عريب الرنتاوي
الله أكبر المصاحبة للقصف الإسرائيلي لدمشق، ومظاهر البهجة والسعادة والشماتة المريضة، التي ميزت ردود أفعال شخصيات ورموز من المعارضة السورية، تدفعنا للاعتقاد الجازم، بأن بعض أو كثير من خصوم الأسد، هم أسوأ منه بكل الحسابات والمعايير..وأن بعض داعميهم، هم أسوأ من إسرائيل ذاتها، إذ ارتضوا لأنفسهم، دور المطاياوالخدم الأذلاء لشهيتها العدوانية والتوسعية.
لقد سقطت الأقنعة عن بعض أدعياء "العروبة الجديدة"، التي أعادت تعريف نفسها ضد الجوار التاريخي للأمة..ولم تعد ترى من الأخطار، سوى تلك القادمة من الشرق، من "بلاد فارس"..سقطت الأقنعة عن بعض "أدعياء الصحوة"، الذين اجتاحهم الحنين لعهود التحالف مع "قوى الاستبكار العالمي" ضد الخطر الشيوعي، فارتضوا في حينه خوض الحرب آلاف الأميال بعيداً عن أرض الحشد والرباط والوقف..وها هم اليوم، يعيدون انتاج التحالف ذاته، ومن موقع الاستجداء والتوسل والتسول، ولكن ضد "الخطر الشيعي" الآتي من الشرق كذلك.
بئس الديمقراطية التي ستأتي بها صوايخ تل أبيب و"الناتو"..بئس الحرية التي ينتظرها هؤلاء من سادة التهجير والمجازر والعنصرية..بئس "الثورة" إن كان "منقذوها" و"فرسانها" من طراز وشاكلة نتنياهو ويعلون وليبرمان ونفتالي بينيت..بئس التغيير إن كان سيحيل سوريا إلى "دويلة سعد حداد"، أو يجعل منها حديقة خلفية لقصر الأمير..بئس التحوّل إن كان سيفضي إلى وضع منبر المسجد الأموي تحت تصرف فقهاء الظلام وشيوخ القفار الوهابية.
آن الأوان لوطنيي سوريا وقومييها وديمقراطييها و"إسلامييها المتنورين"، أن يرفعوا الصوت عالياً لتحرر من قبضة المرتزقة والأفاقين والعملاء، الذين لم يبقوا جهاز استخبارات "يعتب عليهم"، ولم يتركوا "دشداشة" من دون أن يتمسحوا بأذيالها..آن الأوان لإنقاذ سوريا وإدراك ما يمكن إدراكه من مزقها وأشلائها.
أما النظام السوري، فعليه أن يستخلص مما حصل في قلب عاصمة "ملكه غير السعيد"، الدورس والعبر..لا أن يوغل في "التوظيف الرخيص للعدوان"، فيخلص إلى نتيجة مفادها أن كل من يناهض النظام، هو عميل إسرائيلي لا محالة، وأن العالم منقسم إلى فسطاطين، فسطاط الأسد ونظامه، وفسطاط الخونة والجواسيس والعملاء.
وعلى النظام أن يدرك تمام الإدراك، أن ظهره إلى جدار..وأن حكاية "الرد في المكان والتوقيت المناسبين"، لم تعد مناسبة أبداً..فهو أما أن يثبت بالملموس بأنه "نظام مقاومة وممانعة"، فيعمد إلى رد التحية بمثلها، حتى لا نقول بأحسن منها، وإما أن يقامر بسقوط كل المنظومة السياسية والدعائية التي بنى عليها خطابه طوال الأعوام الماضية، وبالأخص في السنتين الأخيرتين..الأمر لم يعد يحتمل التأجيل و"المطمطة"..الوضع بات يتطلب معالجات غير مألوفة.
وكان يتعين على النظام بدل اعتماد نظرية الفسطاطين، أن يتخذ من العدوان الإسرائيلي على قلب سوريا، مناسبة لإطلاق مبادرة حقيقية لحل الأزمة السورية..أن يخرج رأس النظام بنداء للشعب السوري في كل أماكن تواجده، ومن كل المشارب والمنابت والاتجاهات، بأن تعالوا إلى كلمة سواء، لحماية سوريا ورد العدوان عنها..وأن يبدأ بخطوات جدية على طريق الحل السياسي، لا أن يقضي "الزمن بطوله" في حوارات بروتوكولية جوفاء، لا نعرف متى ستنتي ولا كيف، ولا من يحاور من؟.
هي مناسبة لكي يستيقظ صوت العقل والمنطق والحكمة، ولكي تكون كلمة سوريا هي العليا..وما زلنا نأمل أن يخرج من داخل النظام ومن بين المعارضات السورية الشريفة والوطنية، من يرفع الصوت عالياً لإنقاذ سوريا ووقف انهياراتها..لا أن يصبح العدوان سببا في إنعاش نزعات "الاستقواء بالأجنبي" وتجذير ميول العمالة والتخاذل والتفريط والخيانة..ولا أن يُتخَذَ منه، وسيلة لإعلان الحرب على الشعب السوري بكل مكوناته، بدل إعلان الحرب على إسرائيل التي بادرت هي بفتح النار وخرق الاتفاقات وشن العدوانات.
والعدوان مناسبة لكي تعيد بعض العواصم العربية، تقييم وتقويم موقفها، فتفرز الغث من السفين، وتوقف مسلسل انهياراتها وتنازلاتها المجانية، وتكف عن صب الزيت على نيران الأزمة الطائفية والمذهبية في المنطقة، وأن تضع حداً نهائياً، لهيمنة عواصم البترودولار الوهابية على زمام القرار العربي..آن الأوان لتسطير شهادة وفاة "الحقبة القطرية" في قيادة العمل المشترك، فلقد رأينا الجامعة وكثير من عواصم العرب وإعلامهم وأموالهم، تصب الحب صافياً في طاحونة إسرائيل ومشروعها الاستعماري في المنطقة، من سوريا إلى فلسطين.
آن الأوان لاعادة الاعتبار للمشروع والهوية القوميين، واستعادة الوحدة الإسلامية، التي يعمل هؤلاء على تدميرهما، لا لكي تصبح إسرائيل "أصغر أقلية" في المنطقة، بل ولتصبح قطر، الدولة الأكبر في المنطقة، بعد أن تكون معاول التمزيق والتدمير والتقتيل، قد عاثت بها تخريباً وتفتيتا.
آن الإوان لإخراس الأصوات المذهبية الحقودة والمتخلفة والغرائزية، التي تستمرئ التحالف مع كل أعداء الأمة، ضد "الاخر في الوطن والدين والمذهب"..أياً كانت مبررات هؤلاء ومهما ارتقوا في سلالم "المكانة الزائفة" و"الألقاب الرفيعة".
آن الأوان للمثقفين والمفكرين العرب، للإفلات من حقبة المال النفطي الحرام، فيعودوا إلى مواقعهم التي انفصلوا عنها تحت إغراء المال وبريق الدولارات، وأن يكفروا عن خطاياهم بفضح الأدوار التي لعبتها هذه العواصم في تخريب ثورات الربيع العربي واختطافها وحرفها عن وجهتها..فضلاَ عن أدوارهم التآمرية على القضية الفلسطينية ماضياً وحاضراً ومستقبلاً.
حربنا على الديكتاتورية والفساد، أنظمة وأحزاب وزعامات، نخوضها نحن، بأجندتنا وتطلعاتنا الوطنية والقومية، وأية محاولة لإدماجها في حروب الآخرين وأجنداتهم المشبوهة، تفقد هذه الثورات شرعتيها، وتحيلها إلى مؤامرات، وتجعل من الثوار مرتزقة وبلاك ووتر في أحسن الأحوال، وتجعل من شعاراتها المقدسة، حصان طروادة لإسقاط دولنا ومجتمعاتنا من الداخل.
لن نكون مع إسرائيل في وجه الأسد ونظامه..لن نكون معها في وجه أي نظام عربي أو إقليمي..ولسنا مرغمين على الانضواء تحت زعامة أنظمة فاسدة وديكتاتورية وعائلية..لنا طريقنا للحرية والتحرير والكرامة، طريقنا الخاص المستقل، الذي لن يضل بوصلته، مهما بلغ الضغط والابتزاز..سنقاتل العدوان الإسرائيلي مع الأسد ومن دونه، وسننضال مع الشعب السوري التوّاق للحرية والكرامة، كتفاً إلى كتف..تلكم هي المعادلة التي يجهد الثرثارون والمرتزقة والمنافقون في محاولة طمسها وصرف الأنظار عنها.
نقلا عن موقع القدس للدراسات السياسية