عريب الرنتاوي
من دون المقامرة بوحدة البلاد وأمنا واستقرارا وسلما الأهلي، يصعب على قادة كل من العراق ولبنان، الاستجابة لنداءات «الانحياز» والاستقطاب» لهـذا المحور الإقليمي/الدولي أو ذاك ... التكوين الاجتماعي – الديموغرافي، وتوازنات القوى وديناميّاتهـا في كلا البلدين، فضلاً عن ارتفاع منسوب التدخلات الإقليمية والدولية في شؤونهـما الداخلية، تقول بذلك، وتجربة التاريخ القديم (لبنان) والحديث (العراق)، حافلة بالشواهـد الدالة على صلابة هـذا المُعطى.
إن انخرَطَ البلدان في استراتيجية «محور المقاومة والممانعة» بقيادة إيران، فإن خياراً كهـذا سيقابل بالرفض والصّد، من قبل مكونات سياسية سنية وكردية وفئات متزايدة من الشيعة (العراق)، ومن قبل السنة والمسيحيين، وفئات أقل من الشيعة (لبنان) ... وإن ارتضى البلدان التحول إلى «منصّة» للاعتداء على إيران أو سوريا، يكونا قد قامرا باندلاع حربٍ أهـلية، ليس ثمة من ضمانة أكيدة، بأن أحداً سيخرج منهـا منتصراً، والسيناريو الأكثر ترجيحا، أن يخرج منهـا البلدان اللذان اكتويا بنيران الفرقة و الاحتراب الأهـلي، مهـشميَن ومهـمَشين.
«التوازن»، هـي كلمة السّر التي اهـتدى إليهـا رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، فلا يكاد يمضي يوم أو يمر لقاء أو مناسبة، من دون التذكير بهـا وترديدهـا ... و»التوازن» عنده، أن العراق لا يمكن أن يقبل بدور «صندوق البريد» لتبادل الرسائل الدامية بين واشنطن وطهـران، أو لبقية المحاور المتصارعة في المنطقة ... العراق لا يمكن أن يكون «عضواً» في نادي «المقاومة والممانعة»، بيد أنه لن يكون «قاعدة أمامية» للولايات المتحدة وإسرائيل لتسوية حساباتهـما وتصفيتهـا مع إيران.
والحقيقة أن في العراق قوى وميليشيات وجماعات، تدفع باتجاه الذهـاب بعيداً في الاصطفاف خلف هـذا المحور أو ذاك، وإذا كان الحشد الشعبي» هـو رأس حربة النفوذ الإيراني في العراق، وأبرز دعاة اصطفافه في «محور المقاومة»، فإن ثمة قوى في شماله، تحتضن القواعد الأمريكية والاطلسية والوجود الإسرائيلي الاستخباري الكثيف هـناك، فضلاً عن بعض القوى السنيّة الأقل نفوذاً الآن، والتي لا يضيرهـا أن تجعل من بلاد الرافدين، خطاً أمامياً لمواجهـة إيران وتحجيم دورهـا الإقليمي وتقليص طموحاتهـا «الإمبراطورية» التي تتخطى المساحة الممتدة ما بين قزوين والمتوسط، ولا يضيرهـا كما أثبتت تجارب الماضي القريب، أن تتلقى الدعم المالي والعسكري من قبل أطراف خارجية (عربية، إقليمية ودولية)، وصولاً لتشكيل ميليشيات مسلحة، برداء مذهـبي متطرف.
وإذا كانت مهـمة الكاظمي في استعادة «التوازن» لموقع العراق ودوره في الإقليم، تصطدم بالحشد الشعبي وداعميه السياسيين من كتل وأحزاب شيعية مقربة من طهـران، فإن هـذه المهـمة تصطدم في المقابل، بعقبة لا تقل صعوبة، في شمالي العراق، المسيّج بالخطوط الحمراء والحكم الذاتي الذي يلامس ضفاف الدولة المستقلة ... الحشد الشعبي مبثوث «تحت جلد» حكومته ونظامه السياسي في بغداد، أما بعض المكونات الكردية، فبمنأى عنه، وبعيدة عن أذرعه الأمنية والعسكرية ... سياسياً ودستورياً وأخلاقياً، هـو مسؤول مسؤولية مباشرة عمّا يفعله الحشد، بوصفه «القائد الأعلى»، أما في الحالة الكردية، فبمقدوره ادعاء عدم المسؤولية، سياسياً على الأقل، طالما أن الوضع هـناك خارج السيطرة والتحكم، وبحماية دولية.