ليست حرباً باردة ولا ساخنة

ليست حرباً باردة ولا ساخنة

ليست حرباً باردة ولا ساخنة

 السعودية اليوم -

ليست حرباً باردة ولا ساخنة

عريب الرنتاوي

لم تكن الحرب البادرة صراعاً بين قوتين عظميين للاستحواذ على العالم وانتزاع مساحات أوسع للسيطرة والنفوذ، هذا كان مظهراً من مظاهر تلك الحرب وشكلاً من أشكال تجلياتها المختلفة ... الصراع الحقيقي كان محتدماً بين إيديولوجيتين ونموذجين، أراد كل فريق من الأفرقاء المصطرعة، تعميمه وضمان انتصاره، لا في "المناطق المتنازع عليها" فحسب، بل وفي عقر دار الفريق الآخر... الحرب الباردة انتهت بانهيار الاتحاد السوفياتي وسقوط جدار برلين وهزيمة المعسكر الاشتراكي، ما مكّن منظرو المعسكر الآخر من التبشير بالإنسان الآخر وإعلان "نهاية التاريخ". اليوم، ومع تزايد الحديث عن عودة روسيا إلى ملاعب السياسة والنفوذ الدوليين، بقوة وأحياناً بتحدٍ، عاد الحديث عن "حرب باردة" جديدة، في طريقها لتطبع العلاقات الدولية، وتقرر وجهة السياسات والاستراتيجيات العالمية حيال القضايا الأكثر تفجراً في المنطقة ... بدأ الأمر مع تعاظم الدور الروسي في الأزمة السورية تحديدا، وتطور على نحو غير مسبوق، مع اندلاع الأزمة الأوكرانية، وتحديداً بعد اتضاح معالم القرار الروسي بضم جزيرة القرم الاستراتيجية، تحت غطاء حماية الناطقين بالروسية، وحق القرميين في تقرير مصيرهم، وبصورة تحاكي سيناريو "كوسوفو"، وثمة من يقول سيناريو "اسكتلندا"، مع أن الأخير يبدو مقحماً تماماً، ومنزوعاً من سياقه. من حيث الشكل، يبد أن الصدام بين القوتين العظميين، يأخذ شكل الحرب الباردة، من حيث توتراتها وأدواتها وساحات المواجهة المفتوحة فيها، بما فيها ساحة "مجلس الأمن"، وخيار "التلويح" بالقوة، وتوفير الدعم والمظلة للحلفاء بصرف النظر عن سجلهم في الحكم والمعارضة على حد سواء ... تستوي في ذلك الولايات المتحدة وحلفائها مع روسيا وأصدقائها. لكن ما ينزع عن هذه "المواجهة الدولية" صفة "الحرب الباردة" من وجهة نظرنا، أن روسيا الاتحادية اليوم، ليست الاتحاد السوفياتي بالأمس ... فلا نموذج لديها قابل للتصدير، أو مرغوب في استيراده، ولا إيديولوجيا تنافح بها عن فقراء العالم من عمال وفلاحين وشعوب مستعمرة تتوق للحرية والاستقلال ... روسيا اليوم، ليست لديها القوة الأخلاقية، حتى وإن كانت "مُتخيلة" كما كان عليه حال الاتحاد السوفياتي المنحل ... روسيا اليوم، دولة رأسمالية من الحجم المتوسط اقتصادياً، أما اقتدارها العسكري، فموروث في بنيته الأساسية عن الحقبة السوفياتية. لا دور للإيديولوجيا في الصراع الدولي الدائر حالياً على النفوذ والأدوار و"المجالات الحيوية" ... وثمة من روّج لنظرية "سقوط الإيديولوجيا" مع انهيار جدار برلين، ومنذ ذلك التاريخ، لم يثبت أن للإيديولوجيات أدواراً محركة في صنع التاريخ الراهن والجاري للبشرية، اللهم إلا إذا نظر البعض لـ "السلفية الجهادية"، إيديولوجيا القاعدة وتفرعاتها، بوصفها الاستثناء لتلك القاعدة، وأحسب أنه استثناء يؤكد القاعدة ولا ينفيها. روسيا تتطلع لدور على الساحة الدولية، يليق بها وبحجمها وبتاريخها الامبراطوري، من القيصرية حتى الشيوعية ... لكن روسيا تعرف تماماً أنها ليست نداً للولايات المتحدة ومن خلفها المعسكر الغربي بمجمله ... هذه مقاربة تفوق قدرة روسيا على الاحتمال، وتتخطى أعباؤها قدرات الاقتصاد الروسي على الصمود ... لكن موسكو، وهي تعرف محددات قوتها وقدراتها، تتطلع للعب دور الشريك على المسرح الدولي، أقله في بعض أزماته، حيث لروسيا مصالح استراتيجية لا يمكن نكرانها أو إدارة الظهر لها ... روسيا تقاوم تهميشها وتسعى في درء الزحف "الغربي" الذي يحيط بها من جهاتها الأربع، ويكاد يتهددها في عقر دارها وليس في فنائها الخلفي. نحن العرب، أو كثيرون منا على الأقل، نعيد مع روسيا ذات الأخطاء التي قارفناها مع الاتحاد السوفياتي القديم ... اعطينا لموقف روسيا من قضايانا ما لم تحتمله موسكو أو تقبل به ... وضعناها من قبل ومن بعد، في خانة الحليف الاستراتيجي الذي لن يتورع عن إخراج صواريخه الاستراتيجية من مخابئها دفاعاً عن هذا "الزعيم" أو تلك العاصمة أو حتى تلك "المنظمة"، ولم نبذل جهداً ولو لمرة واحدة، في قراءة الخطاب الروسي ذاته، وكيف تنظر موسكو إلى علاقاتها بنا ومعنا ... أسقطنا تفكيرنا الرغائبي على الموقف الروسي، وانتهينا بخيبات أمل، كبرى ومتكررة. ليس معنى ذلك أن روسيا ليست صديقاً، وقد تكون صديقاً مقرباً أو مشروع حليف، بيد أن روسيا اليوم ابتداء ليست الاتحاد السوفياتي بالأمس ... وروسيا لا ترى إلينا بنفس العدسة أو المنظار التي يتطلع بعضنا من خلالها صوب موسكو ... روسيا دولة لها مصالح، تعرف حدودها، والأرجح أنها ستقف عندها، فهل نكف عن لعبة استبدال الرغبات بالحقائق؟

