الفراغ  كضمانة لاستمرار الدولة

الفراغ ... كضمانة لاستمرار الدولة!

الفراغ ... كضمانة لاستمرار الدولة!

 السعودية اليوم -

الفراغ  كضمانة لاستمرار الدولة

طلال سلمان

اعتاد اللبنانيون أن يعيشوا بلا حكومة، وفي أفياء دولة متصدعة، وأحياناً في «الوقت الميت» بين حكومة مستقيلة لا تستقيل ومشروع حكومة برئيس مكلّف يعجزه الخلل في التوازنات في الداخل والضغوط من الخارج عن تشكيلها. بل أن اللبنانيين قد عاشوا، ولفترات طويلة بلا دولة كالتي لدى الشعوب الأخرى، أي دولة برئيس للجمهورية ومجلس نيابي وحكومة ومعارضة أو معارضات، وإدارة فاعلة تهتم بتنفيذ القرارات التي يفترض أن تلبي احتياجات المواطنين، ولو بالحد الأدنى.. وها هم اللبنانيون الآن يستعيدون تقاليد العيش بلا دولة، اللهم إلا المديرية العامة للأمن العام حيث تصدر جوازات السفر لليائسين من وطنهم الهاربين إلى أي مكان يقبلهم إذا هم وصلوا إليه فعلاً ولم تبتلعهم لجة الأمواج في المحيط. كما جرى للعديد من فقراء طرابلس وبلدات عكار، وقد كانوا من قبل يستطيعون العيش بكرامة ثم استحال العيش بعدما اغتال الفقر والإهمال واليأس من الدولة الرغيف والكرامة معاً. ... وتعيش سوريا خارج دولتها التي كانت أقوى على شعبها مما يحتمل، وحين أظهر اعتراضه لم تستطع استيعاب تحركه الغاضب خصوصاً أنها افترضت أنه يُسقط هيبتها، فكان أن اقتحمت سورها الذي كان منيعاً بوطنية أهلها طوابيرُ الآتين من الماضي أو من البعيد: عشائر وقبائل وفصائل تتوالد على مدار الساعة، وقد انتظمت فيها طوابير من الشيشان والتتار والبلوش والمغول والانكشارية والسلاجقة فأزاحوا أبناءها المتطلعين إلى غد أفضل في وطنهم الذي كان شعبه رائداً في تاريخ الثورات وقائداً في حروب التحرير، واندفعوا يشدّون سوريا إلى الخلف.. إلى الجاهلية. ... وها هي ذكرى حرب تشرين التحريرية، كما يسميها السوريون، و«العبور» كما يسميها المصريون، و«الغفران» كما يسميها العدو الإسرائيلي، تعبر بلاد الشام فلا ينتبه إليها أحد، لأن الحروب في الداخل وعليه تأخذهم بعيداً عن مناخات ذلك القرار التاريخي في شجاعته بالانتقال من الموقع الدفاعي إلى الهجوم تحت راية تحرير الأرض المحتلة، بالشراكة مع مصر وجيشها أساساً، ووسط التفاف عربي شامل تجاوز الجماهير إلى مواقع القرار، جمهورية وملكية وأميرية... وهو ما كلّف الملك فيصل بن عبد العزيز حياته وليس عرشه فحسب، إذ تمّ «توظيف» شاب مختل من الأسرة المالكة لاغتياله في قصره، تأديباً له ولكل من يفكر بالنفط سلاحاً في معركة التحرر والتحرير، أو حتى في مواجهة العدو الإسرائيلي في المقبل من الأيام. وفي حرب تشرين، لمن نسي أو تناسى، أمر رئيس الجمهورية آنذاك الراحل سليمان فرنجية بفتح الحدود وتوريد كل ما تحتاجه سوريا مما هو متوفر في لبنان أو يمكن توفيره لها عبره، في قرار يؤكد الأخوة ووحدة المصير. ... ويعيش العراقيون جميعاً في دولة مهيضة الجناح، ممزقة الأوصال، منهكة القوى، خزينتها منهوبة وإدارتها مشلولة، وكل ذلك من نتائج الحرب الأميركية ثم إدارة بريمر الشهير بالتخريب ونهب الآثار والمتاحف ودار الكتب... وهي حرب لما تنتهِ تداعياتها لا على الكيان السياسي الذي يفتقد وحدته، ولا على المجتمع الممزق بالفتنة طائفية ومذهبية.. وأما مصر التي احتفلت وحدها، وبعيداً عن سوريا وسائر الأشقاء الذين ساندوها في الحرب لاستعادة أرضها وقرارها، والذي مُنع بالأمر الأميركي من الاكتمال، فقد أخرجها أنور السادات من موقعها في قيادة النضال العربي من أجل المستقبل الأفضل... والأمل الآن في أن تعيدها الثورة الثانية إلى موقعها ودورها الذي لا تعوّضه فيه أي دولة عربية أخرى. [ [ [ بالعودة إلى لبنان الذي يكاد يخسر دولته التي تغرق أكثر فأكثر في دوامة الفراغ في موقع القرار، فقد تبدى وكأنه متروك للريح، إلى أن تقدمت السعودية لتغامر بمحاولة إيجاد حل لمعضلة الحكم فيه، فجانبها الحظ... ربما لأن اللحظة غير مناسبة، وربما لأن الحسابات بعيدة عن الواقع، وربما لأن من كلّف بالأمر اعتبر أنه يخوض حرباً مصيرية فتصرف وكأنه «قائد» له حق الطاعة على الأفرقاء جميعاً، بمن في ذلك من لا يعترف بهم برغم معرفته بقوة تمثيلهم الشعبي... وانتهى الأمر بأن خذلت «الأرض» صاحب الأمر فتخلى عن «العملية» بعدما ورّط فيها بعض الحلفاء والأصدقاء الذين لا يجدون الآن باباً للخروج الآمن من هذا المأزق الدوّار: لا حكومة.. فالمستقيلة بلا صلاحيات، والمكلّف بتشكيل الحكومة الجديدة مجمّد بالأمر الواقع، والمجلس الذي أعطاه ثقته تمهيداً لأن يمدّد لنفسه مشغول عنه، والرئيس يسافر إلى البعيد لعله يرى المشهد القريب بمزيد من الوضوح فيطمئن إلى مستقبله ويعود مبتهجاً. الكل يسأل: ما العمل؟ ثم لا يعمل شيئاً! والكل يبحث عن مخرج ليكتشف أنه أمام باب دوّار كلما دفعه ليخرج من الأزمة أعاده إليها. والكل يكتشف بالتجربة المباشرة أن الخروج على الدولة بالقرار المجزي «أربح» من الدخول إلى هيكلها المفرغ من أي مضمون، تماماً كالخزينة المفرغة من المال الشرعي والمتخمة بسندات الدين التي يكاد ينوء بأثقالها مصرف لبنان! إلى أين من هنا؟! إلى التمديد في الفراغ، أو إلى تمديد الفراغ، على أمل ملء الفراغ بالذين تسبّبوا في الوصول بالبلد إلى الفراغ في مختلف مواقع السلطة، فبتنا نعيش في فراغ دولة يشكل الفراغ ضمانة استمرارها. وكل ما حولنا يشجع على العيش في الفراغ الذي سيرسم فيه مستقبل منطقتنا. ومن ضمنها وطن الأرز الذي كان مقصد من يريدون مكاناً متخماً بالمتعة ليعيشوا أوقات فراغهم في قلب.. العسل! نقلاً عن جريدة "السفير"

arabstoday

GMT 15:09 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

ابنه البكر

GMT 15:08 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

... إنّها حرب تطالبنا بأن ننسى كلّ شيء تقريباً

GMT 15:07 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

المشعوذون القدامى... والجُدد

GMT 15:04 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

الدول العربية «المضروبة»

GMT 15:03 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

حانت لحظة الرحيل

GMT 15:02 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

الأسئلة الصعبة

GMT 15:01 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

من غزو العراق... إلى حرب غزّة

GMT 15:00 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

عن رسالة بوريل ومستقبل أوروبا

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الفراغ  كضمانة لاستمرار الدولة الفراغ  كضمانة لاستمرار الدولة



إطلالات متنوعة وراقية للأميرة رجوة في سنغافورة

سنغافورة - السعودية اليوم

GMT 16:19 2021 الخميس ,07 كانون الثاني / يناير

حظك اليوم برج الأسد الخميس 7 يناير/كانون الثاني 2021

GMT 18:13 2019 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

حمدي فتحي يسجل أول أهداف مصر في شباك بوتسوانا

GMT 11:25 2018 الجمعة ,26 تشرين الأول / أكتوبر

عسيري يؤكد أن الاتحاد قدم مباراة كبيرة امام الهلال

GMT 00:28 2018 الخميس ,05 تموز / يوليو

كروم 67 يدعم تطبيقات الويب المتجاوبة

GMT 15:41 2018 الجمعة ,09 شباط / فبراير

سترة الجلد تناسب جميع الأوقات لإطلالات متنوعة

GMT 14:57 2017 الجمعة ,15 كانون الأول / ديسمبر

كليب Despacito يحقق مليار ونصف مشاهدة على اليوتيوب

GMT 18:27 2017 الثلاثاء ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

العثور على معدات صيد في الدار البيضاء لرجل اختفى عن الأنظار

GMT 21:15 2017 الأربعاء ,04 تشرين الأول / أكتوبر

مباراة الدحيل والريان تحظى بنصيب الأسد من العقوبات

GMT 08:17 2017 الأربعاء ,27 أيلول / سبتمبر

الكويت تجدد سعيها لحل الخلافات العربية مع قطر

GMT 02:26 2017 الجمعة ,14 تموز / يوليو

نادي نابولي الإيطالي يكشف عن بديل بيبي رينا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
alsaudiatoday alsaudiatoday alsaudiatoday
alsaudiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab