بقلم ـ طلال سلمان
تفرق العرب أيدى سبأ، بل إنهم يتواجهون الآن فى ميادين الخصومة حتى الحرب:
السعودية ومن معها فى حرب مع الإمارة المن غاز، قطر، وهى أيضا فى خصومة مع سوريا، وبالكاد باشرت انفتاحها على العراق..
العلاقات بين مصر والسودان متوترة، والخلاف على الحدود بين الدولتين اللتين كانتا تحت حكم عرش واحد:« ملك مصر والسودان» ينذر بالتفاقم.
ليبيا قد اندثرت كدولة واقتطعت بعض القوى الدولية مناطق نفوذ فيها، قواها السياسية الوليدة لا تتلاقى ولا تتفق على مستقبل هذه البلاد شاسعة المساحة والغنية بثروتها النفطية.
الجزائر عزلت نفسها تحت قيادة رئيسها الميت ــ الحى عبدالعزيز بوتفليقة الذى ما زال قادرا على عزل رئيس الوزراء واستبداله بآخر كل ثلاثة أشهر، بينما هذه البلاد الغنية تواجه مخاطر تفجر الخلافات بين ورثته من الاقرباء والخصوم.
أما المغرب فقد حوله الملك الحالى محمد السادس إلى مصيف لأهل النفط من الملوك والامراء وشيوخ النفط العرب.. وارتاح!
فأما العراق فقد خاض حربه المفتوحة ضد «داعش» الذى كان تنظيمه الإرهابى يحتل أكثر من نصف مساحته الشاسعة بعنوان الموصل، من دون أن يجد نصيرا عربيا، فتقدمت الولايات المتحدة الامريكية والجمهورية الإسلامية فى إيران إلى نجدته.. بالثمن!
وها هم الأكراد بقيادة «مسعود البارزانى» يندفعون بإصرار عنيد نحو الانفصال عن دولتهم العراقية لينشئوا كيانهم السياسى الخاص متجاهلين «نصائح» الدول جميعا، لا سيما من تملك تعطيل هذا المشروع، تركيا وايران، فضلا عن العراق نفسه الذى كان أعطاهم ــ مع الحكم الذاتى ــ المشاركة الفعالة فى حكومة بغداد وبحقائب أساسية فيها، بينها وزارة الخارجية ثم وزارة المالية.. إلخ.
ــ2 ــ
فأما سوريا فقد تُركت وحدها تواجه أشتات المعارضة، وبينها «داعش» و«القاعدة» وما تفرع عنهما من منظمات إرهابية حجبت «المعارضة المدنية» بشعاراتها السياسية وحولت الصراع السياسى إلى حرب أهلية جاءت «بالدول الصديقة» إليها، إيران فى البدايات ثم الروس بطيرانهم وخبرائهم العسكريين وأسطولهم البحرى و«لجان المصالحة» التى ساعدت على الفصل بين الأكثر تطرفا والمعارضة السياسية تمهيدا لحل سياسى يحفظ وحدة سوريا ونظامها ولو بإصلاحات جدية على هيكليته وموقع حزب البعث (ومن ضمنه الجيش) فيه.
وأما لبنان المشغول بنفسه وبالصراعات السياسية على المواقع والمغانم فى دولته التى تعانى من أزمة اقتصادية حادة، فقد عطلت الخلافات بين قوى الائتلاف الاضطرارى فى الحكم دوره كوسيط عربى مقبول، أو أقله «كمهدئ»..
وأما فلسطين التى انشغل الجميع عن قضيتها المقدسة وعن العذاب الذى يبلغ حد القتل اليومى والاعتقالات الجماعية، فمتروكة للريح وللخلافات والحساسيات التنظيمية والأحقاد وكل ما يستولده العجز من أسباب الفرقة.
يجىء الرئيس الامريكى «دونالد ترامب» إلى زيارة رئيس سلطتها العاجزة التى ليس لها من السلطة إلا حرس الشرف الرئاسى، ويذهب إلى حائط المبكى فى سابقة خطرة وسط صمت عربى مريب.
أما فلسطين هذه فمهددة بانقسامات جديدة، إذ ثمة من يسعى لفصل غزة عن الضفة، المفصولة أصلا عن فلسطين 1948.. ويكثر الكلام عن مشاريع المنشق محمد دحلان، ويوجه البعض الاتهامات إلى مصر بأنها تدعم مشروعه الانفصالى، أو أقله لا تمانع فى إتمامه.
بالمقابل لا يتعب شبانها وصباياها والكهول من التظاهر احتجاجا على مدار الساعة، وقد يسقط فى صفوفهم الشهداء فيحملون الجثامين ويكملون المسيرة نحو الأقصى الذى باتت صلاتهم فيه محرمة عليهم.
ويبقى أن نستذكر اليمن التى يكاد شعبها يُباد بالكوليرا إضافة إلى «حرب الأشقاء» التى تكاد تدمر معالم العمران فيها. ولا نجد بعد ثلاث سنوات من القتل وسيطا عربيا يحاول وقف المذبحة.
إن المنطقة العربية تعيش خارج السياسة: بعض دولها غارقة فى أحقاد حكامها وخلافاتهم على مواقع النفوذ والمراتب الملكية والإماراتية والجمهورية، فى حين تكاد قضايا شعوبهم ومطالب الحرية والاستقلال والتقدم تتساقط صرعى برصاص جيوشهم أو «الجيوش الصديقة» أو «العصابات الإرهابية» التى ملأت الأرض بمقاتليها الملثمين كأنما أنبتتهم صحراء الإهمال والسلطة التى تلغى شعبها.
ــ3ــ
إن العرب يقاتلون العرب: فى اليمن كما فى سوريا، وفى الجزيرة والخليج، وفى دول شمالى أفريقيا.. فمن أين يجيء الغد العربي؟
تحولت جامعة الدول العربية إلى مأوى عجزة، وتبخرت مشاريع الوحدة والاتحاد، وتحولت القمة العربية إلى ميدان تنافس على الزعامة بين أصحاب الجدارة التاريخية والسياسية وبين أصحاب الثروات التى يرفع بها النفط أو الغاز من يشاء ويذل من يشاء.
لم يعد بين الدول من روابط جدية إلا المنسى والمتروك للريح من موروثات الماضى.
صارت واشنطن هى المرجع للعرب فى مختلف شئونهم من الحرب إلى التجارة وسائر المصالح إلى تسليح جيوشهم وقواهم الأمنية، بل إن واشنطن تقرر أسعار عملاتهم بالقياس إلى دولارها، كما أنها مقصد طلابهم الباحثين عن مستقبل أفضل. بل إنها مقصد الناس العاديين للحصول على جنسيتها المذهبة والقادرة على فتح الأبواب العربية، أساسا، ومن ثم الأجنبية لطالبى العمل بشهاداتهم التى لا تفتح لهم طريق المستقبل فى بلادهم.
اندثرت الروابط الطبيعية بين الدول العربية، أو هى فى طريق الاندثار يستوى فى ذلك تبادل الخبرات (الأساتذة والمهندسون والأطباء والطلاب) أو العلاقات الاقتصادية والتبادل التجارى، وقامت السدود والحواجز بين الدول الشقيقة والجارة.. وصارت زيارة أى مسئول لبنانى ــ مثلا ــ إلى سوريا مصدر أزمة سياسية داخلية، أما فتح الحدود المقفلة بين السعودية والعراق فخبر يحتل الصدارة فى الإذاعات والصحف، فكيف بخبر السماح للحجاج القطريين بالقدوم إلى مكة لأداء فريضة الحج.
أخطر ما فى هذا الواقع المرير أن أحدا لم يعد معنيا بعلاجه.
كأن الخلافات هى الأساس فى العلاقات بين الدول العربية، إن لم تكن القطيعة إلى حد الحرب.. بل أن نذر الحرب قد رفت على الجزيرة والخليج مع تفجر الأزمة (مجهولة الأسباب حتى الساعة بين مملكة الذهب الأسود والامارة المن غاز..).
من هى المرجعية العربية الآن القادرة على إعادة لم شمل من تفرق؟
لقد انقسم العرب إلى معسكرات، معظمها فى الحضن الأمريكى، لكنها متقاطعة، أو حتى متخاصمة ومتباعدة إلى حافة العداء.
ــ4ــ
كل ذلك والشعوب بعيدة، بل مستبعدة، عليها أن تسمع فتطيع، وليس من الضرورى أن تفهم..
ولقد بات العدو الاسرائيلى أقرب إلى بعض الدول العربية بالمصالح، من بعضها الآخر.. فالنفط والغاز قد يجمعان ما فرقه التاريخ والجغرافيا.
إن قيمة العرب، سياسيا، تكاد تندثر بسبب خلافاتهم التى لا تنتهى.
وتأثيرهم، بنفطهم والغاز والموقع الاستراتيجى الحاكم، يكاد يضمحل بعدما تبعثروا وتخاصموا وحلت النكايات والعداوة محل الأخوة والمصالح المشتركة.
فأى موقع سيتبقى للعرب فى التاريخ الراهن؟