arabstoday

GMT 15:09 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

ابنه البكر

GMT 15:08 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

... إنّها حرب تطالبنا بأن ننسى كلّ شيء تقريباً

GMT 15:07 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

المشعوذون القدامى... والجُدد

GMT 15:04 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

الدول العربية «المضروبة»

GMT 15:03 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

حانت لحظة الرحيل

GMT 15:02 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

الأسئلة الصعبة

GMT 15:01 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

من غزو العراق... إلى حرب غزّة

GMT 15:00 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

عن رسالة بوريل ومستقبل أوروبا

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ليست حرباً باردة ولا ساخنة ليست حرباً باردة ولا ساخنة



إطلالات متنوعة وراقية للأميرة رجوة في سنغافورة

سنغافورة - السعودية اليوم

GMT 01:25 2017 الأربعاء ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

رائد محسن يكشف كيفية تربية الأطفال بالطرق الصحيحة

GMT 17:06 2018 الإثنين ,03 أيلول / سبتمبر

جرائم الكيان المعنوي للحاسب الآلي

GMT 12:53 2017 الأحد ,29 تشرين الأول / أكتوبر

مدرب النصر يمنح حسام غالي الفرصة الأخيرة لتحسين الأداء

GMT 04:43 2017 الجمعة ,20 تشرين الأول / أكتوبر

مجموعة ساحرة من خواتم الأصبعين الثنائية من

GMT 11:18 2021 السبت ,30 كانون الثاني / يناير

أغلى السيارات التي طرحت عبر تاريخ الصناعة

GMT 14:22 2020 الجمعة ,25 أيلول / سبتمبر

وفاة شقيق الفنان محمود حميدة

GMT 22:52 2020 السبت ,02 أيار / مايو

أبرز 6 شخصيات عربية على موقع "يوتيوب"

GMT 08:20 2019 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

!الوهم الأبیض
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
alsaudiatoday alsaudiatoday alsaudiatoday
alsaudiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab