البغدادي إذ يستحضر الصدّيق وزنكي

البغدادي إذ يستحضر الصدّيق وزنكي

البغدادي إذ يستحضر الصدّيق وزنكي

 السعودية اليوم -

البغدادي إذ يستحضر الصدّيق وزنكي

عريب الرنتاوي

استحضر الرجل كل ما في ذاكرته من قصص وصور عن مرحلة النبوة والخلافة الراشدة، وحاول في أولى إطلالاته الإعلامية كـ “خليفة للمسلمين” أن يجمع ما بين فتح مكة من جهة والخطاب الأشهر لأول الخلفاء الراشدين من جهة ثانية... أضفى قدراً هائلاً من “المهابة” على نفسه بارتدائه عباءة وعمامة سوداوين... صعد بتؤدة السلطان الغازي والملك العادل درجات المنبر ليدشن عصر الخلافة... خاطب الأمة، طالباً منها السمع والطاعة، ما أطاع الله واستمع إلى هدي نبيه، عرض “برنامج” عمله للمرحلة المقبلة، وهو بحكم طبيعته، لا يتخطى بضعة كلمات: تحكيم شرع الله!
لحظةٌ، أحسب أن الرجل ظنّها تاريخيةً بامتياز، ستدخل كتب التاريخ من سفره الرابع، بعد الخلافة الراشدة وخلافة الأمويين والعباسيين ... اختار الجمعة الأولى من شهر رمضان المبارك، شهر الفتوحات و”ليلة القدر”، واعتلى المنبر الذي شيّده نور الدين زنكي قبل ألف عام أو أقل قليلا، بعد أن نجح “حاكم حلب” في حينه، في توسيع إمارته صوب العراق والشام، الدولتان التي جعل منهما البغدادي اليوم، بداية الخلافة... ليُعلم أهل العراق والشام، ومن خلفهما جموع المسلمين في قارات العالم الخمس، بأن نجم الخلافة قد سطع، وإن “فجر الإسلام” قد عاد ليشرق على الأمة.
ما كان للبغدادي ولا لـ “داعش” أن تسيء لهذه اللحظة باستدعاء “شبيه” للرجل لاعتلاء المنبر ... ما كان لـ “الشبيه” أن يدعو الناس للسمع والطاعة، وأن يطلب إليهم البيعة، وأن يذكرهم بأن “من مات وفي عنقه بيعة مات ميتة الجاهلية”، وأن يستذكر خطبة أبي بكر الصدّيق عند توليه الخلافة “إني قد وليت عليكم ولست بخيركم ...”، ما كان للبغدادي أن يترك هذه اللحظة لنائبه أو أقرب أعوانه، دع عنك “الشبيه” و”الدوبلير” ... لهذا لم اشتر “الرواية الحكومية” العراقية عن الشريط “المفبرك”، وأحسب أن من رأيناه على المنبر، هو البغدادي بشحمه ولحمه.
لكن العراقيين، اشتهروا في تاريخهم الحديث بحكاية “الشبيه” و”الشبهاء”، فهناك من لا يزال منهم يعتقد أن الرئيس العراقي صدام حسين، هو من يقود المعارك في نينوى وتكريت والأنبار هذه الأيام، وأن من رأيناه معلقاً على عود المشنقة “ذات أضحى”، لم يكن إلا شبيها لصدام حسين، من بين شبهاء كثر، لطالما استخدمهم الرئيس الراحل للتمويه على حركته وحلّه وترحاله... يبدو أن الظل الطويلة للحجاج بن يوسف الثقفي، ما زالت تتطاول وتتجلى في شخوص حكام العراق الجدد، من صدام حسين وحتى أبي بكر البغدادي ... لا أحد من هؤلاء “حقيقي” أو “بشري”، هم لا يموتون، أشباههم فقط هم من يعدمون ويسجنون، أما هم فخالدون، وحاضرون فوق أكتافنا وبين ظهرانينا على الدوام.
والبغدادي كـ “داعش” التي يتزعمها، تحيط به أسرار وأساطير كثيرة ... بعضهم يعتقد أنه غير موجود أصلاً، وأنه شخصية وهمية أو متوهمة ... بعضهم قال إنه مات و”شبع موتاً”، وبعضهم يتحدث عن إصابات بليغة أُلحقت به تقعده عن مزاولة “جهاده” و”خلافته”... لكن الرجل ظهر صحيحاً معافى، ونطبق بالخطاب الذي نتوقعه منه تماماً، وأحاط حضوره بكل “الهالة” التي أرادها له.
و”داعش” ليست كائنات فضائية يصعب التعرف على كنهها ... بعضهم ردّ نشأتها إلى “محور المقاومة والممانعة” بوصفها صنيعة دمشق وطهران وحزب الله .... بعضهم الآخر، رأى أنها بضاعة صهيونية – أمريكية – عثمانية ... مع أن “داعش” ليست هذا ولا ذاك ولا تلك ... “داعش” هي الابنة الشرعية لتيار السلفية في تحولاته الجهادية المعروفة، منذ الجهاد الأفغاني ضد “الخطر الشيوعي” إلى “الجهاد المشرقي” ضد “الخطر الشيعي”... داعش التقت وافترقت مع كل هؤلاء، تحالفات وتقاتلت مع مختلف هذه العواصم بحكوماتها وأجهزتها، ولكنها ظلت محتفظة بمشروعها وهويتها، عصية على التحول إلى ألعوبة أو “بندقية للإيجار”، ولطالما انقلبت على حلفاء الأمس، بعد أن تكون قد استنفذت مبررات التحالف وضروراته ... وعندما نتحدث عن “داعش”  هنا، فإننا نقصد طيفاً واسعاً من “القاعدة” و”السلفية الجهادية”، ولا نقصد هذا التنظيم بعينه فقط.
ولأنها كذلك، فلا يجوز “التهويل” أو “التهوين” من شأن الجماعة وتأثيرها ... فالقول بأنها “عارض صحي” ينتهي بوقف التمويل وطرق الإمداد والتسهيلات اللوجستية، فيه تبسيط مخل... والمبالغة في “أسطرة” قوة التنظيم التي لا حدود ولا رادّ لها، ينطوي على قدر من التضليل والتطيّر ... وإذا كانت الحركة قد نجحت في اجتياح العراق في بضعة أيام، قبل أن تستوي لزعيمها الخلافة من على منبر المسجد الكبير في الموصل، فإن القضاء على الحركة واستئصال شأفتها، سيحتاج إلى بضعة سنوات على أقل تقدير، وللحديث بقية.

 

arabstoday

GMT 15:09 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

ابنه البكر

GMT 15:08 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

... إنّها حرب تطالبنا بأن ننسى كلّ شيء تقريباً

GMT 15:07 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

المشعوذون القدامى... والجُدد

GMT 15:04 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

الدول العربية «المضروبة»

GMT 15:03 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

حانت لحظة الرحيل

GMT 15:02 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

الأسئلة الصعبة

GMT 15:01 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

من غزو العراق... إلى حرب غزّة

GMT 15:00 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

عن رسالة بوريل ومستقبل أوروبا

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

البغدادي إذ يستحضر الصدّيق وزنكي البغدادي إذ يستحضر الصدّيق وزنكي



إطلالات متنوعة وراقية للأميرة رجوة في سنغافورة

سنغافورة - السعودية اليوم

GMT 01:25 2017 الأربعاء ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

رائد محسن يكشف كيفية تربية الأطفال بالطرق الصحيحة

GMT 17:06 2018 الإثنين ,03 أيلول / سبتمبر

جرائم الكيان المعنوي للحاسب الآلي

GMT 12:53 2017 الأحد ,29 تشرين الأول / أكتوبر

مدرب النصر يمنح حسام غالي الفرصة الأخيرة لتحسين الأداء

GMT 04:43 2017 الجمعة ,20 تشرين الأول / أكتوبر

مجموعة ساحرة من خواتم الأصبعين الثنائية من

GMT 11:18 2021 السبت ,30 كانون الثاني / يناير

أغلى السيارات التي طرحت عبر تاريخ الصناعة

GMT 14:22 2020 الجمعة ,25 أيلول / سبتمبر

وفاة شقيق الفنان محمود حميدة

GMT 22:52 2020 السبت ,02 أيار / مايو

أبرز 6 شخصيات عربية على موقع "يوتيوب"

GMT 08:20 2019 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

!الوهم الأبیض
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
alsaudiatoday alsaudiatoday alsaudiatoday
alsaudiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab