بقلم - حسن البطل
يقولون، عادةً، "في المسألة قولان"، وفي "فك ارتباط" السلطة والمنظمة.. ودولة فلسطين، أقاويل وتأويلات وتفاسير عدّة.
هناك قول غير معروف قائله؛ وهناك قول منسوب للرسول الأعظم. يقول الأوّل: إن وضعت يدك على غمد سيفك.. فأشهره، وإن أشهرته فاضرب به؛ وهناك قول لرسولنا: من رأى منكم منكراً، فليغيّره بيده، أو بلسانه.. أو بقلبه!
قد أقول: في الانتفاضة الثانية الوخيمة، أشهرت السلطة سيفها وضربت به، أما في تحلّل السلطة من اتفاقاتها والتزاماتها لمرحلة ما بعد أوسلو، فإن "كادوك" السلطة له وجهان: قانوني وعملي، القانوني أُلغي، والعملي يكاد يستحيل الإلغاء!
حتى قبل خطة "صفقة القرن"، فإن سلطة الاحتلال جعلت السلطة الفلسطينية كأنها ذات مسؤولية بلا صلاحية، وأما بعد باشرت سلطة الاحتلال فرض سيادتها، عن طريق أسلوب استيطان القضم والهضم، على أي جزءٍ من الأرض المحتلة، فإن مفهوم السيادة في "حل الدولتين" يهدد بتقويض عنصر أو اثنين من عناصر السيادة الثلاثة، وهي: سيادة دولة فلسطين على أرضها، وسيادتها على شعبها.. والاعتراف الدولي بهذه السيادة.
منذ إعلان ترامب خطته، رفضتها السلطة والمنظمة والشعب باللسان والقلب معاً، وكذا سبق وفعلت منذ إعلان "حكومة الطوارئ" الإسرائيلية خطة فرض سيادة إسرائيلية، فالسلطة تستند إلى ثلاثة عناصر ومكامن قوة: وجود الشعب على أرضه، عدم تسليمه بالاحتلال، وعجز أميركا الترامبية وإسرائيل اليمينية عن فرضها، لأن كل "صفقة" تشترط قبول الطرفين بها.. بالرضى أو بالإرغام!
أذكر أن واحداً من كتّاب الرأي في "الأيام" سأل عرفات: لماذا وافقتم على أوسلو؟ فأسند عرفات ظهره إلى كرسيه، وقال: الظهير العراقي انهار، والروسي انهار.. وهذا قبل انهيار الظهير العربي جملة وتفصيلاً.
بعد الانتفاضة الأولى العظيمة، وقبل أوسلو، كان هناك من تحدث عن "حكومة منفى" تشكلها المنظمة في تونس، والآن، هناك من يتحدث عن عودة السلطة إلى رحم المنظمة، وانسحاب حكومة السلطة إلى حكومة المنظمة في الجزائر.. وبالذات؟
عن هذا الخيار، كتب الزميل عماد شقور، أحد مستشاري عرفات في المنفى، الذي يقيم الآن في مدينته سخنين، بعد استعادة جنسيته الإسرائيلية بفضل أوسلو.
لست مع هذا الرأي، لأن الإدارة العرفاتية للمنظمة الناجحة بعد خروج الأردن، وخروج لبنان، ودخول فلسطين، صعب أن تتكرر، كما لن يتكرر الحنين للناصرية في مصر، وللقذافية في ليبيا، وللصدّامية في العراق.. إلخ!
في وقت مبكر من الاحتلال، قال ميرون بنفنيستي إن الاستيطان وصل نقطة اللاعودة؛ وبعد خطة ترامب للصفقة، وخطة إسرائيل لفرض السيادة، هناك قول لعدة أطراف بأن "حل الدولتين" وصل نقطة اللاعودة، وأن خطة ترامب تنتقل من "الاقتصاد التابع" الفلسطيني إلى "الكيان السياسي الفلسطيني التابع" في فلك إسرائيل يسمى "فلسطين الجديدة" منزوعة السيادة على معظم أرض "حل الدولتين" ومحدودة السيادة على شعبها.
الكاتب اليساري الإسرائيلي في "هآرتس" جدعون ليفي، يرى أن موت "حل الدولتين" يعني دولة فصل عنصري إسرائيلية أو واقع "أبارتهايد" ستكون إسرائيل فيه دولة منبوذة عالمياً، ونصيحته للفلسطينيين أن "عانقوا الضم" وطالبوا بحقوق مواطنية متساوية، ففي ذلك نهاية للصهيونية وللدولة اليهودية العنصرية.
انظروا إلى تركيب حكومة الطوارئ التي ستباشر القضم والضمّ، هناك وزيرة "فالاشية" للاستيعاب والهجرة، وليس هناك وزير عربي فلسطيني، أي لعشرات الألوف من اليهود الأثيوبيون، وليس لمليون ونصف المليون فلسطيني، حتى أن زعيم "المعارضة" البرلمانية منشق عن حزب "أزرق ـ أبيض"، وهو يائير لبيد، وليس نائباً من "القائمة المشتركة".
إن لم تتحقق المساواة المواطنية بعد 72 عاماً من قيام إسرائيل، فكيف ستتحقق إن "عانق" فلسطينيو السلطة خطة الضم والقضم.
المسمّى هو "فرض السيادة" الإسرائيلية، والمعنى الفعلي هو "الضم" وللمستوطنين في الضفة الغربية حق تقرير المصير، كمواطنين يهود في دولة إسرائيل اليهودية، وليس للفلسطينيين فيها حق تقرير المصير، لأن قانون القومية الإسرائيلي يقول: للشعب اليهودي وحده حق تقرير المصير.
يوم الحداد الشركسي
لعلها مصادفة أن يكون 15 أيار يوم النكبة، وأن يكون 21 أيار هو يوم الحداد والحزن الشركسي، حيث قاتل شركس القوزاق القيصرية الروسية قرناً وسنة واحدة من العام 1763 حتى العام 1864، ومات في هذه الحرب 2 مليون شركسي، ومنهم 500 ألف بعد استسلام الإمام شامل عام 1859، وهاجر 90% من الشركس إلى خارج بلادهم للدولة العثمانية أو للبلاد العربية حيث صاروا مواطنين.
هناك، أيضاً، نكبة الأرض بأيدي الأتراك، والهولوكوست اليهودي، واستقلت أرمينيا عن الاتحاد السوفياتي، وذهبت الفنّانة سيتا مانوكيان الأرمنية اللبنانية إلى يريفان، لكنها عادت إلى لبنان لأنه صار وطنها.
عمر الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي أكثر من قرن، ويقول الفلسطينيون: لا وطن لنا سوى فلسطين، واليهود: لا وطن لنا سوى إسرائيل. المسار والمصير مترابطان، إلى أن تتشكل في البلاد كونفدرالية.. ربما بعد قرن آخر من الزمان.