بقلم - عريب الرنتاوي
ثلاث مراحل مرّ بها الموقف العربي الرسمي من المسألة الفلسطينية:
الأولى؛ قبل النكبة وبعدها، وصولاً إلى الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب الفلسطيني، ومن عناوينها: فلسطين أرض عربية (إسلامية)، من النهر إلى البحر، وهي قضية العرب المركزية الأولى...ما تبقى من أرضها بعد النكبة وقبل الهزيمة، «وديعتان»، واحدة في عهدة المملكة الأردنية الهاشمية: الضفة الغربية والقدس، والثانية في عهدة مصر: قطاع غزة، بانتظار «التحرير الكامل» وعودة فلسطين إلى خرائط المنطقة، «لاءات» الخرطوم الثلاث، إلى غير ما هنالك، فتتحول القضية برمتها، إلى ساحة لتصفية الحسابات البينية، قبل أن تدخل في «البازار الإقليمي» لاحقاً، مع صعود كل من إيران وتركيا كقوتين إقليميتين وازنتين.
الثانية؛ وتبدأ منذ أوساط سبعينات القرن الفائت (بعد قرارات الرباط 1974)، وسيكون شعارها الرئيس: «نقبل بما يقبل به الفلسطينيون»، ولمَ لا، طالما أن المنظمة هي ممثلهم الشرعي الوحيد...ومن عناوينها، كامب ديفيد، السلام المنفرد، خروج مصر من الجامعة العربية، «السلام خيار استراتيجي»، البحث عن حلول تفاوضية وتسويات، مبادرة فاس الممهدة لمبادرة السلام العربية، التساوق مع المبادرات الدولية للحل (مبادرتي ريغان وبريجنيف)، استبدال الدعم السياسي والتسليحي للمنظمة بالدعم المالي الثنائي ومن ضمن قرارات القمم العربية... استمرار عمليات الاضعاف المنهجي للمنظمة كقوة فاعلة على الأرض، قادرة على فرض الخيارات الفلسطينية الوطنية الكبرى، على السياسة العربية (الحرب اللبنانية)، الصراع على «القرار المستقل»، كما في تجربة الخلاف السوري – الفلسطيني الدامية (حروب المخيمات) وانشقاق 1983 وغيره.
الثالثة: وهي التي أطلت برأسها خلال العامين الأخيرين، مع أن إرهاصاتها كانت كامنة تحت السطح قبل ذلك بسنوات عدة، وشعارها الرئيس: إسرائيل ليست سوى «مُهددٍ واحدٍ من جملة مهددات»، ثم إن «إسرائيل ليست المهدد الرئيس»، وصولاً للقول بأن «إسرائيل مشروع حليف في مواجهة المهددات الأخرى»...الصراع الفلسطيني واحد من الصراعات التي تعتمل في المنطقة، والصراع الرئيس، فهناك ما هو أكثر أهمية منه، واستقرار المنطقة، لا يتهدد بالضرورة ببقاء هذا الصراع من دون حل، هناك دول مزعزعة للاستقرار الإقليمي ومهددة للأمن القومي العربي أكثر من إسرائيل، في إشارة تارة لإيران وأخرى لتركيا، وغالباً للدولتين معاً.
شعار هذه المرحلة الرئيس: «نقبل بما تقبل به واشنطن وتل أبيب»، باعتباره الخيار الواقعي الوحيد، وبخلافه نكون أسرى لشعارات الماضي و»عقده»، حتى وإن كان بـ»فداحة» صفقة القرن، الأمر الذي يُملي «ليّ ذراع» الفلسطينيين وإرغامهم على القبول بالصفقة وتداعياتها.
ليبقى السؤال: هل ثمة مرحلة رابعة ستتطور (اقرأ ستتردى) ؟
الجواب من دون تردد: نعم، والطريق إلى ذلك يبدأ بشيطنة الفلسطينيين والانقضاض على إرثهم النضالي وتجربتهم الكفاحية، وتحميلهم وزر الفشل والتعثر في مسارات السلام، إلى غير ما هنالك...والمرحلة الرابعة المقبلة، لا تستبعد سيناريو يضع فيه جهودا إلى جانب إسرائيل، لترويض الفلسطينيين وتركيعهم، وفرض قيادة مطواعة عليهم، تكون مستعدة للتساوق مع «صفقة القرن»، بل وتصويرها كواحدة من أهم «الفتوحات العربية – الإسلامية» في التاريخ، وليس مستبعداً أن يكون شعار المرحلة المقبلة: «نقبل بما تقبل به إسرائيل»، بإسقاط الجانب الأمريكي من المعادلة، سيما إن جاء إلى البيت الأبيض ساكنٌ ما زال يستخدم لغة الديمقراطية وحقوق الانسان