طبريا، «نحن من ماء»

طبريا، «نحن من ماء» !

طبريا، «نحن من ماء» !

 السعودية اليوم -

طبريا، «نحن من ماء»

بقلم : حسن البطل

 بحرٌ ميّت يصبّ فيه نهرٌ يموت. لنذهب، إذاً، من مصبّ النّهر إلى صبيب النّهر في «رأس النبع». تقول غادة السمّان في رواية لها «لا بحر في بيروت». يوجد بحرٌ أبيض ـ أزرق في بيروت وغزّة، وهذه الضفّة من فلسطين «جزيرة بريّة» جدّاً. لا نهر ولا نُهَيْر، لا بحر ولا بُحيرة.

للبحر الميّت نعت بُحيرة لوط، ولبحيرة الحولة أن تُسمّى «بحر الجليل»، وقد سملوا عين بحيرة الحولة، وبقيت «بيضة الثور» هذه ذات «الإحليل» الطويل الذي يصبّ في بحر ميّت أشبه بـ «فرج مشروم» لعجوزٍ شمطاء.

«نحن من ماء» قال النبي وصاحبه مراوغاً سؤال أعرابي زمن التخفّي والدعوة. قال الأعرابي «لا أفصح حتى تفصحا». قال النبي «لا نفصح حتى تفصح»، ثم قال للأعرابي «نحن من ماء»، فقال الأعرابي: «إذن أنتما من عراق».

لعلّ النبي كان يقصد أن البشر أجمعين أبناء ماء «نطفة، فعلقة، فمضغة».. ونحن ذهبنا إلى صبيب النُهَيْر، الحاصباني، في نهر يصبّ ببحيرة طبريا (بحر الجليل). الفلسطينيون، أيضاً، من ماء.

ليتها رحلة عائلات موظّفي «الأيّام» إلى الماء، لكنها «زيارة حامضة» إلى ما كان البلاد ويبقى البلاد.. فأي بلاد أضاعوا، لنصير في «جزيرة بريّة». لا نهر البلاد نهرنا المتاح، ولا شرفتنا على بحيرة لوط متاحة لنا يومي العطلة الجمعة والسبت، ولا بحر الجليل متاح دون إذن تصريح. طلبنا خمسين تصريحاً فأعطونا خمسة وثلاثين، وملأنا شواغر الباص بالزوجات والأولاد. رحلة عائلية، أو زيارة سحابة ساعات من النهار.

ثقالاً ذهب أرباب العائلات، وخفيفاً ذهبت معهم. الهُويّة واجبة، والكاميرا الرقمية بديل حقيبة الكتف القماشية. قبل البحيرة من طريق وبعد البحيرة من طريق، طرحت على الزملاء سؤالاً: ها نحن نسير 30 كيلومتراً في إسرائيل والأرض الطيبة شاغرة من الناس.. فكيف لا نسير أكثر من 10 كيلومترات في هذه «الضفة البريّة» دون أن تصطدم بمستوطنة أو بؤرة فوق التلال؟

حقّاً، نُزاحمهم» في المثلّث والجليل والنّقب، و»يُزاحموننا» في هذه «الجزيرة البريّة»، ربّما لأنّ تلالها تُغويهم كما يغوينا البحر والبحيرة والنّهر.

المدينة أعطت اسمها للبحيرة، التي نسيت اسمها «بحر الجليل»، والمدينة قلبت ظهر المِجَنّ لعرب البلاد الذين تركوا فيها حجارة بازلتية سوداء، على قلعة منها هذه العبارة: «بناها أمير بدوي يُدعى ظاهر العمر».. أو لوحة عن طوفان ما بعد طوفان نوح. في العام 1935 أغرق مطر مدرار مدينة طبريا، وأهلك أرواح العشرات، واعتبرها المندوب البريطاني «مدينة منكوبة».

من يسبح ومن لا يُجيد العوم امتطى ظهر زوارق مطاطية بمجاديف، غير عابئ بتعليمات الأمان (لباس سباحة ونظّارات.. وإياك أن تمسك بأغصان الأشجار فيتركك النّهر السريع خارج القارب).

من يسبح ومن لا يُجيد العوم امتطى ظهر العبّارة في جولة على سطح ماء البحيرة (البحر الميت يموت بسرعة، ونهر الأردن يجفّ أسرع، وبحيرة طبريا تكشّ شواطئها).

أهي مُصادفة؟ لا عرب في المدينة، وشواطئ البحيرة تعجّ بالعرب الذين يَحُجّون إلى كعبة البحيرة والنّهر الذي يُعانق نهراً (حاصبيا يرفد الأردن بغزارة أكبر مما يرفد الأردن بحيرة لوط). يمكنك أن تغرف الماء الزلال بكفّ يدك وتروي كما لا ترتوي من الحنفية وزجاجة الماء المعدنية.

الوقت سيف كما يقال، وسيف الوقت قطعنا ومنعنا عن صعود تلال أرض الجولان، أرض التفّاح والأبقار. الأولاد يُريدون «اللعبطة» في الماء، وأنا كنت أريد تفّاحة جولانية لي وأخرى لصديقي في رام اللّه. تفّاحة لـ «الطعم» القديم ، لا تفاحة «مشمّعة» قاسية القشرة!
رحلة تذكّر برحلة يوم كنّا نزور الجولان، أيّام المدرسة، قادمين من دمشق، ورحلة كنا ننوي بها زيارة الجولان من فلسطين (قلت فلسطين) لماذا نسافر ثلاثين كيلومتراً في أرض خلاء بإسرائيل، ونسافر عشرة كيلومترات في ضفة ملأى بالمستوطنات؟ ضفة تجمع ماء السماء لإسرائيل التي تسقينا من بعض مائنا!

الماء والخضراء.. والصبايا الفلسطينيات يدبكن على متن العبّارة الحديدية «الليدو»، وهذه البلاد تستحق وصفها «قارة صغيرة» هي أكبر بلاد الساحل السوري تنوّعاً جغرافياً.

كثير من الصور للذكرى، وطبق من السمك النهري في المطعم العربي للنسيان. نحن واليهود من ماء، لكن الجدار يفصل بلادنا ــ بلاد الماء عن بلادنا ــ جزيرة بريّة.

المصدر: جريدة الأيام

المقال يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

arabstoday

GMT 03:49 2019 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

الموجة الجديدة من الحراك العربي

GMT 03:43 2019 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان بين صيغتين

GMT 11:46 2019 السبت ,26 تشرين الأول / أكتوبر

تدخلات غير مقبولة!

GMT 11:41 2019 السبت ,26 تشرين الأول / أكتوبر

اقرأوا وجه الرجل!

GMT 11:34 2019 السبت ,26 تشرين الأول / أكتوبر

مزوار: اذكروا أمواتكم بخير !

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

طبريا، «نحن من ماء» طبريا، «نحن من ماء»



إطلالات متنوعة وراقية للأميرة رجوة في سنغافورة

سنغافورة - السعودية اليوم

GMT 01:25 2017 الأربعاء ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

رائد محسن يكشف كيفية تربية الأطفال بالطرق الصحيحة

GMT 17:06 2018 الإثنين ,03 أيلول / سبتمبر

جرائم الكيان المعنوي للحاسب الآلي

GMT 12:53 2017 الأحد ,29 تشرين الأول / أكتوبر

مدرب النصر يمنح حسام غالي الفرصة الأخيرة لتحسين الأداء

GMT 04:43 2017 الجمعة ,20 تشرين الأول / أكتوبر

مجموعة ساحرة من خواتم الأصبعين الثنائية من

GMT 11:18 2021 السبت ,30 كانون الثاني / يناير

أغلى السيارات التي طرحت عبر تاريخ الصناعة

GMT 14:22 2020 الجمعة ,25 أيلول / سبتمبر

وفاة شقيق الفنان محمود حميدة

GMT 22:52 2020 السبت ,02 أيار / مايو

أبرز 6 شخصيات عربية على موقع "يوتيوب"

GMT 08:20 2019 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

!الوهم الأبیض

GMT 13:45 2019 السبت ,05 كانون الثاني / يناير

الشباب ينفي تلقي عروضًا للاستغناء عن الخيبري وباهبري

GMT 14:07 2018 السبت ,08 كانون الأول / ديسمبر

نائب رئيس جنوب أفريقيا يختتم زيارته للسودان

GMT 11:59 2018 الإثنين ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

كشف سبب بكاء مهاجم ليفربول بعد مباراة منتخب بلاده أمام غينيا

GMT 11:35 2018 الأحد ,28 تشرين الأول / أكتوبر

نقشبندي يستقيل من لجنة الحكام بعد أيام من تعيينه

GMT 00:19 2018 السبت ,27 تشرين الأول / أكتوبر

إعلان القدس عاصمة للبيئة العربية لعام 2019

GMT 06:49 2018 الثلاثاء ,18 أيلول / سبتمبر

سليمان يُعلن أنّ الحضري أفضل حارس في مصر
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
alsaudiatoday alsaudiatoday alsaudiatoday
alsaudiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab