طلال سلمان
يعود إلينا «الاستعمار»، منقذاً هذه المرة، وبالطلب وعلى حسابنا نفطاً وموارد أخرى. فأهل السلطة مستعدون للتضحية بالبلاد جميعاً لاستنقاذ عروشهم التي يحميها طيران المستعمر، بطيارين أو من دونهم، ومهما بلغت الكلفة.
يعود إلينا «الاستعمار» وبالطلب ليحفظ لنا ديننا الحنيف ويحمينا من مشوّهي الإسلام الحق ومحرّفيه الذين بلغت بهم الضلالة حد تنصيب أمير للمؤمنين، بعمامة سوداء، وساعة «رولكس» مذهّبة في يمينه، تجنباً لأي اشتباه لصحيح إسلامه، وتوكيداً لإيمانهم الصحيح وقد اندفعوا ينشرونه عبر الإنترنيت بوسائطها المختلفة «الآي باد والفايسبوك وغوغل»، إلخ..
هي مئة عام تفصل بين الاستعمار القديم، وكان بمجمله بريطانياً ـ فرنسياً مع وعد بالبيع للشريك المضارب الذي دخل المضمار متأخراً وبثياب المبشّر بالغد الأفضل: الأميركي.
وكان ملجأ «العرب» في المرحلة الانتقالية بين الاستعمارين: العثماني الذي خلع «الخليفة» ليبايع «السلطان»، ثم الغربي الذي أوهمهم أنه جاء لتحريرهم، بريطانياً وفرنسياً، العودة إلى عروبتهم التي توحّدهم في الهوية كما في القضية، التحرر وبناء مستقبلهم بإرادتهم.
اليوم، يشترط الاستعمار الجديد على طالبي نجدته ما يطلبه «داعش» تماماً: التبرؤ من عروبتهم والعودة إلى أعراقهم وأصولهم الأولى، دينياً وقومياً.. فهم، أقله في العراق وسوريا، إيزيديون وصابئة وكلدان وأشوريون وتركمان وأكراد وسريان وقبائل ذات أصول عربية لكنها تفترق في إسلامها ففيها السنة والشيعة والعلويون والدروز والإسماعيليون، إلخ..
الخيار واضح ومحدّد: بين «الدواعش» البرية يجتاحون العمران بالسلاح فيقتلون «أهل الردة» و«يتزوجون» بنات الكفار بعد أن يفرضوا عليهن الإسلام، وبين الغرب الأميركي الذي جاء يحمي الدين الحق وأهله من المسلمين، بطائراته المن دون طيارين، وصواريخه بعيدة المدى التي تميّز بين الكفرة والمؤمنين الحق، فتقتل «الدواعش» فقط، وتعلي راية الدين الحق في بلاد الشام.
هكذا تسقط العروبة ضحية أطراف الصراع جميعاً: فلا من يطلب النجدة يتمسّك بها هوية جامعة لمكوّنات شعبه الواحد، ولا صاحب النخوة المبادر إلى النجدة «يعترف» بهذه «البدعة» التي اخترعها مسيحيو المشرق، ذات يوم، كانتماء قومي أصيل يوحّدهم مع إخوتهم المسلمين، ولهم الأنساب ذاتها وقد توزعت فروعها على الدينيْن السماوييْن معاً.
فإذا ما سقطت العروبة توزع «الأهالي» في هذا المشرق أيدي سبأ، وانحصر الخيار بين «الخليفة» الذي يعتمد الإبادة وسيلة لتبشير المسلمين بالإسلام، وبين «أهل الكفر» من أميركيين وفرنسيين وبريطانيين وأستراليين، إلخ.. الذين يجيئون لتحرير المسلمين من عروبتهم، فإذا هم مزق طوائف ومذاهب مقتتلة إلى يوم الدين لا ينقذهم منها إلا الطائرات من دون طيار التي تصب حممها على الجميع، ومن غير تمييز بين دين وآخر أو طائفة وأخرى.
... وها إن اللبنانيين وقد كانوا دائماً طليعة عربية، فكراً واستشرافاً للغد يدفعون من دماء أبنائهم المنتسبين إلى الجيش والمدافعين عن أمن وطنهم ووحدتهم مسلمين ومسيحيين، فيتوحدون داخل هويتهم الوطنية ويواجهون وحوش التعصب القادمين من الجاهلية وقد أخفوا وجوههم وتلفّعوا بالسواد ورفعوا رايات الإسلام المزوّر.
لقد أعاد «الجاهليون» من حملة الشعار الإسلامي، زوراً، كما محاولات الإنقاذ بالضربات الجوية، أميركية وفرنسية، تأكيد الحقيقة التي لا مجال لتمويهها: إن أهل هذه الأرض بهوية واحدة موحدة، لا تفرّقهم محاولات لتزوير الدين يقترفها من يحمل الشعار الإسلامي، ولا عمليات الإنقاذ بسلاح جو «الكفرة» من أميركيين وفرنسيين وغربيين آخرين فيهم الكاثوليك والأرثوذكس والبروتستانت.
وبتأكيد وحدتنا نهزم دعاة التطرف من جاهليي القرن الحادي والعشرين.
وبهذه الوحدة نحفظ الوطن لجميع أبنائه، وقد اتسع لهم دائماً بأديانهم جميعاً التي لم تكن يوماً سبباً لفرقتهم، مهما تزايد عدد تجار الطائفية ومستثمريها.
وكذلك يحفظ العراقيون عراقهم والسوريون سورياهم إلى آخر حدود الوطن العربي.