الفقر حين يصبح «نظرية ثورية»

الفقر حين يصبح «نظرية ثورية»

الفقر حين يصبح «نظرية ثورية»

 السعودية اليوم -

الفقر حين يصبح «نظرية ثورية»

بقلم - عريب الرنتاوي

على وقع «الحرب الاقتصادية» التي تشنها الولايات المتحدة وبعض من حلفائها ضد أركان «محور المقاومة والممانعة»، تكاد تتبلور «نظرية» جديدة، تمجّد الفقر، وتجهد في البحث عن «مزاياه»، في الحلقة الثالثة من برنامج «قواعد الاشتباك» التي بثتّه قناة «الميادين»، جادل الضيفان الآخران، النائب نواف الموسوي، وبالأخص عبد الباري عطوان، في التقليل من أثر العقوبات، وصولاً لتمجيد الفقر، ومحاولة البرهنة على أنه «ينبوع» الثورة والمقاومة والتحرير الذي لا ينضب.
واشنطن تفرض أقسى منظومة عقوبات، غير مسبوقة في التاريخ على إيران، وهي تمضي في إحكام الحصار المضروب على نظام الثورة الإسلامية، متشجعة بحركات الاحتجاجات الاجتماعية، التي ما أن تهدأ حتى تنفجر من جديد، ودائماً على خلفية الأزمة التي تعتصر الاقتصاد الإيراني، والتي يعد الحصار أحد أسبابها الرئيسة، وإن كانت لها أسباب أخرى بالطبع، تتصل بالسياسات والإجراءات والأولويات وتوظيف الموارد وغير ذلك.
في سوريا، تربط واشنطن بين مساهمتها في إعادة الإعمار المكلفة للغاية من جهة، وسعيها لتحقيق مآرب سياسية من جهة ثانية، بل وتعمد واشنطن إلى التلويح بأنها ستوظف نفوذها لدى الدول الصناعية الكبرى، وحلفاء واشنطن الخليجيين، للانضمام إليها في أوسع عملية «ابتزاز» لسوريا وإيران وروسيا، والمعروف أن إعادة إعمار سوريا، يتطلب ضخ مئات مليارات الدولارات على شكل مساعدات، وبالأخص استثمارات، لبناء ما هدّمته سنوات ثماني من الحرب في سوريا وعليها.. وهذا ما تنبهت له روسيا مبكراً وتجاهله «معشر الثوريين العرب».
أما حزب الله، فإن واشنطن تدير منظومة عقوبات، تستهدف بيئتة الحاضنة، طالما أن دعم الحزب وتمويله، يتم عبر قنوات، لا تخضع لمراقبة وسيطرة «الاحتياطي الفيدرالي» الأمريكي.. فك الارتباك بين الحزب وقاعدته «الشيعية» أساساً، هو هدف هذه الحرب «اللئيمة» التي تسعى للضغط على «يد الحزب المجروحة»، سيما وأن ثمة من يزوّد واشنطن بالمعلومات والتقديرات، التي تتحدث عن تذمر هذه «البيئة» من سوء الخدمات وضعفها في معظم إن لم نقل جميع مناطق انتشارها.
يقول الزميلان، إن إيران أفلتت من أربعين عاماً من الحصار والعقوبات، وأنها نجحت في بناء منظومة دفاعية متطورة، بالاعتماد على الذات، ودخلت عصر «النووي والصاروخي»، وبنت جيشاً عرمرمياً بخلاف كثير من الدول العربية الغنية، التي تعتمد على الآخر في الدفاع عن نفسها، وتشتري من الخارج كل ما يلزم أمنها ودفاعها ... هذا صحيح، بل وصحيح تماماً، بيد أن الصحيح كذلك، أن «الدرس الأول» لتجربة انهيار الاتحاد السوفياتي إنما ينبثق من هذه النقطة بالذات ... الشيوعيون بنوا قوة عسكرية ضاربة، كفيلة بتدمير كوكب الأرض عدة مرات، بيد أن ذلك لم يمنع «انهيار القلعة من الداخل»، وخسارة «المباراة الاقتصادية» مع الغرب، واستتباعاً خسارة «سباق التسلح» المرهق معه... وهذا هو أيضاً «الدرس الأبلغ» لتجربة كوريا الشمالية، التي يتغنى بها هؤلاء، مع أنها واحدة من أبشع التجارب في العالم، التي أحالت شعباً بأكمله، إلى «آرجوزات» في سيرك كيم جونغ أون، ومن قبله والده وجده.
كوبا قاومت العقوبات لأكثر من خمسين عاماً، ولدينا عشق «رومانسي» متأصل لثورتها ورموزها، ولكن كوبا اقتصادياً ومعيشياً، ما زالت تعيش في مرحلة الخمسينيات من القرن الفائت، ومعدل دخل الفرد فيها، من أدنى المستويات في العالم، والبطالة «ضاربة أطنابها» والخدمات في أسوأ أحوالها ... من الجميل والجيد أن تحب كوبا وتتعاطف معها، ولكن من الصعب أو المستحيل أن تعيش فيها، ولو فتحت الأبواب لهجرة الأجيال الجديدة من الكوبيين، لما بقي واحد منهم على أرض جيفارا وكاسترو ... وهذا ما يتضح على أية حال، في تجربة فنزويلا المجاورة، وهي دولة مصدرة للنفط، وقد تحوّلت إلى كابوس للدول المجاورة، جراء ارتفاع أرقام الراغبين بترك البلاد، وباتت تقدر بالملايين بعد أن كانت بالآلاف... من السهل هنا الحديث عن «مؤامرة إمبريالية» لتفادي خوض غمار «التحليل الصعب» لأسباب الفشل والانهيار.
حماس، نموذج آخر، يجري إيراده كدلالة على أن الحصار والعقوبات، «تفولذ» الشعوب والحركات الثورية، بدلالة أن الحركة استمرت في الحكم لأكثر من عقد من الزمان، ونجحت بدورها بتطوير منظومة دفاعية وصاروخية يحسب لها حسابا، بالاعتماد على الذات والحلفاء على حد سواء، لكن من يورد هذا «المثال» يتجاهل حقيقة أن حماس، اضطرت للمساومة على مواقفها وتحالفاتها لأجل البقاء في السلطة والخروج من نفق الحصار ... حماس اليوم، ترقص على حافة «صفقة القرن»، وتوظف مسيرات العودة ذات الكلفة البشرية الهائلة، فقط للخروج من شرنقة العقوبات والحصار.
الفقر والجوع والبطالة المتفشية، لا يمكن أن تكون «وصفة» لتثوير الشارع، ولا لتأكيد الاستمساك بالحقوق والمقاومة ... الشعب، أي شعب، يعيش الثورة لسنة أو عشر أو عشرين، بيد أنه يمكن أن يستهلك حيوات أجيال بأكملها، وهو يراوح بين مقاومة «لا تقاوم»، و»ثورة مع وقف التنفيذ»، إلى جانب المعاناة الإنسانية الباهظة التي تدفع أثمانها الباهظة، أجياله الجديدة، من تعليمها وصحتها وفرصها باللحاق في ركب العصر.
وأسوأ هذه النصائح تلك التي تصدر عن «المترفين» الذين لا يرتضون لأنفسهم ولا لأبنائهم، عيشة أهل غزة أو بعض قرى لبنان، ولا يقوون على المكوث في كوبا أو اليمن، سوى أيام قلائل، ومن ضمن ترتيب خاص يتعلق بالمسكن والمأكل والمشرب ... أسوأ هذه النصائح، تلك التي تصدر عن الذين ضمنوا لأنفسهم ولأبنائهم وبناتهم، رغد العيش وأحسن التعليم، فيما هم يحثون فقراء غزة والضفة والمنطقة العربية، على الاستمساك بفقرهم، وبكبرياء وشمم (؟!)، طالما أنهم جزء من «مشروع مقاوم».
ينسى هؤلاء، أو يتناسون، أن الجيل المقاوم هو جيل متعلم ومعافى في صحته الجسدية والعقلية والنفسية ... وأن حربنا الطويلة مع إسرائيل، تستوجب الاعتناء بالجيلين الثالث والرابع من أبناء النكبة، الذين يسجلون انخفاضا في مستوى وسوية تعليمهم، ويطرقون أبواب العالم بحثاً عن لجوء أو منفى ... ينسى هؤلاء، أن إفقار مخيمات لبنان لم يُبق فيها سوى 170 ألفاً من الفلسطينيين، بعد أن كانوا 600 ألف، وأن أحداً لا يعرف كيف توزعت السبل بأكثر من نصف مليون فلسطيني في سوريا (والحبل على الجرار).
من السهل إطلاق الشعارات الثورية الرنانة (عن بعد)، وتقديم النصائح غير المكلفة على مطلقيها، ومن السهل اقتراح «الموت الجماعي» على جموع المواطنين الفلسطينيين أو اللبنانيين، ولكن من الصعب على هؤلاء مشاركتهم حيواتهم تلك، والأصعب الانضمام إليها في معاركهم وحروبهم، سيما للذين امتهنوا الاكتفاء بإطلاق الشعارات «الفوق ثورية»، والتقلب بين مصادر التمويل السوداء، ولم يعايشوا لا واقع غزة والثورة الفلسطينية ولا تجربة المقاومة اللبنانية.

 

arabstoday

GMT 15:19 2019 الأحد ,08 كانون الأول / ديسمبر

لماذا كل هذه الوحشية؟

GMT 15:17 2019 الأحد ,08 كانون الأول / ديسمبر

عن حماس وإسرائيل ... عن غزة و"الهدنة"

GMT 15:21 2019 الجمعة ,06 كانون الأول / ديسمبر

لجان الكونغرس تدين دونالد ترامب

GMT 08:31 2019 الجمعة ,22 شباط / فبراير

موازين القوى والمأساة الفلسطينية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الفقر حين يصبح «نظرية ثورية» الفقر حين يصبح «نظرية ثورية»



إطلالات متنوعة وراقية للأميرة رجوة في سنغافورة

سنغافورة - السعودية اليوم

GMT 16:19 2021 الخميس ,07 كانون الثاني / يناير

حظك اليوم برج الأسد الخميس 7 يناير/كانون الثاني 2021

GMT 18:13 2019 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

حمدي فتحي يسجل أول أهداف مصر في شباك بوتسوانا

GMT 11:25 2018 الجمعة ,26 تشرين الأول / أكتوبر

عسيري يؤكد أن الاتحاد قدم مباراة كبيرة امام الهلال

GMT 00:28 2018 الخميس ,05 تموز / يوليو

كروم 67 يدعم تطبيقات الويب المتجاوبة

GMT 15:41 2018 الجمعة ,09 شباط / فبراير

سترة الجلد تناسب جميع الأوقات لإطلالات متنوعة

GMT 14:57 2017 الجمعة ,15 كانون الأول / ديسمبر

كليب Despacito يحقق مليار ونصف مشاهدة على اليوتيوب

GMT 18:27 2017 الثلاثاء ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

العثور على معدات صيد في الدار البيضاء لرجل اختفى عن الأنظار

GMT 21:15 2017 الأربعاء ,04 تشرين الأول / أكتوبر

مباراة الدحيل والريان تحظى بنصيب الأسد من العقوبات

GMT 08:17 2017 الأربعاء ,27 أيلول / سبتمبر

الكويت تجدد سعيها لحل الخلافات العربية مع قطر

GMT 02:26 2017 الجمعة ,14 تموز / يوليو

نادي نابولي الإيطالي يكشف عن بديل بيبي رينا

GMT 13:25 2017 الخميس ,14 أيلول / سبتمبر

نفوق اكبر باندا في العالم عن 37 عامًا في الصين

GMT 01:21 2016 الإثنين ,05 كانون الأول / ديسمبر

دور الإعلام خلال مؤتمر "كوب 22" في مراكش

GMT 23:09 2016 الثلاثاء ,20 كانون الأول / ديسمبر

لجنة الانضباط في الاتحاد السعودي تقرّر إيقاف حسين المقهوي

GMT 13:38 2015 الإثنين ,03 آب / أغسطس

سهو السهو يؤكد وجود احتمالية بنقل خليجي 23

GMT 06:53 2017 الأحد ,08 كانون الثاني / يناير

مدينة كييف أجمل مدن أوروبا الشرقية لقضاء شهر العسل

GMT 00:57 2017 السبت ,14 كانون الثاني / يناير

عمار الحلاق يكشف مشاكل "الجمباز" في سورية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
alsaudiatoday alsaudiatoday alsaudiatoday
alsaudiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab