كان يا ما كان، حتى الانقلاب الحيروتي ـ البيغيني في انتخابات 1977، وصحوة عابرة لتصحيح الانقلاب في انتخابات العام 1991، كان حزب بن غوريون في الأولى، وحزب رابين في الثانية، عماد حكم حزب العمل، بوصفه حزب محور اليسار وتحالفاته.
كان يا ما كان، حتى حزب شارون، المنشق عن الليكود، كان حزب كاديما عماد حكم اليمين المعتدل، مع حكم اولمرت ثم زعامة تسفي ليفني.
كان يا ما كان، حتى انتخابات العام 2009، بدأ حزب ليكود ـ نتنياهو وتحالفاته مرحلة حكم اليمين المتطرف، وفي انتخابات العام 2014 بدأ حكم اليمين المتطرف، الديني التوراتي.
ما الذي صار في انتخابات العام 2020؟ اختفى حزب كاديما من سباق القوائم الانتخابية، وكادت تغرب شمس تحالف حزب العمل مع حزب ميريتس، وحركة جيشر، فقد أحرزت ثلاثة أحزاب 9 مقاعد، بعدما احرز العمل في جولة انتخابات ايلول الثانية 5 مقاعد، وميريتس 4 مقاعد، وجيشر 4 مقاعد.
هذا كان وصار على صعيد مقاعد الاحزاب الاسرائيلية، اليمينية والدينية، والصهيونية اليسارية. ماذا على صعيد مقاعد احزاب القائمة المشتركة، التي صعدت من 13 إلى 15 مقعداً، وصارت هي «اليسار» الحقيقي، والمعارضة السياسية الحقيقية في الكنيست الـ23 في انتخابات الثاني من آذار؟
لما صوّت رئيس الدولة، رؤوفين ريفلين في انتخابات آذار، قال إنها «قذرة وبغيضة»، وكانت كذلك في انتخابات نيسان 2019 ثم انتخابات ايلول من ذلك العام، وبالذات في انتخابات آذار التي وضعت تحالف اليمين الفاشي والديني ـ التوراتي على حافة الانتصار الانتخابي، وتشكيل حكومة تجتاز حافة المقعد 61، إذا واصل نتنياهو أسلوبه القذر والوضيع.
بأسلوب مشابه تقريباً، تغلب الرئيس ترامب على محاولات عزله، ولن يكون الرئيس الثالث، بعد جورج بوش ـ الأب الجمهوري، وجيمي كارتر الديمقراطي، الذي حكم لولاية واحدة، بل سيفوز على الأغلب بولاية ثانية في انتخابات تشرين الثاني من هذا العام.
حزب ليكود ـ نتنياهو فاز بغالبية المقاعد على حزب الجنرالات في انتخابات آذار، لكنه لن يشكل حكومته الرابعة أو الخامسة قبل نيسان المقبل، لأن رئيس الدولة لن يكلفه قبل 17 آذار، وسيحاول نتنياهو سرقة و»لطش» مقعدين.
للمصادفة، فإن 17 آذار كان قد حدّد لموعد محاكمة نتنياهو في المحكمة المركزية، وعليه أن يؤلف حكومته خلال 21 يوماً سوية مع محاكمته.. هذا إن لم تؤجل المحاكمة إلى موعد آخر.
في المثل العربي ان «الطيور على أشكالها تقع» وفي صبيحة يوم 4 آذار قال المحلل القضائي للقناة «كان ـ 11» الإسرائيلية إن فوز نتنياهو في عدد المقاعد يعود إلى تصويت مئات آلاف الزعران، وأصحاب السوابق، في السجون لصالحه.
ستعرف نتائج توزيع تصويتات الانتخابات بدءاً من الأمس، وستقدم لرئيس الدولة في 15 آذار، ومن ثم سنعرف كم مقعداً لصالح «المشتركة» كان بأصوات يهودية، رفعت مقاعدها من 13 إلى 15 وحافة الـ16 ربما.
في الكنيست الـ23 ستواجه حكومة نتنياهو معارضة قوية من جانب حزب الجنرالات لأسباب إسرائيلية تتعلق بالمحاكمة، علماً أن ذلك الحزب لا يعارض حكومة مشتركة مع ليكود إذا أزاح نتنياهو عن زعامته، لكن حتى محاكمته المتوقعة في 17 آذار ستكون طويلة، ويحاول خلالها تمرير «القانون الفرنسي» الذي يمنع محاكمة رئيس الحكومة في فترة ولايته.
لا خلاف بين الليكود وحزب الجنرالات على قبول «صفقة القرن»، لكن الأخير يربطها بموافقة عربية، ومفاوضات مع الفلسطينيين، أما نتنياهو فهو يريد فرضها، والمسارعة إلى ضم مناطق فلسطينية واسعة، حتى دون قبول عربي بها، أو موافقة فلسطينية على التفاوض حولها.
المقعدان اللذان كسبهما نتنياهو في انتخابات آذار، عن انتخابات نيسان وأيلول، قابلهما فوز القائمة المشتركة بمقعدين إضافيين.
قبل إعلان الرئيس ترامب «الصفقة» رسمياً، تعمد أن يدعو زعيم الليكود وزعيم حزب الجنرالات إلى واشنطن. أميركا الترامبية تفضل حكومة مشتركة بين الحزبين لتمرير «الصفقة» لأنها مبرمجة على التنفيذ خلال أربع سنوات أخرى من ولاية ثانية للرئيس ترامب.
إذا تحققت «مفاجأة» تشكيل حكومة إسرائيلية مشتركة، فإن القائمة المشتركة العربية ستكون هي المعارضة رسمياً، وهذا وضع دستوري لا يريده «الليكود»، ولا «حزب الجنرالات».
تقول نتائج انتخابات الجولة الثالثة في آذار، إن نتنياهو نجح في تخويف الناخب من حكومة يسارية، لكنه فشل في تخويف الناخب العربي، وبعض اليساريين اليهود، من التصويت لصالح القائمة المشتركة، ولا يريد نتنياهو ولا حزب الجنرالات الذهاب لانتخابات رابعة قد تشهد مزيداً من المقاعد للقائمة المشتركة.
شهر آذار كثير التقلبات في الجو، ويبدو أنه كذلك في التقلبات السياسية في إسرائيل.