في ذكرى تغييب مَن يستعصي على الغياب

في ذكرى تغييب مَن يستعصي على الغياب!

في ذكرى تغييب مَن يستعصي على الغياب!

 السعودية اليوم -

في ذكرى تغييب مَن يستعصي على الغياب

طلال سلمان

تستعصي على الغياب يا أبا بهاء... بل لقد اكتسب حضورك، الآن وقد تجردتَ من أسباب السلطة وأبهة الثروة، مسحة إنسانية تعيد إلى الأذهان صورتك الأولى وأنت فتىً تعيش في قلب قهر الفقر وتتصدر التظاهرات، حارساً لقادتها، وهاتفاً بشعارات العروبة واسم جمال عبد الناصر وبائعاً لليمون صيدا في بعض دكاكين بيروت.
أنت الآن الضحية، صاحب الدولة الأكبر من دولة، والأغنى من كل ملوك المال جميعاً... فالشهادة تطهّر أهلها فلا يبقى منهم إلا وجه الضحية وظلامة الاغتيال الذي يمنحك شيئاً من القبس المتوهج.
يفتقدك خصومك، اليوم، قبل أنصارك... فقد اغتيلت معك السياسة، بالمعارضة والموالاة إذ كنت ملك اللعبة في السياسة كما في المال، في الداخل العربي وفي الخارج الفرنسي ـــ الأميركي ـــ البريطاني إلخ..
لقد انتهت اللعبة وسقطنا جميعاً في المستنقع الدموي حتى كدنا نختنق فيه... ومعك كانت للمعارضة شرفها الذي يمنح الحكم الرشاد والحكمة ليكون في خدمة الناس لا مصالح الدول في الخارج والمقربين في الداخل.
يفتقدك الجميع، يا أبا بهاء، خصوماً ومحبين، كصاحب قرار في الصح والغلط، كما في التراجع عن الخطأ بشجاعة الفارس، كما في المحاكمة المتجنية على «السفير»، مع بدايات حكمك.
نستذكرك جميعاً كمترجم خاص بين الموفد الملكي إلى دمشق، حاضنة العمل الوطني، وبين «الرئيس» الذي انحرف بسياسة البلاد إلى حيث لا يجوز، لإعادته إلى رشده قبل ارتكاب الخطيئة المميتة ممثلة في اتفاق 17 أيار مع العدو الإسرائيلي... ونستذكرك أيضاً كـ «مهرّب» لمسودة هذا الاتفاق إلى دمشق، حتى لا تغدر ومعها الحركة الوطنية ومستقبل لبنان.
ونستذكرك قبل جنيف وفيها وأنت مركز الحوار، تديره من خارجه، باللهجة السعودية تارة، بالفرنسية تارة أخرى، وبالإنكليزية متى لزم الأمر، مدركاً أن الأختام في دمشق.
نستذكرك قبل لوزان وفي الثرثرة فوق بحيرة ليمان، تحاول منع الفشل فتساوم حتى لا ينفرط عقد الأخوة ـ الأعداء..
نستذكرك في الطائف، وقد صرت الوفود جميعاً، ومعهم «الوسطاء»، محاوراً، مجادلاً، مساوماً، مسترضياً، مغضباً، مهدداً بسيوف أصحاب السيف ودينار أصحاب الدينار.
ونستذكرك وأنت تحضّر «عدة الشغل» وأبواب الحكم تنفتح أمامك على مصراعيها، فتدخل معززاً ببركة الرئيس ـ الملك والملك ـ الرئيس، وما تيسر من بركات «الأصدقاء» في الخارج بعاصمته الفرنسية.
أما في الحكم فكانت «اللعبة» تجري ضمن أصولها حتى غاب ضابطها، فاتسع المسرح للاعبين كثر، فيهم المحترفون وفيهم الهاوون، وفيهم الطامعون وفيهم المنتفعون، فيهم المحرضون وفيهم الناصحون..
ولقد أنجزت كثيراً بكفاءتك في استيعاب التوازنات، وبتقديرك لشرف المقاومة وقدراتها على تحقيق النصر على العدو الإسرائيلي بتطهير الأرض وتحرير كامل مساحتها بغير اتفاق عار أو مساومة على حقوق الوطن ودماء الشهداء... ونجحت في تثبيت الشراكة المستحيلة مع المقاومة ممثلة بسيدها، وفق نظرية التكامل بين إعادة بناء البلاد المهدمة بالحروب الأهلية وحفظ شرف الشهداء الذين بذلوا دماءهم رخيصة لتحرير الوطن وتسهيل إعادة بناء دولته.
نستذكرك أيها الغائب الأعظم حضوراً من كثير ممن مروا على السلطة فأفسدتهم وأفسدوها...
لقد حققت يا أبا بهاء «معجزات» كثيرة في الحكم، وحققت أكثر منها في «الغياب»، فلم يحدث أن بكى أفقر الفقراء أغنى الأغنياء، أو أن افتقد المعارضون من يكبرون بمعارضته.
في ذكراك العاشرة يا أبا بهاء تتبدى البلاد في عين الخطر، وكل ما حولها من أقطار شقيقة مهددة في وجودها وليس فقط في كياناتها.
لقد هجم حملة الرايات مزوِّرة الدين الحنيف على الأمة فاقدة مركز القيادة فيها، والمضيّعة عن هويتها وعن طريقها إلى مستقبلها، فأعملوا فيها القتل والتهديم وهم يكبّرون... والله أكبر عليهم، لكننا في زمن المحنة، ونكاد نحسدك على أنك غبت قبل هذا الاجتياح الذي يتفوّق على العدو الإسرائيلي في تدمير الأوطان واغتيال مستقبل أهلها.
نفتقدك كثيراً، لكننا نحفظ لك حق الشهيد، بينما يتساقط أبناء الأمة ـ ودولُها ـ ضحايا الخطأ القاتل، بينما القتلة يهتفون: الله أكبر!

arabstoday

GMT 15:09 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

ابنه البكر

GMT 15:08 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

... إنّها حرب تطالبنا بأن ننسى كلّ شيء تقريباً

GMT 15:07 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

المشعوذون القدامى... والجُدد

GMT 15:04 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

الدول العربية «المضروبة»

GMT 15:03 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

حانت لحظة الرحيل

GMT 15:02 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

الأسئلة الصعبة

GMT 15:01 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

من غزو العراق... إلى حرب غزّة

GMT 15:00 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

عن رسالة بوريل ومستقبل أوروبا

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

في ذكرى تغييب مَن يستعصي على الغياب في ذكرى تغييب مَن يستعصي على الغياب



إطلالات متنوعة وراقية للأميرة رجوة في سنغافورة

سنغافورة - السعودية اليوم

GMT 16:48 2024 الثلاثاء ,16 كانون الثاني / يناير

اكتشاف بروتين يحفز إنتاج الدهون الجيدة والتخلص من السمنة

GMT 10:54 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 09:30 2016 الأربعاء ,11 أيار / مايو

لازم يكون عندنا أمل

GMT 05:34 2020 الثلاثاء ,28 إبريل / نيسان

"قبعات التباعد" سمحت بعودة الدراسة في الصين

GMT 11:29 2020 الخميس ,05 آذار/ مارس

أعمال من مجموعة «نجد» تعرض في دبي 9 الجاري

GMT 14:43 2017 الخميس ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح من أجل محاربة الأرق عن طريق الوجبات الخفيفة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
alsaudiatoday alsaudiatoday alsaudiatoday
alsaudiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab