العذاب ليس له طبقة

العذاب ليس له طبقة

العذاب ليس له طبقة

 السعودية اليوم -

العذاب ليس له طبقة

معتز بالله عبد الفتاح


الذى يسكن فى أعماق الصحراء يشكو مُر الشكوى، لأنه لا يجد الماء الصالح للشرب، وساكن الزمالك الذى يجد الماء والنور والسخان والتكييف والتليفون والتليفزيون لو استمعت إليه لوجدته يشكو مر الشكوى هو الآخر من سوء الهضم والسكر والضغط.

والمليونير ساكن باريس الذى يجد كل ما يحلم به يشكو الكآبة والخوف من الأماكن المغلقة والوسواس والأرق والقلق.

والذى أعطاه الله الصحة والمال والزوجة الجميلة يشك فى زوجته الجميلة ولا يعرف طعم الراحة.

والرجل الناجح المشهور النجم الذى حالفه الحظ فى كل شىء وانتصر فى كل معركة لم يستطِع أن ينتصر على ضعفه وخضوعه للمخدر فأدمن الكوكايين وانتهى إلى الدمار.

والملك الذى يملك الأقدار والمصائر والرقاب تراه عبداً لشهوته خادماً لأطماعه ذليلاً لنزواته، وبطل المصارعة أصابه تضخم فى القلب نتيجة تضخم فى العضلات، كلنا نخرج من الدنيا بحظوظ متقاربة برغم ما يبدو فى الظاهر من بُعد الفوارق.

وبرغم غنى الأغنياء وفقر الفقراء فمحصولهم النهائى من السعادة والشقاء الدنيوى متقارب.

فالله يأخذ بقدر ما يعطى ويعوض بقدر ما يحرم وييسر بقدر ما يعسر.. ولو دخل كل منا قلب الآخر لأشفق عليه ولرأى عدل الموازين الباطنية برغم اختلال الموازين الظاهرية.. ولما شعر بحسد ولا بحقد ولا بزهو ولا بغرور.

إنما هذه القصور والجواهر والحلى واللآلئ مجرد ديكور خارجى من ورق اللعب.. وفى داخل القلوب التى ترقد فيها تسكن الحسرات والآهات الملتاعة.

والحاسدون والحاقدون والمغترون والفرحون مخدوعون فى الظواهر غافلون عن الحقائق.

ولو علمناه حق العلم لطلبنا الدنيا بعزة الأنفس ولسعينا فى العيش بالضمير ولتعاشرنا بالفضيلة فلا غالب فى الدنيا ولا مغلوب فى الحقيقة، والحظوظ كما قلنا متقاربة فى باطن الأمر، ومحصولنا من الشقاء والسعادة متقارب برغم الفوارق الظاهرة بين الطبقات.. فالعذاب ليس له طبقة وإنما هو قاسم مشترك بين الكل.. يتجرع منه كل واحد كأساً وافية ثم فى النهاية تتساوى الكؤوس برغم اختلاف المناظر وتباين الدرجات والهيئات.

وليس اختلاف نفوسنا هو اختلاف سعادة وشقاء وإنما اختلاف مواقف.. فهناك نفس تعلو على شقائها وتتجاوزه وترى فيه الحكمة والعبرة، وتلك نفوس مستنيرة ترى العدل والجمال فى كل شىء وتحب الخالق فى كل أفعاله.. وهناك نفوس تمضغ شقاءها وتجتره وتحوله إلى حقد أسود وحسد أكال.. وتلك هى النفوس المظلمة الكافرة بخالقها المتمردة على أفعاله.

وكل نفس تمهد بموقفها لمصيرها النهائى فى العالم الآخر.. حيث يكون الشقاء الحقيقى.. أو السعادة الحقيقية.. فأهل الرضا إلى النعيم، وأهل الحقد إلى الجحيم.

أما الدنيا فليس فيها نعيم ولا جحيم إلا بحكم الظاهر فقط بينما فى الحقيقة تتساوى الكؤوس التى يتجرعها الكل.. والكل فى تعب.

وأهل الحكمة فى راحة، لأنهم أدركوا هذا بعقولهم، وأهل الله فى راحة، لأنهم أسلموا إلى الله فى ثقة وقبلوا ما يجريه عليهم ورأوا فى أفعاله عدلاً مطلقاً دون أن يتعبوا عقولهم فأراحوا عقولهم أيضاً، فجمعوا لأنفسهم بين الراحتين، راحة القلب وراحة العقل، فأثمرت الراحتان راحة ثالثة هى راحة البدن.. بينما شقى أصحاب العقول بمجادلاتهم.

أما أهل الغفلة وهم الأغلبية الغالبة فما زالوا يقتل بعضهم بعضاً من أجل اللقمة والمرأة والدرهم وفدان الأرض، ثم لا يجمعون شيئاً إلا مزيداً من الهموم وأحمالاً من الخطايا وظمأً لا يرتوى وجوعاً لا يشبع.

فانظر من أى طائفة من هؤلاء أنت.. وأغلق عليك بابك وابكِ على خطيئتك.

هذا المقال من روائع الدكتور مصطفى محمود، رحمه الله.

arabstoday

GMT 15:09 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

ابنه البكر

GMT 15:08 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

... إنّها حرب تطالبنا بأن ننسى كلّ شيء تقريباً

GMT 15:07 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

المشعوذون القدامى... والجُدد

GMT 15:04 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

الدول العربية «المضروبة»

GMT 15:03 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

حانت لحظة الرحيل

GMT 15:02 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

الأسئلة الصعبة

GMT 15:01 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

من غزو العراق... إلى حرب غزّة

GMT 15:00 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

عن رسالة بوريل ومستقبل أوروبا

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العذاب ليس له طبقة العذاب ليس له طبقة



إطلالات متنوعة وراقية للأميرة رجوة في سنغافورة

سنغافورة - السعودية اليوم

GMT 16:19 2021 الخميس ,07 كانون الثاني / يناير

حظك اليوم برج الأسد الخميس 7 يناير/كانون الثاني 2021

GMT 18:13 2019 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

حمدي فتحي يسجل أول أهداف مصر في شباك بوتسوانا

GMT 11:25 2018 الجمعة ,26 تشرين الأول / أكتوبر

عسيري يؤكد أن الاتحاد قدم مباراة كبيرة امام الهلال

GMT 00:28 2018 الخميس ,05 تموز / يوليو

كروم 67 يدعم تطبيقات الويب المتجاوبة

GMT 15:41 2018 الجمعة ,09 شباط / فبراير

سترة الجلد تناسب جميع الأوقات لإطلالات متنوعة

GMT 14:57 2017 الجمعة ,15 كانون الأول / ديسمبر

كليب Despacito يحقق مليار ونصف مشاهدة على اليوتيوب

GMT 18:27 2017 الثلاثاء ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

العثور على معدات صيد في الدار البيضاء لرجل اختفى عن الأنظار

GMT 21:15 2017 الأربعاء ,04 تشرين الأول / أكتوبر

مباراة الدحيل والريان تحظى بنصيب الأسد من العقوبات

GMT 08:17 2017 الأربعاء ,27 أيلول / سبتمبر

الكويت تجدد سعيها لحل الخلافات العربية مع قطر

GMT 02:26 2017 الجمعة ,14 تموز / يوليو

نادي نابولي الإيطالي يكشف عن بديل بيبي رينا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
alsaudiatoday alsaudiatoday alsaudiatoday
alsaudiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab