الإرهاب واحد من باريس إلى جبل محسن

الإرهاب واحد من باريس إلى جبل محسن

الإرهاب واحد من باريس إلى جبل محسن

 السعودية اليوم -

الإرهاب واحد من باريس إلى جبل محسن

طلال سلمان

يجمعنا الجرح مع فرنسا.. فمن جبل محسن في طرابلس (فضلاً عن مختلف أنحاء بلاد الشام) إلى مكاتب مجلة «شارلي إيبدو» في شارع نيكولا ابير في الدائرة الحادية عشرة من قلب باريس، تسيل دماء ضحايا الإرهاب وقد توحد فيها المبدعون فكراً ورسماً مع الفقراء جيلاً بعد جيل وليس لهم إلا عرق الجبين مصدراً للرزق، والذين يعيشون ويموتون على هامش الحياة وبلا أسماء تقريباً.
الإرهاب هو الإرهاب، وهو عارض طارئ في فرنسا وعليها يمكنها أن تكافحه حتى القضاء عليه، ولو بعد حين، مهما استخدم من ذرائع ومبررات ووسائل الإجرام.. فهو «وافد» عليها من خارجها، ولو نجح في تجنيد بعض من يقيم فيها... أما عندنا فإن التنظيمات الإرهابية، مثل «داعش» و «النصرة»، تسكن بين بيوتنا ويحمل القتلة بشعار «الجهاد» أسماءنا ولهم لون بشرتنا، والأخطر أنهم ينكرون علينا ديننا ويحاكموننا بما يحرفون أو يبتدعون من التعاليم والأوامر والنواهي باسمه، ويخادعون أنفسهم بالادّعاء أن دماءنا هي طريقهم المختصرة إلى الجنة!
لقد حوّل الإرهاب باريس إلى عاصمة للكون: جاءها الرؤساء والقادة (بمن فيهم غلاة العنصرية وسفاحو الشعوب بمثال رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو..) متضامنين ومشوا في شوارعها نحو «ساحة الجمهورية» ليلاقوا المليون ونصف المليون من الفرنسيين والمقيمين في «عاصمة النور»، في مشهد أسطوري غير مسبوق لتحدي الإرهاب باسم الحضارة والتقدم الإنساني وحرية الفكر والرأي والمعتقد... وكان العرب خصوصاً والمسلمون عموماً في موقع المتهم بل المدان سلفاً بارتكاب الجرائم ضد الإنسانية... وكان وجود «السلطة الفلسطينية» شاحباً ولم يستطع «رئيسها» استحضار قضيته كأخطر نموذج إنساني لمفاعيل التمييز العنصري الذي استهدف شعباً عظيماً بتاريخه وأرضه المقدسة فاحتلها بالقوة المعززة بالتأييد الدولي الواسع، وما زال حتى اليوم ينكر عليه حقه في إقامة دولته ولو على بعض البعض من أرضه التي كانت أرضه على مرّ التاريخ... بل إن رمز أعتى دولة تمييز عنصري في العالم قد مشى في موكب استنكار الإرهاب وإدانته وهو بحزبه ودولته النموذج الصارخ للإرهاب بالعنصرية المغطاة بالتأييد الدولي!
لقد برّأ الإرهابيون الذين يغطون جرائمهم بالشعار الإسلامي، فرنسا (ومعها بريطانيا وألمانيا وإيطاليا وهولندا وبلجيكا) من ارتكاباتها الفظيعة خلال الدهر الاستعماري وسحقها حقوق الإنسان، بل الإنسان ذاته، في مستعمراتها... وكان «العرب» خاصة، في مشرقهم كما في مغربهم بالعنوان الجزائري، ومعهم المسلمون عامة، في موقع المتهم بل المدان سلفاً بارتكاب الجرائم ضد الإنسانية، بينما هم بمئات الملايين منهم ضحاياه الدائمين، بداية من عصر الاستعمار الغربي، وفرنسا ضمنه، ومن ثم لأنظمة الطغيان في بلادهم التي طالما جمعتها المصالح مع هؤلاء القادة الذين هرعوا إلى باريس مستنكرين، ومشوا في التظاهرة الأممية التاريخية ضد عصابات القتل الجماعي من المتطرفين الذين أعماهم التعصب فقتلوا العمران في بلادهم، واغتالوا أهلهم جماعياً، بالنساء والأطفال والشيوخ، وألحقوا التشويه الفظيع بالدين الحنيف ودمروا الرصيد النضالي لشعوبهم من أجل الاستقلال والحرية واستعادة كرامتهم الإنسانية.
ومن حق «داعش» و «النصرة» أن يطالبوا نتنياهو، أقله، بتوجيه الشكر إليهم على تحويله إلى «مناهض للتمييز العنصري» و «مناضل من أجل كرامة الإنسان وحقه في التعبير عن رأيه»، وهو السفاح بامتياز، وموقعه الفعلي إلى جانب قيادات «القاعدة» ومتفرعاتها، بل هو أعظم شأناً بتراث أسلافه من السفاحين في اغتيال فلسطين بأرضها وحقوق شعبها فيها.. وآخر إنجازاته الحرب على غزة، ودماء ضحاياها لم تجف بعد.
إن إدانة الإرهابيين الذين اقتحموا مكاتب مجلة «شارلي إيبدو» فقتلوا المبدعين من رساميها والكتاب فيها، هي أقل ما يمكن أن يقدمه ضحايا هؤلاء الإرهابيين في مختلف البلاد العربية، مشرقاً ومغرباً... خصوصاً وهم قد دفعوا وما زالوا يدفعون من حياتهم بل ومن حاضر بلادهم ومستقبلها ضريبة باهظة قد تذهب بأوطانهم ودولها جميعاً... والإرهابيون، أو بعضهم ـ على الأقل ـ قد جاء من دول يحكمها بعض القادة الذين شاركوا بالأمس في تظاهرة باريس، وتسهل «أجهزتها الأمنية» تحركاتهم وتعرف وجهة سفرهم، وبالتالي «أهدافهم» المحتملة من أبناء هذه الأرض العربية.
لقد اعترف بعض المسؤولين في الغرب بتورط دولهم في رعاية الإرهاب وتسهيل حركة الإرهابيين، مفترضين أن أذاهم سيقتصر على دول بعيدة وعلى شعوب سمراء... وها هم يكتشفون أن الإرهاب ليس سلعة للتصدير، وأن للإرهابيين برنامجاً محدداً لا يميزون فيه بين ضحاياهم على قاعدة عرقية أو دينية.
والحمد لله أن المذبحة في جبل محسن، التي خطط لها بعض قادة الإرهاب باسم الدين الحنيف قد ارتدت على القتلة ففضحتهم، مرة أخرى، وبدماء الأبرياء وأشلائهم، وأعادت إلى طرابلس روحها الأبية وبرأتها من شبهة التعصب، وهي التي كانت دائماً وستبقى قلعة وطنية تنبذ التعصب، وتحتضن أبناءها، وهي «أم الفقير».
مع التمني أن يدرك اللبنانيون أهمية وحدتهم واجتماع كلمتهم على حاضرهم ومستقبلهم، وأمامهم ما أصاب سوريا والعراق، وما يصيب أقطاراً عربية أخرى، من جرائم جماعية لعصابات تزوّر الدين وتحرِّف أصوله وتعاليمه فلا ترحم طفلاً أو صبية أو شيخاً أو عاجزاً، وتقيم من نفسها ديَّاناً على المسلمين ومرجعية هداية وعقاباً لغير المسلمين، طلباً للسلطة باسم الدين الحنيف ولو على جبل من الجماجم.
وعسانا نشهد وقفة استنكار بل إدانة جماعية للإرهاب والإرهابيين كائنة ما كانت أسماء تنظيماتهم التكفيرية كالتي شهدتها باريس يوم الأحد الواقع فيه الثاني عشر من شهر كانون الثاني 2015.

arabstoday

GMT 15:09 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

ابنه البكر

GMT 15:08 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

... إنّها حرب تطالبنا بأن ننسى كلّ شيء تقريباً

GMT 15:07 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

المشعوذون القدامى... والجُدد

GMT 15:04 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

الدول العربية «المضروبة»

GMT 15:03 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

حانت لحظة الرحيل

GMT 15:02 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

الأسئلة الصعبة

GMT 15:01 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

من غزو العراق... إلى حرب غزّة

GMT 15:00 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

عن رسالة بوريل ومستقبل أوروبا

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الإرهاب واحد من باريس إلى جبل محسن الإرهاب واحد من باريس إلى جبل محسن



إطلالات متنوعة وراقية للأميرة رجوة في سنغافورة

سنغافورة - السعودية اليوم

GMT 16:48 2024 الثلاثاء ,16 كانون الثاني / يناير

اكتشاف بروتين يحفز إنتاج الدهون الجيدة والتخلص من السمنة

GMT 10:54 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 09:30 2016 الأربعاء ,11 أيار / مايو

لازم يكون عندنا أمل

GMT 05:34 2020 الثلاثاء ,28 إبريل / نيسان

"قبعات التباعد" سمحت بعودة الدراسة في الصين

GMT 11:29 2020 الخميس ,05 آذار/ مارس

أعمال من مجموعة «نجد» تعرض في دبي 9 الجاري

GMT 14:43 2017 الخميس ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح من أجل محاربة الأرق عن طريق الوجبات الخفيفة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
alsaudiatoday alsaudiatoday alsaudiatoday
alsaudiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab