وليد شقير
لا يبدو أن المشهد الذي ظهر إثر سيطرة «داعش» على الموصل مطلع حزيران (يونيو) الماضي بوجود إجماع دولي - إقليمي على محاربة الإرهاب، وبإمكان اتخاذ إجراءات وفق قرارات واضحة من الأمم المتحدة، صمد كثيراً. ومع أن هذه الصورة تجلت بالقرار الدولي 2170 الصادر عن مجلس الأمن، لجهة ملاحقة تمويل وتدفق مقاتلي «داعش» الى العراق وسورية، فإن الآمال على استكماله بقرار دولي ثانٍ آخر الشهر يجيز مواجهة هذا التنظيم الإرهابي بالوسائل العسكرية في العراق وسورية معاً، تراجعت نسبياً حتى إشعار آخر.
فالإعلان عن قيام التحالف الدولي من قبل الرئيس الأميركي باراك أوباما لمواجهة «داعش»، اقتصر على ضم الدول الغربية والعربية المشاركة في التحالف واستثنى دولاً أساسية مثل روسيا وإيران، فضلاً عن استبعاد التنسيق مع النظام السوري الذي كان يأمل بأن تكون دمشق «مركز» هذا التحالف و «قلبه»، بحيث يستعيد الاعتراف الدولي به.
وبدلاً من ذلك فإن واشنطن والاتحاد الأوروبي ذهبا في اتجاه فرض المزيد من العقوبات على موسكو نتيجة تدخل قواتها المباشر في الأزمة الأوكرانية التي شهدت تصاعداً في المعارك بين الانفصاليين المدعومين منها وبين قوات الحكومة الأوكرانية، تلاشت هنا إمكانية المقايضة بين اشتراك روسيا في الحرب على «داعش»، وبين غض النظر عن تزايد تدخلها في أوكرانيا، التي شعرت القيادة الروسية أنها تستطيع أن تقضم مزيداً من النفوذ والسيطرة على أراضيها مقابل الحاجة الى موافقتها على الجهد الدولي ضد التنظيم الإرهابي.
وفي وقت تتقاطع الجهود الإيرانية مع تلك التي تبذلها واشنطن في مواجهة «داعش» في العراق، وهو تقاطع برز في اشتراك الدولتين بتسليح البيشمركة في أفغانستان من جهة، وفي الدفاع عن بغداد ومنع مسلحي «الدولة الإسلامية» من تهديد أمنها من جهة ثانية، فإن هذا التقاطع لم يمنع إدارة أوباما، من إقرار المزيد من العقوبات على طهران، حول الملف النووي الإيراني. وإذ يؤشر ذلك الى أن دول الغرب لا تنوي مقايضة دور إيران في محاربة «داعش» بالتساهل معها في هذا الملف، أو بغض النظر عن دورها في الأزمة السورية، فإنه ضمناً يعني أن واشنطن وحلفاءها، لا ينظرون بجدية حتى الآن، الى محاولات طهران الانفتاح على دول الخليج العربي، لا سيما السعودية من أجل تفكيك الأزمات الإقليمية التي للجانب الإيراني دور أساسي فيها.
يسود الاعتقاد عند من يتابعون سلوك طهران وموقف واشنطن منها أن الأولى تتعاطى مع ما جرى في العراق من تعرّض لهيمنتها على القرار السياسي في بلاد الرافدين، واضطرارها لإبعاد نوري المالكي عن رئاسة الحكومة، لمصلحة الاشتراط الغربي - العربي قيام حكومة تمثل الأطياف العراقية كافة، على أنه حدث عابر، قادرة على استيعابه واستعادة ما فقدته من نفوذها المباشر. هذا فضلاً عن إبدائها الرغبة في الانفتاح على دول الخليج تزامن مع تصعيد في اليمن من قبل الحوثيين، الذين اتهمت القيادة اليمنية إيران بأنها تقف وراءهم. وهؤلاء يمارسون باعتصامهم في العاصمة صنعاء ونصبهم الخيم ومحاولتهم تعطيل المطار، شيئاً شبيهاً بسلوك «حزب الله» بهدف إسقاط حكومة الرئيس فؤاد السنيورة عام 2008.
أما بالنسبة الى سورية فإن النظام فيها، الذي يعتمد على «حزب الله» في معركته للثبات في مناطق سبق أن سيطر عليها أو لاستعادة مناطق في يد المعارضة، يعمل على توسيع دائرة المواجهات التي يخوضها بحيث تشمل بلدة عرسال اللبنانية، في معركته من أجل إحكام سيطرته على منطقة القلمون، حيث عاد معارضون من الألوان كافة بما فيها «داعش» فتجمعوا في الجرود والمغاور والوديان لضمان الطريق بين دمشق والساحل السوري. وهو كان ينتظر أن يساهم ضمه الى التحالف الدولي في الحرب على «داعش»، أن يدفع الجانب اللبناني في إعانته على التخلص من ثغرة القلمون.
في اختصار، تترافق حرب الغرب وأميركا على «داعش»، مع استمرار الحروب الأخرى التي كانت مفتوحة قبلها: حرب روسيا في أوكرانيا، وحرب إيران بالواسطة أو مباشرة في عدد من دول الخليج أو المشرق العربي، وحرب النظام السوري على المعارضة. ولربما هذا ما يجعل أوباما يعتبر أن القضاء على «داعش» سيأخذ وقتاً.