«كلام الليل يمحوه النهار»، أو كلمات استطلاعات الأول من آذار، قد تمحوها صناديق الاقتراع نهار الثالث من آذار. آخر استطلاعات الرأي الإسرائيلية، في الأول من آذار، رجحت أن يجتاز بيبي في الاقتراع الثالث عتبة الـ61 مقعداً، لكن في استطلاعات الأول من آذار أن القائمة المشتركة ستجتاز حافة الـ13 مقعداً، إلى سقف الـ15 مقعداً، فإن نطحت سقف الـ16 مقعداً، تحققت معادلة أيمن عودة قائد القائمة المشتركة: «لا حكومة لغانتس دون «المشتركة»؛ ولا حكومة لبيبي بسبب «المشتركة».
عشية الأول من آذار، كتب جدعون ليفي في «هآرتس» أن «وجه الديمقراطية في إسرائيل يتشكل بين رفح وجنين، أكثر مما يتشكل بين بلفور والمحكمة المركزية»، أي في المسألة الفلسطينية، وليس فيمن يشغل منزل رئيس الحكومة في شارع بلفور ـ القدس، ومواجهته للائحة الاتهامات يوم 17 آذار في المحكمة المركزية!
المعنى؟ في استطلاعات انتخابات نيسان ثم أيلول، كان زعيم «إسرائيل بيتنا» أفيغدور ليبرمان «بيضة القبّان» في ترجيح ائتلافات تشكيل الحكومة بين ليكود ـ بيبي وحزب الجنرالات، لكن صناديق الاقتراع في انتخابات آذار، فإن سقف الـ15 أو الـ16 مقعداً للقائمة المشتركة سيكون هو بيضة القبّان في صورة الديمقراطية الإسرائيلية.
من بين رؤساء حكومات إسرائيل منذ قيامها، وحتى انتخاباتها الحالية، فإن دافيد بن ـ غوريون، وبنيامين نتنياهو، هما أبرز زعيمان إسرائيليان رسما وجه ديمقراطية إسرائيل. كان رأي الأول حجب حق التصويت عن الـ150 ألف فلسطيني من رعايا إسرائيل الآن، يرفع نتنياهو شعار حجب حق التصويت عن 1,8 مليون فلسطيني عن ائتلافات تشكيل حكومات إسرائيل، ورفع الخطر الديمغرافي ـ التصويتي عن وجه الديمقراطية اليهودية.
كان الجنرال موشي دايان أبرز قادة الحروب الإسرائيلية، وينسبون إليه قوله بعد حرب حزيران 1967 إن لإسرائيل «حق الفتح» في ضم الأراضي المكتسبة بالاحتلال، قبل الحقوق الدينية ـ التوراتية والأمنية أيضاً، لكنه قال أيضاً، لنحذر أن تصبح الأراضي المحتلة جمرة في يد إسرائيل. الجمرة صارت مستقبل الأراضي الفلسطينية، وكذا جمرة في كفّ ديمقراطية اليهود وباليهود ولليهود وبعد تشكيل القائمة المشتركة.
كان شعار بن ـ غوريون، في تشكيل الائتلافات الحكومية: (بدون «حيروت» و»ماكي») أي بدون جناح الصهيونية اليمينية والشيوعيين، وهذا الشعار طويت صفحته مع صعود «حيروت» ـ بيغن في انقلاب العام 1977، لكن مع شبه احتكار لحكم الليكود، وصعود ليكود ـ نتنياهو صار الشعار: ائتلافات حكومية بدون مقاعد القائمة المشتركة، ولا يمكن لحزب الجنرالات تشكيل ائتلاف حاكم بدون الاعتماد على هذه القائمة، مع شعار مبتذل: «إما بيبي وإما الطيبي».
صناديق الاقتراع، نهار الثالث من آذار قد تعطي ليكود ـ بيبي مقعد الترجيح 61 في الكنيست، وتتشكل حكومة غالبية الصوت الواحد للتحالف اليميني، لكنها ستكون قصيرة العمر إزاء نشوب خلافات في هذا التحالف على مقاعد الحكومة، خاصة مع انزياحات محتملة من أعضاء الكنيست، إما من الليكود إلى حزب الجنرالات، أو بالعكس!
الحزبان يقبلان «صفقة» فريق ترامب، ويستبعدان القائمة المشتركة من دعم تشكيل الحكومات، لكن حزب الجنرالات أكثر التفافاً على زعيمه من التفاف حزب الليكود على زعيمه، الذي يواجه محاكمته.
إن أخفق بيبي في اجتياز نجاحه في الامتحان الثالث، أو شكّل حكومة غالبية الصوت الواحد، ثم تفككت حكومته، فإن ترامب قد يسحب اعتماده على نتنياهو ويفضل عليه إما حكومة مشتركة مع حزب الجنرالات، أو ليكود بغير رئاسة نتنياهو. الشعار الأميركي هو: «لا شيء ينجح كالنجاح».
أفغانستان
ربما كانت فيتنام، أقسى حروب أميركا، لكن أطول حروبها كانت في بلاد ممر خيبر، التي قهرت الامبراطورية البريطانية، ثم قهرت الاتحاد السوفياتي، وبعد حرب الأربعين عاماً، تبدو أميركا على وشك الخروج من أفغانستان. هذه هزيمة وليست انسحاباً مشرّفاً.
تذكرت مقالة لأحد محرري «ناشيونال جيوغرافي» عن بلاد الأفغان، إبّان حكم الملك طاهر شاه، نشرت في مجلة «ريدرز دايجست» عن تعطل سيارة «لاند روفر» بعد صدمتها في صخور ممر خيبر، حيث قام أفغاني متسلحاً بالحجارة، وبخلطة من التراب والنباتات بإصلاحها، بطريق عجيبة لا يقدر عليها ميكانيكي محترف!
هذه بلاد الطالبان و»ذبيح الله مجاهد» و»أسد الله»، التي هزمت الامبراطوريات الإنكليزية، والروسية.. وأخيراً الأميركية.
بيرني ساندرز
قبل اغتياله، قعد الرئيس جون كنيدي على قضيب سكة حديد، بينما وقف رجال المال الأميركيون من حوله، وراح الرئيس ينعتهم بـ»أولاد الزانية». لم يكن كنيدي اشتراكياً، وأميركا ليست بلاد الإضرابات، لكن كان بطل الحرب العالمية الثانية الأميركي أيزنهاور قد حذر في خطاب الوداع من تحالف رأس المال مع الصناعات الحربية.
الآن، يحكم رجل المال والعقارات دونالد ترامب، ويتطلع إلى ولاية ثانية بينما ينافسه مرشحو الحزب الديمقراطي، ومن بينهم أميركيان يهوديان، هما بيرني ساندرز «الاشتراكي» ومايكل بلومبرغ المليونير، ورئيس سابق لبلدية نيويورك.
طوال عهود تمتع الحزب الديمقراطي بتأييد غالبية الأميركيين اليهود، أما إسرائيل فهي تتمتع بتأييد الرئيس الجمهوري دونالد ترامب.
من غير المحتمل ان يختار الحزب الديمقراطي المرشح ساندرز، لأن الاشتراكية تعتبر سبّة في أميركا، وصارت كذلك في إسرائيل، أما بلومبرغ فهو لا يحتاج إلى تبرعات، وأقل انتقاداً لإسرائيل.
المهم أن الحزب الديمقراطي قد يفوز بعد ولاية ترامب الثانية، ومن ثم قد يعيد النظر في انحياز أميركا لإسرائيل. إذا فاز ساندرز بالترشيح فقد يلاقي مصير جون كنيدي.