الخوجاية مشية البطة

الخوجاية.. مشية البطة!

الخوجاية.. مشية البطة!

 السعودية اليوم -

الخوجاية مشية البطة

حسن البطل

على صِغَر، شربتُ حليب الماعز والغنم والبقر، أي تتلمذتُ على أيدي «الخوجاية»، ومعلّمة «الأونروا».. ومعلّمي المدرسة الحكومية الابتدائية (الأساسية، في التصنيف الفلسطيني). رماني أبي وأمي، بين الرابعة والخامسة من عمري، الى ما يصفونه، اليوم، بـ «البستان»، ولكنه كان غرفة صغيرة محشورة بعشرين شيطاناً صغيراً (أو ملاكاً). السورة هي جزء من أجزاء القرآن الكريم (لا اسم له). «الخوجاية» تقرأ، وعشرون صوتاً يردّدون ما تتلو. أنامل سبّابات أصابعهم تتتبّع نغمة الكلمة بصورة الكلمة. ويلٌ للولد إذا زلّ إصبعه، يمنة أو شمالاً، عن الربط بين صوت الكلمة في سورة الحمد وصورة الكلمة.

هكذا، حفظت السورة، صوتاً وصورة، قبل أن أفك الحرف، دون أن تساعدني الاهزوجة الوحيدة في الخوجاية - الغرفة، وهي ترنيمة بليدة: ألف، لا شيء عليها. باء، واحدة من تحتها. تاء، اثنتان من فوقها .. وهكذا دواليك (كنّا نلفظها هكذا: أليف لا شَنّ عليها).

سأتذكر، بفضل الصغير رامي، ابن الثالثة والنصف، ابن صديقي، لماذا كان مسموحاً أن نلحن في الاهزوجة.. وأما اللحن في نطق الكلمة القرآنية.. فالويل للولد. العصا لمَن عصى.. والفَلَقَة لمَن لا تربّيه العصا.

صار الولد رامي ينطق، على هواه، دعاء السّفر إن ركب مع أبيه ومعي السيارة؛ ودعاء دخول الحمّام. عبثاً نصوّب له «ما كنّا له بمقرنين» في دعاء السفر، فيصرّ على أنّ المعلّمة تعرف أحسن منّا. يقول: «أعوذ بالله من الخب والخبايب»، فنصوّب له، عبثاً: «أعوذ بالله من الخبث والخبائث». بالطبع، لا يخطر ببال والده أنّ «يضربه كفاً» عندما يلحن لحناً فاضحاً في ترديد كلمات معيّنة، هي جزء من آية كريمة.

لا يشكو الطفل رامي من أدنى علّة في نطق الحروف نطقاً سليماً، أو من بوادر علّة في السّمع. على العكس، هو صغير نابه، حتى إنه في سن الثانية ينبئ عن بلاغة في تركيب الجملة. أين جاكيتك؟ «علقتو عَ العلاقة». لاحظ كم مرّة يتكرّر حرف «العين».

صدقوني، ظلت تلك «الخوجاية» تتتبع أخباري، من والدتي، حتى تخرجت من الجامعة.. بل وكانت تدعو لي أن لا أموت في «حرب بيروت»، وتنسب إلى نفسها فضلاً في صيرورتي صحافياً.

الحقيقة، لم تكن تحبني لوجه الله، بل لأنها أحبّت «لبن اللاجئين» و»الجبنة الصفراء» من توزيع وكالة الغوث، كما تحضرهما أمي من حليب الوكالة، ومن «كرتونات» الجبنة.

في المقابل، كانت تعيد الصحن مليئاً بما تتلقاه من الفلاحين، آباء أولاد الخوجا. تين مجفف. زبيب. جوز بلدي. لوز.. وما زلت أحبّ هذه المكسرات حتى يومي هذا (ربما صمد قلبي بفضل دأبي على مكسراتها).

نشلني أبي، بعد عام أو عامين من مدرسة «الخوجا» إلى مدرسة الوكالة؛ وبعد عام أو عامين آخرين، أخرجني من مدرسة ترشيحا للأونروا.. إلى مدرسة سيف الدولة الابتدائية (الأساسية) الرسمية، فبكيت بكاء أجيال. ففي سن السابعة كنتُ ناجحاً الى الصف الثالث. وفي سن السابعة كانوا يبدؤون الصف الأول الأساسي. كيف عدتُ الى تتبع مسطرة المعلم على اللوح. ب..با..بابا، م..ما..ماما، بينما أنهيت، في مدرسة الوكالة، كتاب القراءة للصف الثاني؟
للزمن مفارقاته، وهكذا.. سأصادف معلّمة الوكالة «فاطمة» زميلة في جامعة دمشق؛ وسأصادف المعلّم أنيس الخطيب، معلّمي في الصف الأول، في مؤتمر صنعاء لاتحاد الصحافيين والكتّاب الفلسطينيين ١٩٨٣. هو موظف في مكتب لـ: م.ت.ف، وأنا مدير تحرير «فلسطين الثورة». سيقول لي: هل نسيت دموعك.. وصراخك: أنا في الصف الثالث يا أستاذ؟

سهوتُ عن شيئين. الأول: أن الخوجاية كانت عزباء وماتت كذلك، وإلاّ.. لماذا كانوا ينادونها باحترام: «خانم»، أي آنسة، وليس «هانم»، أي ست.

الثاني: في العطلات الصيفية في مطلع سنواتي الابتدائية، جرّبت، أيضاً، كتّاب الشيخ خالد.. إنه شاب متين البنية، ترك تحفيظ القرآن لوالده.. واهتم بدروس الرياضة البدنية، وبالذات «مشية الانكشاري»، وهي المشي السريع مع وضع القرفصاء، واليدان على الرأس، أو قل «مشية البطة».

لا أعرف لماذا لا أراها في تدريبات الجنود المغاوير، أو فرق كرة القدم.

arabstoday

GMT 15:09 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

ابنه البكر

GMT 15:08 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

... إنّها حرب تطالبنا بأن ننسى كلّ شيء تقريباً

GMT 15:07 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

المشعوذون القدامى... والجُدد

GMT 15:04 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

الدول العربية «المضروبة»

GMT 15:03 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

حانت لحظة الرحيل

GMT 15:02 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

الأسئلة الصعبة

GMT 15:01 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

من غزو العراق... إلى حرب غزّة

GMT 15:00 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

عن رسالة بوريل ومستقبل أوروبا

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الخوجاية مشية البطة الخوجاية مشية البطة



إطلالات متنوعة وراقية للأميرة رجوة في سنغافورة

سنغافورة - السعودية اليوم

GMT 16:48 2024 الثلاثاء ,16 كانون الثاني / يناير

اكتشاف بروتين يحفز إنتاج الدهون الجيدة والتخلص من السمنة

GMT 19:18 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

يتيح أمامك هذا اليوم فرصاً مهنية جديدة

GMT 00:36 2017 الثلاثاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

5 طرق لتنظيف السيراميك والأرضيات من الطبيعة

GMT 16:43 2021 السبت ,13 شباط / فبراير

بناطيل هوت كوتور ربيع 2021 من أسبوع باريس

GMT 12:48 2020 الأربعاء ,15 إبريل / نيسان

جامعة سعودية تتوصل لنتائج تقضى على فيروس كورونا

GMT 13:28 2019 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

عادل عصمت يناقش "الوصايا" في نادي ركن الياسمين

GMT 19:49 2018 الأربعاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

"البيت الأبيض" يُعلن سحب قوات بلاده من سورية

GMT 19:12 2018 الإثنين ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فورد إكسبلورر 2020 الجديدة تظهر بتمويهات خفيفة

GMT 03:54 2018 الخميس ,30 آب / أغسطس

ترشيح أحمد السقا لبطولة فيلم "أشرف مروان"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
alsaudiatoday alsaudiatoday alsaudiatoday
alsaudiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab