعظيم فوائد الحوار والابتعاد عن المهاترات، وشدد كثيرون منهم على عدم جواز طرح قضايا الخلاف عبر شاشات الفضائيات، وكانوا شديدي الثقة، بإن الحوار وحده، كفيل بتجسير الفجوة التي تباعد ما بين الطرفين، مهما اتسعت شقتها ... مقابل ذلك، بدا خطاب السلطة وفتح، هجومياً وتهديدياً، سيما ما صدر منه على لسان الرئيس محمود عباس شخصياً.

إنها الحاجة، يجادل كثيرون، حاجة حماس للمصالحة و”حكومة الوفاق”، والتي تفوق ربما حاجة فتح لها في هذه اللحظة التكتيكية ... حماس التي خاضت حرباً مكلفة وتدميرية، بنت منظومة مواقفها وسياساتها ورهاناتها على هدف رفع الحصار، مرة واحدة وإلى الأبد ... لقد جرى تدمير مساحات واسعة من مدن غزة وبلداتها ومخيماتها، قرباناً لرفع الحصار وفتح المعابر، وقد بدا أن صمود أهل غزة وبسالة مقاومتها، قد جعلت تحقيق هذا الهدف أمراً ممكناً، كما لم يحدث من قبل، أقله طوال سنوات الانقسام السبع العجاف.

لكن ما أن وضعت الحرب أوزارها، حتى اكتشفت حماس أن رفع الحصار، سيكون مشروطاً بعودة السلطة إلى القطاع، بقوة، لا عودة شكلية، أو على حد تعبير الرئيس أبو مازن مجرد “طربوش” ... ثم ليتضح في سياق مفاوضات القاهرة وما بعدها، أن الأمر لا يتعلق بعودة السلطة إلى غزة فحسب، بل وتقليص نفوذ حماس وتخفيف قبضتها على مؤسسات الحكم في القطاع، وثمة من الأطراف العربية والدولية من يريد الذهاب إلى ما هو أبعد من ذلك: تقليم أظافر حماس وتقليع أنيابها... لقد ظهر لحماس أنها أمام معادلة قاسية للغاية: كل تقدم على طريق رفع الحصار وفتح المعابر وإعادة الإعمار، سيكون مرهوناً بتراجع حماس وانكفاء دورها وتقليص سلطتها على القطاع ... هنا تصطدم حسابات الحركة مع مصالح حاضنتها الشعبية، فكيف ستتصرف؟ ... نحن حتى الآن، لا ندري.

إن ظل الحال على هذا المنوال، ستكون النتيجة بعد 51 يوماً من القتال الضاري، أن حماس ستجد نفسها محاصرة بالأنقاض والخرائب التي تمتد على امتداد البصر، وحيثما يممت وجهك، من دون أن يرفع الحصار، ومن دون أن تفتح المعابر ... مثل هذه النتيجة، ستكون كارثية على أهل غزة وعلى حماس، وامتداداً حتى السلطة نفسها، وهذا السيناريو الكابوسي، كفيل وحده، بتفجير منابع “العقلانية” في خطاب الحركة، ويدفع كبار الناطقين باسمها على الأقل، للابتعاد عن أية مظاهر استفزاز أو استعلائية، لم تكن غائبة عن خطابهم ولهجتهم في مراحل سابقة على أية حال... سر “عقلانية” حماس اليوم، هو ذاته، سر “قوة” و”هجومية” عباس عليها.

مثل هذه “العقلانية” في الخطاب، لا تمنع حماس بالطبع، من ممارسة شتى أشكال التعبئة والتحريض ضد فتح والسلطة والرئيس، ولقد تواترت التقارير عن “حالة رعب” يعيشها نشطاء فتح في القطاع، ورأينا سيدات من حماس يصطففن في طابور طويل، حاملات ليافطات من نفس الحجم والخط والطراز والتصميم، تندد بـ “ابن اليهودية” وتتوعد بالانتصار عليه ... ولا أحسب أن المقصود بـ “ابن اليهودية” بينيامين نتنياهو، فالأخير من أبوين يهوديين، ما يعني أنناأمام “عقلانية اضطرارية”، وليس أمام سلوك صادر عن “أم الطفل”، كما تقول الحكاية الشعبية المعروفة.

لا ينفع في ظل وضع كهذا، أن يقال لأهل غزة، بأن حماس ليست مسؤولة عن استمرار حصارهم وبقاء خرائبهم على حالها، وقد تأتي ساعة تنقلب فيها المشاعر والحسابات، وربما هنا تكمن رهانات رام الله، وقد يأتي زمن تصبح فيه عودة السلطة، بأي ثمة، مطلباً للخلاص من جحيم المعاناة الإنسانية ... مثل هذه الاحتمالات، غير مستبعدة، بل ومرجحة، إن لم نتوصل إلى حلول، ولا ريب في إن حماس تدرك هذا بلا شك، وتعمل ما في وسعها لتفاديه.

على أن “رام الله” ستكون مخطئة تماماً إن هي ظنت، أن تكتيكاً كهذا يمكن أن يعجل في استعادة نفوذها وتعزيز مكانتها .... وأحسب أن السلطة التي تناغمت مع المقاومة في فترة الحرب، ووفرت لها التغطية السياسية والوطنية، بعد فترة من التردد والارتباك، كسبت كثيراً جراء هذا الموقف، وأمكن لها أن تحسن صورتها وتعزز مكانتها في الأسابيع الأخيرة للحرب والمفاوضات ... لكنني ومن دون أن امتلك أية نتائج لاستطلاعات قد تكون أجريت بعد فتح النار على حماس، أكاد أجزم، بأن السلطة وفتح والرئيس، قد خسروا المزيد من “شعبيتهم” المتآكلة أصلاً ... ولا أدري ما الذي ينفع حركة تحرر، أن تكسب احترام الخارج وتخسر نفوذها وشعبيتها في الداخل.

وسوف تواجه السلطة أسوأ كوابيسها، إن هي لم تسارع في توفير كل ما يلزم من دور وجهد لرفع الحصار والمعاناة والأنقاض التي يرزح تحت عبئها أكثر من ثلث سكان القطاع ... سيما إن تأكد للسلطة، بعد حين لن يطول، بأن رهاناتها اليائسة على الخيار التفاوضي، لن تأخذها إلى مطرح، وأنها أكلت يوم أكل الثور “الأخضر” في قطاع غزة.

arabstoday

GMT 15:09 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

ابنه البكر

GMT 15:08 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

... إنّها حرب تطالبنا بأن ننسى كلّ شيء تقريباً

GMT 15:07 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

المشعوذون القدامى... والجُدد

GMT 15:04 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

الدول العربية «المضروبة»

GMT 15:03 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

حانت لحظة الرحيل

GMT 15:02 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

الأسئلة الصعبة

GMT 15:01 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

من غزو العراق... إلى حرب غزّة

GMT 15:00 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

عن رسالة بوريل ومستقبل أوروبا

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سـر «عقلانية» حماس سـر «عقلانية» حماس



إطلالات متنوعة وراقية للأميرة رجوة في سنغافورة

سنغافورة - السعودية اليوم

GMT 01:25 2017 الأربعاء ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

رائد محسن يكشف كيفية تربية الأطفال بالطرق الصحيحة

GMT 17:06 2018 الإثنين ,03 أيلول / سبتمبر

جرائم الكيان المعنوي للحاسب الآلي

GMT 12:53 2017 الأحد ,29 تشرين الأول / أكتوبر

مدرب النصر يمنح حسام غالي الفرصة الأخيرة لتحسين الأداء

GMT 04:43 2017 الجمعة ,20 تشرين الأول / أكتوبر

مجموعة ساحرة من خواتم الأصبعين الثنائية من

GMT 11:18 2021 السبت ,30 كانون الثاني / يناير

أغلى السيارات التي طرحت عبر تاريخ الصناعة

GMT 14:22 2020 الجمعة ,25 أيلول / سبتمبر

وفاة شقيق الفنان محمود حميدة

GMT 22:52 2020 السبت ,02 أيار / مايو

أبرز 6 شخصيات عربية على موقع "يوتيوب"

GMT 08:20 2019 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

!الوهم الأبیض
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
alsaudiatoday alsaudiatoday alsaudiatoday
alsaudiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab