السودان خطوة للإمام خطوتان إلى الوراء

السودان: خطوة للإمام خطوتان إلى الوراء

السودان: خطوة للإمام خطوتان إلى الوراء

 السعودية اليوم -

السودان خطوة للإمام خطوتان إلى الوراء

عريب الرنتاوي

التقيت الإمام الصادق المهدي لأول مرة في منزله في أم درمان ... كان ذلك في أواخر العام 1996، وكان الرجل عائداً لتوّه من ملاعب "البولو"، تلك الرياضة الإنجليزية الشهيرة، التي ظل الإمام يمارسها بانتظام، ولقد أجريت معه حديثاً مطولاً، قمت بنشره في صحيفة "الدستور" الأردنية ... يومها، كانت الخرطوم تعج بالشائعات التي تتحدث عن احتمال فرار زعيم الأنصار من السودان إلى أريتريا المجاورة، للالتحاق بالمعارضة المسلحة هناك، ضد نظام البشير – الترابي، سألته عن الأمر، فنفاه "قولاً واحداً"، برغم تعرضه لشتى أنواع المضايقات الأمنية والسياسية آنذاك.
عدت إلى عمان، وبعد مرور بضعة أسابيع فقط على ذاك اللقاء وتلك المقابلة، قرأت في الأخبار، أن الصادق المهدي وصل إلى أسمرا، وأنه قرر الالتحاق بالكفاح المسلح الهادف إسقاط النظام في الخرطوم وتغييره ... وذات لقاء في الفترة ذاتها، على مائدة المغفور له جلالة الملك حسين، وبحضور رئيس الحكومة عبد الكريم الكباريتي وعون خصاونة رئيس الديوان، وعدد قليل من الكتاب الصحفيين، عرضت فكرة الوساطة بين المهدي والبشير على جلالة الملك، منطلقاً من علاقات الأردن الوثيقة مع السودان من جهة، وروابط الزمالة الدراسية التي جمعت جلالته بالصادق المهدي في مراحل الدراسة المبكرة من جهة ثانية... الملك الذي كان يشكو ألما خفيفاً في إحدى ركبتيه، أومأ لرئيس ديوانه، بإدراج الفكرة للمتابعة فـ "السودان عزيز علينا، والله يقدرنا نعمل ما فيه الصالح العام
"المهدي أطلق على رحلة هروبه من السودان اسم "تهتدون"، قبل أن يقرر الاستجابة للوساطات والعودة إلى الخرطوم أواخر العام 2000، بعد أن كان التقي الترابي في جنيف، والبشير في جيبوتي، مطلقاً على رحلة العودة إلى الوطن اسم "تفحلون" ... خصوم المهدي ومنافسوه، أطلقوا على رحلتي الخروج والعودة اسم "تعمهون"، في إشارة إلى الأهداف الملتبسة لرحلة رئيس الحكومة المنتخب وعودته.
منذ ذلك التاريخ، التزم المهدي أساليب الكفاح السلمي للإصلاح والتغيير في السودان، وبدا أن الرجل البالغ ضفاف الثمانين عاماً، قرر كسر قيود العمر والتقدم في السن، وأخذ في بلورة خطاب سياسي، أكثر ميلاً لقيم المواطنة والمدنية وحقوق الانسان والديمقراطية، مضفياً على هذه المقولات، مضموناً إسلامياً مؤصلاً، ما جعله ضيفاً دائماً على عشرات، إن لم نقل، مئات المؤتمرات التي تبحث في هذه العناوين.
وأشهد أن الرجل، على رفعة منزلته وتقدم عمره، كان شديد التواضع والانضباط في المواظبة على المشاركة في مختلف الجلسات والحوارات، منذ الجملة الأولى في الخطاب الافتتاحي وحتى الجملة الأخيرة من البيان الختامي ... كما أشهد للرجل الذي زاملته في أكثر من مناسبة ومؤتمر، أنه كان حاضراً بقوة، في مداخلاته وأفكاره ومقترحاته، التي غالباً ما تميزت بالنزعة التوفيقية والمقاصد التوافقية.
آخر مرة التقيته فيها، كانت هنا في عمان في كانون الثاني/ يناير من العام الجاري، عندما استجاب مشكوراً لدعوة مني لزيارة عمان، للمشاركة في أعمال مؤتمر نظمه مركز القدس للدراسات السياسية بعنوان "الإسلاميون والعلمانيون ... نحو رؤية توافقية للانتقال للديمقراطية"، ووقائع المؤتمر تشهد على أن الرجل كان حاضراً وعميقاً وتوفيقيا، ومداخلاته فيه، لقيت استحساناً بالغاً من قبل المشاركين، حتى بالنسبة لأولئك المتحدرين من تيارات يسارية وعلمانية وقومية ويسارية.
وأذكر أن كلمته في الجلسة الختامية، كادت أن تكون تلخيصاً لوقائع المؤتمر، وبياناً ختامياً لأعماله، فقد اشتملت على مختلف عناصر التوافق ومساحاته، ولقد تفضل دولته بقبول عضوية "لجنة الحكماء" التي ارتأى المؤتمر تشكيلها للتدخل في النزاعات بين التيارين العريضين في العالم العربي: الإسلامي والعلماني... بعد ذاك المؤتمر بأسابيع قليلة، جاء المهدي لعمان، للحديث أمام منتدى "الدستور"، فللرجل صدقات وأصدقاء كثير في الأردن.
الحكومة السودانية، وفي تطور مفاجئ، يتعاكس مع روح الانفراج التي أشاعتها مبادرات المصالحة ومشاريع الحوار الوطنيين، أقدمت على اعتقال الصادق المهدي أمس الأول، الأمر الذي أثار ردة فعل غاضبة لدى حزبه وأنصاره، فما كان منهم إلا أن قرروا النفير العام ومقاطعة الحوار مع الحزب الحاكم، والتهديد بموجة تصعيد شعبية واسعة النطاق ... هي خطوة للوراء بكل المقاييس، تفتقر للحكمة، ولا تستند إلى أي مسوّغ مقنع، فالأصل، أن ليس في الدولة، أي دولة، رجلاً أو مؤسسة أو جهاز، خارج النقد والمساءلة، وما فعله المهدي، لا يتعدى النقد والمساءلة، سواء أكان محقاً فيما استند إليه من معلومات أم مخطئاً ... إجلاء هذه الحقائق وتوضيحها، وفرز غثها عن سمينها، هي وظيفة الحوار الوطني وموائد الحوار، لا الزنازين وغرف الاعتقال.
مؤسف حقاً، أن السودان كلما خطا خطوة للأمام، يعود عنها بخطوة أو خطوتين للوراء ... اعتقال المهدي، معطوفاً على حكم الإعدام (الردة) والجلد مائة جلدة (الزنا) للدكتورة مريم اسحق، هما بلا شك، تطورين مقلقين، وفي الاتجاه الخاطئ تماماً.
 

arabstoday

GMT 15:09 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

ابنه البكر

GMT 15:08 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

... إنّها حرب تطالبنا بأن ننسى كلّ شيء تقريباً

GMT 15:07 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

المشعوذون القدامى... والجُدد

GMT 15:04 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

الدول العربية «المضروبة»

GMT 15:03 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

حانت لحظة الرحيل

GMT 15:02 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

الأسئلة الصعبة

GMT 15:01 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

من غزو العراق... إلى حرب غزّة

GMT 15:00 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

عن رسالة بوريل ومستقبل أوروبا

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السودان خطوة للإمام خطوتان إلى الوراء السودان خطوة للإمام خطوتان إلى الوراء



إطلالات متنوعة وراقية للأميرة رجوة في سنغافورة

سنغافورة - السعودية اليوم

GMT 01:25 2017 الأربعاء ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

رائد محسن يكشف كيفية تربية الأطفال بالطرق الصحيحة

GMT 17:06 2018 الإثنين ,03 أيلول / سبتمبر

جرائم الكيان المعنوي للحاسب الآلي

GMT 12:53 2017 الأحد ,29 تشرين الأول / أكتوبر

مدرب النصر يمنح حسام غالي الفرصة الأخيرة لتحسين الأداء

GMT 04:43 2017 الجمعة ,20 تشرين الأول / أكتوبر

مجموعة ساحرة من خواتم الأصبعين الثنائية من

GMT 11:18 2021 السبت ,30 كانون الثاني / يناير

أغلى السيارات التي طرحت عبر تاريخ الصناعة

GMT 14:22 2020 الجمعة ,25 أيلول / سبتمبر

وفاة شقيق الفنان محمود حميدة

GMT 22:52 2020 السبت ,02 أيار / مايو

أبرز 6 شخصيات عربية على موقع "يوتيوب"

GMT 08:20 2019 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

!الوهم الأبیض
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
alsaudiatoday alsaudiatoday alsaudiatoday
alsaudiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab