«إن بعض الضمّ إثم». تلاعب زميلي أكرم مسلّم بوضع «الضمّ» بين مزدوجين، بدلاً من «الظنّ»، فأجابه صديقي خالد جمعة: «متحيّرون.. نلاقيها من الضمّ، ولا من الفتحة.. ولا من التنوين»، وعقّب صديقي خضر جلال: «الضمّ يُخالف تعليمات التباعد».
الخميس، ستعلن السلطة «برنامج واستراتيجية» الردّ الفلسطيني على ضمّ أجزاء من الضفة، لأن المرحلة التي ستبدأ في الأول من تموز ستكون بمثابة البدء في تحويل «الاستيطان الزاحف، منذ «نكسة» الاحتلال الحزيراني 1967، إلى مرحلة «الضمّ الزاحف».
في مرحلة الاستيطان الزاحف، وما بعد هذه الأوسلو، كانت السلطة والمنظمة تطالبان العالم بحماية الشعب الفلسطيني من بطش الاحتلال وتمادي الاستيطان. أما في مرحلة ثالثة، بعد أيار النكبوي، وحزيران النكسوي، فصارت المطالبة هي حماية دولية لـ»حل الدولتين». بعد لعنة النكبة الأيارية، ولعنة النكسة الحزيرانية، هناك من سيخترع نعتاً للعنة تموزية ثالثة، بادر السفير الأميركي لدى إسرائيل، ديفيد فريدمان، إلى وصفها بالقول: «لا دولة فلسطينية قبل أن يصير الفلسطينيون كنديين.
إن كان أكرم مسلّم تلاعب متهكّماً ووضع «الضمّ» مكان «الظنّ»، فإن أوقح فريق الخطة الترامبية، وضع كندا مكان السويد، لأن شرط الاستسلام الفلسطيني للسلام الإسرائيلي كان: لا سلام قبل أن يتحول الفلسطينيون إلى سويديين، وتغير في شرط فريدمان، لأن السويد اعترفت بفلسطين دولة حسب شروط الشرعيتين الفلسطينية والدولية.
بعد الاحتلال الحزيراني «النكسوي» العربي، قال العمّالي ييغال ألون، إن الغور سيكون الحدود الأمنية لإسرائيل، وفي خطوات الضمّ الإسرائيلي أن يصبح الغور حدوداً سيادية لإسرائيل في حروب إسرائيل قبل إعلان مبادئ أوسلو كان طموحها وتطلعها إلى «حرب حسم» في الصراع العربي ـ الإسرائيلي هو «ضربة واحدة وأخيرة.. وانتهينا».
يُقال، إن إسرائيل اختارت تموز، ليكون اللعنة الثالثة لفلسطين، بعد النكبة والنكسة، لأنها شكلت حكومة طوارئ بعد ثلاث جولات انتخابية، نجح في آخرتها «ليكود» نتنياهو في ضمّ الجناح الأكبر من حزب الجنرالات، للانتقال سوية من الاستيطان الزاحف إلى الضمّ الزاحف.
لنتذكّر أن نتنياهو كان معارضاً لأوسلو، كما كان هنري كيسنجر معارضاً لها، لأن نتيجتها ستكون دولة فلسطينية ما، وفي تموز من العام 2000، أي قبل عشرين عاماً، عقد مؤتمر كامب ديفيد، وفشل ايهود باراك العمّالي في إرغام عرفات على قبول شروط السلام الإسرائيلي، وبعد رئاسة نتنياهو لثلاث حكومات متعاقبة، جاءه الفرج مع إدارة ترامب.
عن طريق الضمّ الزاحف يريد نتنياهو أن ينجح فيما فشل فيه ايهود باراك في فرض شروط السلام الإسرائيلي ـ الأميركي على الفلسطينيين.
السلطة التي رفضت، فورياً وقطعياً، أولى خطوات الصفقة الترامبية، في كانون الأول من العام الماضي، حول القدس الموحّدة عاصمة لإسرائيل، رفضت خطة أولى خطوات الضمّ الإسرائيلية بفرض سيادة إسرائيل على الأغوار، وأي جزء آخر من الأراضي الفلسطينية، وباشرت حملة سياسية ـ دبلوماسية دولية لحماية «حل الدولتين».
ليس صحيحاً ما زعمه الوزير مايك بومبيو، بأن قرار بدء الضمّ قرار إسرائيلي، لأن لجنة مشتركة أميركية ـ إسرائيلية ستقود خطوات البدء بخطة الضمّ.
أكثر فريق الصفقة وقاحة، أفصح لجريدة إسرائيلية أن المحصّلة ستكون ضمّ 30% من مجمل الضفة الغربية، فهو قسّم المنطقة C ومساحتها 60% من الضفة إلى ثلاثة أقسام: منطقة كتل استيطانية سيجري توسيعها بلا قيود، ونصف مساحتها لن يكون فيها استيطان يهودي أو وجود فلسطيني، وأخيراً مستوطنات خارج الكتل سيسمح فيها ببناء عامودي يهودي.
ماذا يعني ضمّ الأغوار؟ لن تكون هناك حتى «شرفة فلسطينية» على نبع الفشخة، ولا مكان لمشروع بناء مدينة فلسطينية ثانية، بعد «روابي»، في الأغوار، وسيتم إلغاء مشروع «رواق السلام» الياباني في الأغوار، ولاحقاً قد تقيم إسرائيل جداراً ثانياً سيادياً يفصل الأغوار عن باقي المنطقتين الفلسطينيتين المصنّفتين A وB غير المترابطتين، وستصبح الأغوار أكبر كتلة سيادية استيطانية يهودية.
في بيانات المنظمة والسلطة الفلسطينية، أن أي خطوة من خطوات الضمّ لأي مكان فلسطيني سيعني نهاية الالتزام الفلسطيني بالاتفاقيات والتفاهمات مع إسرائيل والولايات المتحدة.
لدينا، مع إسرائيل اتفاقيات باريس الاقتصادية، وهذا التنسيق الأمني، لكن مع الولايات المتحدة هناك رعايتها لاتفاقية أوسلو، وهي اتفاقية دولية تطورت إلى شرعية دولية لـ»حل الدولتين».
قررت السلطة وتنفيذية المنظمة استباق خطوات الضمّ، أو اللعنة التموزية الثالثة، بتحرك سياسي ـ دبلوماسي لحماية «حل الدولتين»، ووافقت المحكمة الجنائية الدولية على شمول فلسطين بجرائم الحرب الإسرائيلية، وقد تستخدم أميركا الترامبية حق نقض آخر لأي قرار سيصدر من مجلس الأمن حول «حل الدولتين» المتعارض مع خطوات الضمّ.
هناك من يرى أن لا حاجة لإعلان فلسطيني بالانسحاب من التزامات واتفاقات أوسلو، لأن انسحاب الولايات المتحدة وإسرائيل منها يجعلها لاغية، عملياً، بحكم خطوات الضمّ، التي لن يعترف بها أحد، لا دولة ولا منظمة دولية.
هذا أيار النكبوي، ويليه حزيران النكسوي.. ويليه تموز.. وعلى فلسطين «أن تجد الرُّوح في روحها».. لكن فلسطين لن تموت في أرضها!