بقلم - حسن البطل
السيّد في بيته سيّد في قومه. لا يتأمّر السيد الحق في بيته.. ولكنه يُطاع طوعاً، ولا يتأمر الرجل الحق على قومه.. ولكنه يحظى بالاحترام.
أبو فادي هو نمر قبلاوي، الذي صبر على المرّ.. ثم انفجر في وجه ضابط الموقع الاسرائيلي في «معالوت».- أخذتم الضفة.. سكتنا على مضض. أخذتم كل أراضينا، قلنا: «لنا الله» أخذتم الجولان.. قلنا: «للجولان سورية تستعيدها يوماً»، أخذتم القدس.. قلنا: «بينا وبينكم الأيام تطول»، ولكن أن تذبحوا أهلنا بعض دمنا ولحمنا، في صبرا وشاتيلا.. وعين الحلوة، فوالله هذه لا تهون أبداً.. «هاي الساعة بدي تصريح إلى لبنان».
يقسم أبو فادي أن أول بيت فلسطيني طرق بابه في ذلك الخريف من العام 1982، أطلت منه امرأة.. وكانت إحدى قريباته الترشحاويات! الله أكبر!
في حمأة غضبه كان أبو فادي يودّ لو أكل ضابطهم نيئاً، غير أن أبا فادي رجل محترم، فهو كان رئيس المجلس المحلي لترشيحا آنذاك، ونائب رئيس المجلس البلدي لمنطقة معالوت - ترشيحا، وله أصحاب كثر من الجيران اليهود.. وهكذا، نال التصريح.
حدثنا أبو فادي، فقال: في العام 1974 استضفنا امرأة ترشحاوية من مخيم النيرب - قرب حلب، زارت ابنها الفدائي في مدينة صور، وبطريقة ما، وصلت ترشيحا. بعد ربع ساعة من وصولها، قرع ضابط اسرائيلي باب بيت أبي فادي، الذي صرخ به : «عيب.. استحي.. تعال بكرة «.
في الغداة حقق الاسرائيليون معها، «ابنك مخرب»؟ «لا، ولدي نجار». أروها صورته في الزي الفدائي، أنكرت.. وأخيراً، زهقوا منها. أخذوا تعهداً من أبي فادي.. وفي مخيم النيرب بدأ تجديد القصص القديمة عن «الناس في ترشيحا».
* * *
كيف عاش الناس في ترشيحا.. ما قبل إسرائيل؟
لم تكن هناك كهرباء، لكن شوارع ترشيحا كانت مضاءة ليلاً بفوانيس «اللوكس». كانت للبلدة بلدية نشيطة، وكان الناس يدفعون رسوم إضاءة الشوارع بفوانيس «اللوكس».
كيف يعيش الناس في ترشيحا.. اليوم؟
الفقير مستور بمساعدة الجيران له، والهامل «مكبوس» بتقريعات الناس له. الغني كريم.. والشاطر ابن الشاطر هو الذي ينجح 12 صفاً في 12 عاماً، ومن ثم إلى الجامعة.
* * *
ذلك العجوز من «دار الاحسان» وشقيق جد عصام الترشحاوي توفاه الله بين زيارتنا، الخاطفة الأولى الى ترشيحا في كانون الثاني 1995، وزيارتنا الاطول والأبهج الى ترشيحا في أيار 1998.
نسيتُ اسمه، لكن حكمة الدهر على لسانه لا تنسى: «الأرض تبقى في مكانها، والناس يروحون ويجيئون». نحن جئنا للزيارة وهو راح.
قال العجوز: «الترشحاوية الذين هاجروا لأميركا سيعودون، والترشحاوية الذين هاجروا لسورية سيعودون».. ومات بين زيارة وزيارة ثانية، دعونا فيها إلى زيارة ثالثة في تموز.
عندهم عرس، والعرس الترشحاوي جميل. يجيدون الغناء والرقص.. والموسيقى (لديهم عازف موسيقى على مستوى عالمي.. كما يباهون).
* * *
في «معالوت» 15 ألف يهودي، معظمهم يصوتون لنتنياهو و»الليكود» و»المفدال» و»شاس»، وأما ترشيحا فتصوت للأحزاب العربية: «الجبهة « سابقاً ولاحقاً، و»التجمع» لاحقاً وصاعداً.. و»ميريتس» أيضاً. لا يصوتون لحزب «العمل» الذي صادر 99% من أراضيهم ولكنهم أعطوا باراك 1650 صوتاً من أصل 1800 صوت.. على أمل أن يعيد إليهم بعض أراضيهم «وإلاّ، هناك الله فوقنا وفوقه، فوق اسرائيل وفلسطين.. وهناك دورة الأيام بيننا» كما قال ترشحاوي عجوز، لن تمحى من مح عظامه ذكريات الحكم العسكري الرهيب حتى العام 1965.
* * *
زراعة التبغ المزدهرة، سابقاً، تبور فلا تمارسها، حالياً سوى عائلتين لأن شركة «دويك» تحاربنا، وكذلك يحاربون زيتنا وزيتوننا بزيوت اليونان واسبانيا.. وبسبب ذلك صوتوا للأحزاب العربية، وصوتوا لباراك.. ولكنهم يريدون تشغيل ولو معصرة واحدة من معاصر الزيتون الأربع التي توقفت الواحدة تلو الأخرى.
- «كيف الجيرة مع اليهود» ؟ فقال أبو فادي: «والله الناس ناس أولاً، التعامل مع بعض يهود معلوت أحسن من التعامل مع بعض العرب. أيضاً، تعامل بعض اليهود مع العرب أحسن من تعاملهم مع يهود آخرين».
يحضرون أعراس بعضهم بعضاً عرباً ويهوداً. وثمة زيجات عربية - يهودية قليلة .الزوج عربي دائماً، و»أبو فادي» شغل منصب نائب رئيس مجلس معالوت - ترشيحا البلدي بأصوات اليهود أيضاً. هناك 11 عضو مجلس بلدي، منهم ثلاثة من العرب وثمانية من اليهود.
.. ومع كل ذلك، ففي الانتخابات القطرية يصوت كل العرب تقريباً لأحزاب العرب واليسار، ومعظم يهود معالوت لأحزاب اليمين.