بقلم - عريب الرنتاوي
المرور بقائمة المحظيين بالعفو الرئاسي، تشفُّ بما لا يُبقي مجالاً للشك، عن «هوية» صاحبها ومنشئوها: دونالد ترامب، بل وتعطي صورة أفضل من أي «تحليل» حول «شخصيته» ومنظومته القيمية ... حفنة من القتلة والمارقين، الذين قارفوا جريمة حرب ضد مدنين عراقيين أبرياء وعزّل ... قاتل لمهاجر مكسيكي ... سارقون ومرتشون ومحتالون، منهم من كذب تحت القسم مضللاً الكونغرس دفاعاً عن رئيسه ... ومنهم من اختلس من أموال الحملة الانتخابية، أموال دافعي الضرائب ... محتال ومتهرب من الضرائب، هو بالمناسبة «نسيبه» للرئيس ووالد جارد كوشنير، «الفتى الغر»، الذي ارتبطت بملامح وجهه الباردة، أكثر السياسات عداءً وتنكيلاً بالشعب الفلسطيني.
ثمة المزيد من المحظيين، يصطفون في طابور الانتظار، للحصول على «صك البراءة والحصانة» من الرئيس المنصرف: عائلته وصهره وبعض كبار مقربيه ومساعديه، محاميه رودي جولياني، الذي تصرف كرجل مافيا وهو يطارد هنتر بايدن، ويسعى في إبطال نتائج الانتخابات الرئيسية ... وصولاً الى شخص الرئيس، الذي يرجح أن يمنح نفسه عفواً رئاسياً عن كل جرائمه وذنوبه، ما تقدم منها وما تأخر ... هذا أمر غير مسبوق في تاريخ الولايات المتحدة، وهذ سلوك يليق بـ»عصابة إجرامية» وليس برئيس أكبر «الديمقراطيات» في العالم ... هذا أمرٌ مشين، لا يجب أن تسمح «المؤسسة» والمجتمع المدني الأمريكيين، بأن يمر مرور الكرام، سيما وأن موفديها وخبرائها، لطالما أمطرونا خلال سنوات وعقود بوابل من المحاضرات والمواعظ حول «المساءلة» و»المحاسبة» و»الشفافية» و»عدم الإفلات من العقاب».
تزامنت «مكارم» ترامب على القتلة والمقربين منه، مع تسجيله رقماً قياسياً آخر (الرجل شغوف بتسجيل السوابق أو الأسبقيات)، حين وقع على عدد من أحكام الإعدام التي جرى، أو سيجري، تنفيذها قبل مغادرته البيت الأبيض ... حكم الإعدام مذموم دولياً، لكن ليس هذا ما نريد التوقف عنده، فالرجل لا يستطيع أن يغفر عن جرم أودى بحياة أمريكي واحد، بيد أنه قادر بجرة قلم، على إبراء قتلة محترفين، أطلقوا النار بدم بارد، على نساء ورجال وأطفال عراقيين، ومن مسافة قصيرة، ومن دون إحساس بالذنب أو تأنيب الضمير.
ليس التهرب الضريبي جريمة بنظر رجل، تنشغل محاكم بعض الولايات في تدقيق سجلاته وتمحيص اتهامات بالتهرب والتجنب الضريبيين ... ترامب ينهي ولايته من دون أن يكشف عن سجلاته الضريبية للرأي العام، برغم وعوده المتكررة، وثمة مروحة من المحيطين به، يشتهرون بخبراتهم المتراكمة في هذا المجال.
وليس الاحتيال والكذب، حتى تحت القسم، جريمة بنظر رجل، يكذب كما يتنفس، ونشكر الإعلام الأمريكي الذي بذل جهدا ووقتاً ومالاً وفيراً، لرصد وتوثيق أكاذيبه ... الكذب جزء من ماكينة «البروباغندا» الشعوبية التي يمثلها الرجل.
ليس المهم أن تقارف ما تقارف من جرائم، المهم ألا تضبط متلبساً، وألا تترك خلفك دليل إثبات دامغا ... بعد ذلك، ستتولى جيوش المحامين والإعلاميين، مهمة «تبييض صورتك»، وإخراجك من كل مأزق مثل «الشعرة من العجين» ... أليس هذا هو سجل الرجل في الفضيحة الروسية والأوكرانية ودعاوى التحرش ودفع الأموال لشراء صمت الضحايا؟
بمثل هذه المنظومة الأخلاقية، هل يمكن للرجل أن يكون مؤتمناً على «منظومة القيم الأمريكية»؟ ... هل يمكن افتراض الفصل بين أخلاق الفرد وسلوكياته من جهة، و»أخلاق النظام ومنظومته القيمية» من جهة ثانية، سيما إن كان هذا «الفرد» على رأس هرم سلطة، تمنحه من السلطات والصلاحيات، ما يكفي لجعله «أقوى رجل في العالم»؟