كتاب المراثي «قد تزوجتَ البلاد يا محمد»

كتاب المراثي «قد تزوجتَ البلاد.. يا محمد»!

كتاب المراثي «قد تزوجتَ البلاد.. يا محمد»!

 السعودية اليوم -

كتاب المراثي «قد تزوجتَ البلاد يا محمد»

حسن البطل

هكذا سألته، في هذا المكان اليومي: "هل الفلز دم الصخر، كما اليخضور دم النبات.. كما اليحمور دم الإنسان"؟
  هكذا تراءت له لغتي، فحضرت كلمة "اليحامير" في هواجس موته، او في رثاء "ابو الطيب الغرائبي" لموته في حياته.
هكذا، انزلقت الى بيته، مع خالد فراج.. وفي المساء وبخني محمد حمزة غنايم: أهكذا ينسى الجغرافي فيك تفصيلاً من تفاصيل البلاد بين الباقتين.. ثم نقر اسم "نزلة عيسى" في مكانها المناسب، في كتابة لي محمومة عن الباقتين، ثم ارسل، إلكترونياً، ذلك العمود من "أطراف النهار" من بيته في الباقة الى بيت قلمي في جريدة "الأيام".
..   ثم وبخني في الصباح: "أهكذا تدلق "أطراف النهار" فور ان تصفحت رواية "ليون الإفريقي" لأمين معلوف في مكتبتي!
هكذا، اذاً، كان محمد حمزة غنايم يسخر من حسن البطل، فيتذكر حسن كيف كان، في طفولته، يبلل ريشة نعام بين رموش جفنيه. ثم يودعها المصحف الشريف حيث وصل في تلاوته.
  كنا نحلف، نحن الأولاد الشاطرين، اذ تأخذنا الرهبة بهيبة لغة القرآن، بأن ريشة النعام في المصحف الشريف تنمو اذا سقيناها من ماء العين.. واذا تقبل الله منا تلاوتنا لكتابه العزيز.
.. ثم اكتشفت، بعد ان اكتشفته، ان للغة محمد حمزة غنايم في سخريته الشفهية شيئاً من مذاق العسل على ريشة النعام، وبها يمسد شغاف قلبي. أحببته، هذا "الغرائبي"، كما لم احب فلسطينياً وراء "الخط الأخضر".
***
كانت الباقة بداية عبوري الأول الى طيرة حيفا، وكانت نزلة عيسى قنطرة الباقتين.. وكانت ممري الثاني والثالث الى أقصى الجليل.. وفي المرة الرابعة "سمطني" بلمسة ريشة النعام: ألا تستحق الباقة منك غير مرور الكرام. سهرة عصف فكري - روحي - ثقافي مديدة في غرفة مكتبته.
   آنذاك، رسمني محمد في سيناريو. سأكون انا الموضوع (سأهذي بما أشاء) وطيرة حيفا هي المكان (ستثير هذياني كما تشاء). وهو صاحب النص (كما يشاء). بقي السيناريو في دماغه.
***
كان محمد يدهمني في تلك القرنة من مكاتب "الأيام" (سأقول عنه لاحقاً: للشاعر ابتسامة شيطانية لسؤال ملائكي).. وكان يدهمني مثل غابة من ريش النعام. اشرح له صدري.. فيلهو بالرياش على شغاف قلبي.
في تلك القرنة علمني الاسم العبري لنبتة متسلقة على طاولتي، يدعونها في الشام "تلفون".. وهنا يدعونها "ام محمود".. تغزل قلوباً خضراء. اسقيها نصف ماء كأسي. تبادلني الأوكسجين بثاني أكسيد الكربون (هل الإنسان نبات حلمه) او (الإنسان طير لا يطير).
***
في تلك القرنة، سأكتشف مع محمد حمزة غنايم سر الحنين (النوستالوجيا) الى مسقط الرأس.
الفلز دم الصخر (موطن سرّه). اليخضور دم النبات (سر حياته).. فلماذا ليس يحمور دم الإنسان هو سر حنينه الى مسقط رأسه؟
   كان الدم ازرق عندما كان النحاس قاعدته.. وصار الدم احمر عندما صار الحديد قاعدته.. وكل حديد يرسم، بواسطة مغناطيسية الأرض، إحداثيات مسقط الرأس.. ألا نأكل من فلز صخر المكان ما يأكله يخضور نبات المكان.. الا يستوطن الفلز واليخضور يحمور دم الإنسان.
"الغرائبي" قال: الآن، افهم لماذا، في كل أيار نكبوي، نذهب لنأكل يخضور نبات المكان.. لعلنا بذلك ننعش في يحمور دمائنا إحداثيات المكان، او ذاكرة الفلز؟؟ وذاكرة اليخضور (نحن وما نأكل) كما يقول الأميركيون. تعلموا هذه الحكمة من الهنود الحمر (وهم مثلنا يأكلون الميرامية).
***
"الأسلوب هو الكاتب" وقد أحببت "لغة" محمد حمزة غنايم، منذ قرأت له، في المنفى، أساليبه في "لغة الصحافة" و "لغة الأدب". و "لغة الشعر"، وعندما التقيته في رام الله ثم الباقة، لقيته بصمة لغته، كما وجدني بصمة لغتي.
***
سألته في تلك القرنة، "هل أراد الفلز ما أراد"؟ في خريفه الأخير، كتب قصيدته الأخيرة بعنوان "حالات زوغان"، تساءل في حياته عن حضوره ما بعد موته:
"قد اظهر يوماً في طرف الصورة
وجهاً وقناعا
ورماد الصورة قد يجعلني أتماهى في أطراف البرواز خفيفاً لكأني
"حالة زوغان تطفو في وعي الماء"
***
الماء سر الفلز، اليخضور، اليحمور.. وسأضع، يوماً، باقة على قبره في الباقة الغربية، موشحة بكلمات محمود درويش: "قد تزوجتَ البلاد يا محمد".

arabstoday

GMT 15:09 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

ابنه البكر

GMT 15:08 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

... إنّها حرب تطالبنا بأن ننسى كلّ شيء تقريباً

GMT 15:07 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

المشعوذون القدامى... والجُدد

GMT 15:04 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

الدول العربية «المضروبة»

GMT 15:03 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

حانت لحظة الرحيل

GMT 15:02 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

الأسئلة الصعبة

GMT 15:01 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

من غزو العراق... إلى حرب غزّة

GMT 15:00 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

عن رسالة بوريل ومستقبل أوروبا

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كتاب المراثي «قد تزوجتَ البلاد يا محمد» كتاب المراثي «قد تزوجتَ البلاد يا محمد»



إطلالات متنوعة وراقية للأميرة رجوة في سنغافورة

سنغافورة - السعودية اليوم

GMT 16:48 2024 الثلاثاء ,16 كانون الثاني / يناير

اكتشاف بروتين يحفز إنتاج الدهون الجيدة والتخلص من السمنة

GMT 19:18 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

يتيح أمامك هذا اليوم فرصاً مهنية جديدة

GMT 00:36 2017 الثلاثاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

5 طرق لتنظيف السيراميك والأرضيات من الطبيعة

GMT 16:43 2021 السبت ,13 شباط / فبراير

بناطيل هوت كوتور ربيع 2021 من أسبوع باريس

GMT 12:48 2020 الأربعاء ,15 إبريل / نيسان

جامعة سعودية تتوصل لنتائج تقضى على فيروس كورونا

GMT 13:28 2019 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

عادل عصمت يناقش "الوصايا" في نادي ركن الياسمين

GMT 19:49 2018 الأربعاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

"البيت الأبيض" يُعلن سحب قوات بلاده من سورية

GMT 19:12 2018 الإثنين ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فورد إكسبلورر 2020 الجديدة تظهر بتمويهات خفيفة

GMT 03:54 2018 الخميس ,30 آب / أغسطس

ترشيح أحمد السقا لبطولة فيلم "أشرف مروان"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
alsaudiatoday alsaudiatoday alsaudiatoday
alsaudiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab