علي الأمين
هاجسان سياسيان حكما خطاب الرئيس سعد الحريري في الذكرى السنوية العاشرة لجريمة اغتيال والده رفيق الحريري. الأول يتصل بتداعيات عملية القنيطرة الاقليمية والمحلية التي ترافقت مع انطلاق الحوار بين تيار المستقبل وحزب الله، وما تضمنته من مواقف صريحة قالها الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله من ان الحدود باتت مفتوحة بين لبنان وسورية لا سيما في امتداد الحدود اللبنانية - الاسرائيلية باتجاه الحدود السورية مع الجولان المحتل. الهاجس الثاني هو كيفية استعادة تيار المستقبل زمام المبادرة سياسياً، باعطاء زخم سياسي لتياره والاجابة عن تساؤلات الجمهور المسكون بحالة امتعاض من اداء تيار المستقبل السياسي، لا سيما ان حزب الله نجح نسبياً بعد عملية القنيطرة بفرض مسرح جديد، وها هو يحاول فرض قواعد جديدة في المثلث اللبناني - السوري – الاسرائيلي.
هذا الخطاب، الذي كان ناجحا في الشكل، تناغم مع كل ما تضمنه الحفل من مقدمات تناولت ابراز الشواهد على البعد التنموي الوطني في مسيرة الرئيس رفيق الحريري، كان في الشكل ايضا ردّا على المسرح الميداني الذي رسمه حزب الله في انخراطه بالقتال السوري او في محاور اقليمية ليس للبنان مصلحة او رأياً في خياراتها.
بتأكيد الحريري مجدداً على "ربط النزاع" مع حزب الله، كان يشدد على استمرار الحوار، لكن هذه المرة مع خفض سقف التوقعات، مع تحسس الحريري تنامي حالة رفض الحوار في قاعدته، خصوصا مع تمادي حزب الله في خياراته الاقليمية. وكان اللافت ايضا التناغم المتبادل بين حضور ممثلي العماد ميشال عون وسياسة تحييد التيار الوطني الحر نفسه عن مسرح حزب الله الجديد من دون ان يخرج عن "التفاهم".
رسم الرئيس سعد الحريري في خطابه بعناية خارطة سياسية للمستقبل، انطوت على لغة تصادمية في العمق مع حزب الله، وتفادت الدخول في السجال المستفز والمستنفر للعصبيات المذهبية او الطائفية. استعرض مفردات الراهن السياسي، لينطلق من خلالها لتحديد قواعد اللعبة الجديدة. فاكد مجددا انحيازه الى خيارات الثورة السورية، ومسؤولية نظام الاسد في انخراطه بخيار تدمير سورية على رأس اهلها. في المقابل شدد بنبرة الواثق على ان خيار حزب الله القتال في سورية ليس فيه مصلحة للبنان. من هنا كان الخطاب عرضاً يؤكد الثوابت الوطنية والعربية، وان لبنان لا يمكن ان يكون خارج نظام المصالح العربية، وليس من مصلحته ان يكون في محور ايراني يتصادم مع نظام المصالح العربية.
من هنا فان مسرح 14 شباط السبت، بكل ما انطوى عليه الاخراج الفني والسياسي، كان يؤكد نقيض المسرح الذي يقترحه حزب الله للبنان، اي مسرح الحروب المتنقلة من دون توقف، ان لم يكن في لبنان ففي خارجه، وبشكل منفرد وعلى حساب الدولة... هكذا من دون ايّ بحث جدي بخيار لبنان الجامع لكل ابنائه. مسرح 14 شباط في البيال امس الاول اكد ان خيار الدولة، بكل ما تعنيه الدولة من وحدة شعب ومؤسسات واحتكار الدولة لسلطة الاكراه، وانتخاب رئيس للجمهورية وفتح الآفاق امام النهوض بالبلد اقتصادياً، واجتماعياً، والذهاب نحو خيار الدولة المدنية، هو ردّ على كلّ هذه العصبيات الدينية والمذهبية المتفجرة. وذلك عن طريق الانحياز الى خيار العدالة والقانون، الذي يجعل من نجاح المحكمة الخاصة بلبنان شرطا ضروريا لتكريس مسار العدالة في لبنان.
ولأن خيار رفيق الحريري كان السلام اللبناني، قال سعد الحريري بشكل صريح ان المعركة سياسية، لا ميليشيا ولا تسلح بل رفض لكل سلاح خارج سلاح الدولة. والحوار مع حزب الله لن يقدم الحلول للمعضلات التي يعاني منها البلد. فقد بدا الحريري، في وصفه لوظيفة هذا الحوار، كأنه يصف وظيفة اطفاء لحرائق في الاحياء الداخلية، او وظيفة اللجنة الامنية التي تسعى الى التخفيف من التواترات الامنية من دون ان يكون لديها طموح لحلول سياسية.
قال بصريح العبارة ان الحوار مصلحة لنا ولحزب الله. فقواعد اللعبة سياسية وسلمية... هذا خيار سعد الحريري. لكن كيف سيخوض تيار المستقبل وقوى 14 اذار هذه المواجهة؟ وكيف تترجم هذه الخريطة الى خطة عمل؟ خصوصا ان البنى التنظيمية تعوزها الدينامية سواء في (فدرالية 14 اذار) او في تيار المستقبل. وهذا الخطاب يمكن ان يكون فرصة لاطلاق دينامية. لكن ما سبق من احداث في السنوات الاخيرة لا يدفع الى كثير من التفاؤل، بل يشير الى ان هذه الاجسام التنظيمية تتحرك بالصدمة، وتعوزها الاستراتيجية والدينامية وخطط العمل.