يقلم - حسن البطل
استوقفتني عبارة يدوية، على حيط من حيطان المدينة، نصها: «لن يبقى من البشرية إلاّ البشر»، فاخترتها دون تعليق للنشر على خانة «قصتك» في هاتفي النقال، فنصيب صوري من الإعجابات يبز نصيب مقالاتي منها.
السؤال التعجيزي ـ الفلسفي القديم، صار نافلاً: «أيهما أسبق: الدجاجة أم البيضة؟» منذ «اكتشف» داروين قانون التطور والارتقاء. من ثم فالبشر أسبق من «البشرية»، لكن «بصمة» البشر لن تزول حتى بعد «فناء» البشرية. الديناصور انقرض وبصمته موجودة.
كان خطر الفناء النووي يتهدد بمحق البشر، فهل محقت نوازل كونية، كائنات سادت حياة الأرض، أم تطورت الديناصورات، اللاحمة والعاشبة، إلى أشكال أخرى: عصافير مغردة أو كواسر الطير اللاحمة.
يقولون إن جاء البشر والبشرية «فناء نووي» فإن ما سيرث الأرض هو كائنات حقيرة من ذوات الدم البارد، كالصراصير والعقارب التي ستصير ضخمة كالديناصورات البائدة، لكن الكون سيحمل بصمة البشرية المنقرضة، منذ فلق البشر الذرة، إلى أن وضعوا بصمتهم على كواكب ومجرّات.. قد تكتشفها كائنات ذكية غير بشرية ومفترضة.
يبدو خطر احترار جو الأرض ماثلاً ويحتاج جواباً بشرياً، لكن هناك خطرين ـ تحديين أهول، وهما لعب العقل البشري بالمورثات الجينية منذ النعجة «دوللّي» إلى تعديل وتحوير وتطوير الأجنّة البشرية، حتى وهي مضغة في الأرحام، لتوليد بشر لهم مناعة من الأوبئة والأمراض، وصولاً إلى إنسان خارق «سوبرمان» ومن بعد إلى إنسان طويل العمر على حافة الخلود!
الخطر ـ التحدي الثاني هو تطوير الذكاء الصناعي لدى الروبوتات، من أسطورة «شبّيك لبّيك» إلى تمرد المخلوق على خالقه، وصراع وجود بين البشر والروبوتات المتمرّدة.
منذ ورث البشر السيادة على الكائنات، بدؤوا في عصر الاصطفاء عن طريق تدجين النبات، كما فعلوا في القمح البرّي مثلاً، فجعلوه قوناً بشرياً لا غنى عنه، كذلك في تأصيل وتركيب الأشجار المثمرة. وداعاً للاصطفاء الطبيعي، وأهلاً بالاصطفاء البشري؟
من اللعب بالخارطة الجينية للنبات، إلى الخارطة الجينية للحيوان، بدءاً من «دوللي».. إلى فك وتركيب الحمض النووي للبشر، منذ وضع الجينيوم البشري أواخر القرن الماضي.
قبل أن يسود البشر حياة الكائنات على الأرض، كان التطور يجري إمّا وئيداً، وإمّا على شكل «طفرات» كأن مختبر الطبيعة يلغي تجارب 99% من الطفرات غير المناسبة. السؤال الخطير هل يستطيع العقل البشري، إن لعب بالجين البشري لتخليق «سوبرمان» خارق أن يلغي الطفرات غير المناسبة، لأن نزعة الخير والشر مجتمعتان في البشر، كما ليس في غيرهم من الكائنات الدنيا.
حصل في المجتمعات البشرية أن يتمرد العبيد على السادة، وأن تتمرد الشعوب المقهورة على الشعوب القاهرة وأن تحل تكنولوجيا مكان أخرى. هل سنشهد انتقال صراع السيد والمسود، إلى الصانع البشري والمصنوع الآلي، كما ترون منذ الآن في سينما الخيال العلمي والواقع الافتراضي؟
هناك من يقول إن الجان قرين الإنسان، وأن للأول نزعتين طيبة وشرّيرة كما للثاني، أيضاً. هل أن «الروبوت» هذا نوع من الجنّي الطيّب ما دام خادماً مطيعاً للعقل البشري وهو، بدوره، عقل خيّر وسوي وآخر شرير وغير سوي!
بفضل ذكاء عقله، ساد البشري على ما دونه من الكائنات الدنيا، فإن تطور ذكاء الروبوتات وفاق ذكاء العقل البشري، فهل يصير من «شبّيك لبّيك عبدك بين يديك» إلى قرين شرير، كما ترون في السينما الافتراضية، من تمرد الروبوت على أوامر العقل البشري بالتدمير الذاتي، أي تمرد العقل الذكي المسود على العقل البشري السيد؟
البشر يخلطون بين الفناء البشري الحتمي وفناء الحياة على كوكب الأرض، وبين فناء كوكب الأرض الحتمي وفناء النجوم الحتمي، وبين هذه وميلاد حياة وفناء المجرّات.
هناك تفسيرات لما في «الكتب السماوية»، ومنها مثلاً ما جاء في سورة الرحمن: «يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلاّ بسلطان».
الجن أولاً ثم الإنس، فهل الجن هو القرين و»السوبرمان»، علماً أن عقل الإنس تطور من اعتبار الأرض مركز الكون، إلى مركز الحياة في هذا الكون الرحيب السحيق. لا وجود لقرين للإنسان في كوكب آخر.
يقولون إنه بدون اللعب بالجين البشري، لن يتمكن الإنسان من السفر عبر الكواكب والتأقلم فيها، كما تطورت الحياة على كوكب الأرض من ذوات الخلية الواحدة إلى عقل بشري بمليارات الخلايا.
خرق العقل البشري سرعة الصوت وصار يجوب أقطار كوكب الأرض في ساعات، لا في شهور وأيام، وأمامه في السينما مثلاً، جدار سرعة الضوء، التي يجتازها في أفلام الخيال العلمي فحسب، عن طريق «القفزات» كما في فيلم «ستار تريك».
***
يقولون: «مَن سَرَّهُ زَمنٌ ساءَتهُ أزمانُ» وكذا حال الإمبراطوريات والدول، وأقرب من ذلك حال الأيديولوجيات البشرية. هذا هو الطبيعي والتقدمي، وأيضاً في قانون التطور والارتقاء التدريجي. لكن في الحياة هناك «طفرات» وهي تلغي في مختبرها الطفرات غير المناسبة.
نعم، إسرائيل فريدة دول العالم، فهي لم توجد بتطور طبيعي، لكن كأنها طفرة ارتدادية ولكن للوراء، إلى ما قبل تشكّل الإمبراطوريات والدول، فهي تدّعي «وعداً إلهياً» كأساس لقيامها صدر في زمن ما قبل الدول الحديثة، وفي زمن الإمبراطوريات القديمة التي تطورت إلى إمبراطوريات جديدة.