الجريمة  والعقاب

الجريمة ... والعقاب

الجريمة ... والعقاب

 السعودية اليوم -

الجريمة  والعقاب

عريب الرنتاوي

الرصاصات التي اخترقت جسد القاضي رائد زعيتر وصعّدته شهيداً، أصابت في الصميم كرامة كل أردني وأردنية، وأطلقت موجة من الغضب والاستنكار، طالت مختلف الأوساط والمؤسسات والأحزاب، وأحسب أن جريمة من هذا النوع، تملي التفكير بعقاب يردع المحتل عن المضي في غطرسته وهمجيته. لسنوات وعقود، وإسرائيل تمارس القتل ضد الفلسطينيين والعرب، بالجملة والمفرق، سجلها حافل بالمجازر الجماعية ... بل أن للمجزرة دوراً مؤسساً في إقامة هذا الكيان فوق الأرض التي قيل إنها بلا شعب، لشعب قيل إنه بلا أرض، فما كان التهجير ممكنا، ولا إفراغ الأرض من سكانها الأصليين، لولا عمليات القتل التي لا تنتهي ولا تتوقف. هذه المرة، للجريمة مذاق أكثر مرارة ودموية، فهي أصابت رجل قضاء، وأصابته وهو زيارة لعائلته وبلده الأصلي، جاء البيوت من أبوابها، لم يُضبط متسللاً من تحت سلك شائك أو من فوق سياج أمني مكهرب ... لم يكن بحوزته سوى هدايا للأهل والأصدقاء، لا قنابل ومتفجرات ولا أحزمة ناسفة ... ولن يصدقن عاقل بأن الرجل قرر الذهاب إلى نابلس لتحيّن الفرص للانقضاض على بندقية جندي إسرائيلي واستخدامها في تنفيذ "عمل إرهابي"، كما ألمحت حاولت الرواية الإسرائيلية أن تقول. لكن الرجل انتصر لكرامته، فإسرائيل تتعامل مع الداخلين إليها والخارجين منها، بوصفهم قطعان من السوائب، يحق لها أن تركلهم بأرجل جنودها، وأن تبقيهم في طوابير الانتظار المضنية لساعات طوال، وأن تعيدهم من حيث أتوا من دون ذكر الأسباب، وأن تعيث فساداً في حقائبهم وأمتعتهم، وأن تنفرد بكل واحد منهم، لساعات من التحقيق السمج والمذل. معاناة الفلسطينيين على المعابر وحواجز الذل، باتت موضوعات لعشرات الكتب والأفلام وآلاف التحقيقات الصحفية والإعلامية، وثمة قصص مروعةً عن مريض فقد حياته أو حامل وضعت مولودها، على هذه الحواجز والمعابر اللعينة ... وإسرائيل تصر على الاحتفاظ بها لسنوات وسنوات، إذا ما أمكن إبرام أي اتفاق مع الفلسطينيين. الزائر هذه المرة، يحمل الجنسية والرقم الوطني الأردنيين، شأنه شأن بضعة ملايين من الأردنيين من أصول فلسطينية ... الدولة التي يحمل جنسيتها وجواز سفرها، هي ثاني وآخر دولة عربية، تبرم اتفاق سلام مع إسرائيل ... وهي الدولة الأكثر وفاءً بالتزاماتها والأكثر حماساً للمفاوضات والتسويات السياسية، وهي مصنفة في عداد الدول الصديقة والحليفة، لا الدول المارقة، ومع ذلك، يجري التعامل بهذه الوحشية والبربرية مع مواطنين يحملون جنسيتها، وصولاً إلى إطلاق النار بدم بارد، ومن على مبعدة سنتيمترات محدودة، ومباشرة في الصدر، في مقتل. لا ندري ما الذي ستأتي به نتائج التحقيق الإسرائيلي في جريمة قتل القاضي زعيتر ... لكنني أحسب أن جهات التحقيق الإسرائيلية بحاجة لقدر كبير جداً من الوقاحة والصلف، لوضع اللائمة على القاضي الشهيد، فلا الضحية ولا ظروف الجريمة ومكانها، ولا شهادات شهود العيان، ستساعد المحقق الإسرائيلي على الادعاء بأن الجندي كان في وضع دفاع عن النفس، وأن الضحية هي من بادرت بالاعتداء، تماماً مثلما يفعلون في كل مناسبة تسقط فيها أرواح فلسطينية بريئة ... ولكننا نتطلع فعلاً لمعرفة ما الذي سيرد في تقرير التحقيق. لكن الأمر الذي نعرفه جيداً، هو أن كرامة الدولة من كرامة مواطنيها ... وعلى الحكومة أن تبعث إلى تل أبيب برسائل قاطعة في وضوحها، مفادها أننا نتوقع منها اتخاذ إجراءات تشبه ما فعلته حكومتنا بعد حادثة الباقورة وما قبلت به حكومتهم بعد اقترافها جريمة "مرمرة" ... لا أقل من الاعتذار للشعب الأردني وأسرة الشهيد، لا أقل من التعويض المناسب، لا أقل من القصاص العادل لمن أعطى الأمر بإطلاق النار ومن نفذه، والأهم من هذا وذاك، التعهد بأن أمراً مشابها لا يمكن أن يحدث مستقبلاً.

arabstoday

GMT 15:09 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

ابنه البكر

GMT 15:08 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

... إنّها حرب تطالبنا بأن ننسى كلّ شيء تقريباً

GMT 15:07 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

المشعوذون القدامى... والجُدد

GMT 15:04 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

الدول العربية «المضروبة»

GMT 15:03 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

حانت لحظة الرحيل

GMT 15:02 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

الأسئلة الصعبة

GMT 15:01 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

من غزو العراق... إلى حرب غزّة

GMT 15:00 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

عن رسالة بوريل ومستقبل أوروبا

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الجريمة  والعقاب الجريمة  والعقاب



إطلالات متنوعة وراقية للأميرة رجوة في سنغافورة

سنغافورة - السعودية اليوم

GMT 01:25 2017 الأربعاء ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

رائد محسن يكشف كيفية تربية الأطفال بالطرق الصحيحة

GMT 17:06 2018 الإثنين ,03 أيلول / سبتمبر

جرائم الكيان المعنوي للحاسب الآلي

GMT 12:53 2017 الأحد ,29 تشرين الأول / أكتوبر

مدرب النصر يمنح حسام غالي الفرصة الأخيرة لتحسين الأداء

GMT 04:43 2017 الجمعة ,20 تشرين الأول / أكتوبر

مجموعة ساحرة من خواتم الأصبعين الثنائية من

GMT 11:18 2021 السبت ,30 كانون الثاني / يناير

أغلى السيارات التي طرحت عبر تاريخ الصناعة

GMT 14:22 2020 الجمعة ,25 أيلول / سبتمبر

وفاة شقيق الفنان محمود حميدة

GMT 22:52 2020 السبت ,02 أيار / مايو

أبرز 6 شخصيات عربية على موقع "يوتيوب"

GMT 08:20 2019 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

!الوهم الأبیض
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
alsaudiatoday alsaudiatoday alsaudiatoday
alsaudiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab