في وداع عمر كرامي

في وداع عمر كرامي

في وداع عمر كرامي

 السعودية اليوم -

في وداع عمر كرامي

طلال سلمان

شيّعت طرابلس، أمس، وعبر موكب وداع عمر كرامي، بعض تاريخها، وبعض دورها الوطني ـ القومي الريادي، وبعض آمال أهلها في «الدولة» التي اختاروها لتكون دولتهم، هم أبناء «طرابلس الشام».

ولعلها كانت تودع مع عمر عبد الحميد كرامي، الذي جاء محمولاً على دماء أخيه الشهيد رشيد عبد الحميد كرامي، عصراً كاملاً أكثر مما كانت تودع ابن دار زعامة شعبية كانت بين عناوين النضال الوطني والقومي، قبل النيابات والرئاسات وبعدها.

إنه زمن آخر: لا طرابلس هي «الفيحاء» التي كانت، بل هي مدينة مجرحة القلب والأحشاء، مغيبة الدور، تفتقد أهلها الذين اصطنعوا السبق إلى «العصر»، متروكة للإهمال المقصود والإفقار المتعمد، معطلة اقتصادياً وهي المحطة الواصلة بين بلاد الشام وأوروبا، تمزقها صراعات قبائل التعصب والجاهلية، هي التي كانت منارة الإشعاع والتقدم، حاضنة الشمال جميعاً وحضنه الدافئ بالمدارس، أهلية ورسمية وبعثات أجنبية، والأسواق التي تحوي كل شيء قد يحتاجه الناس في المأكل والعمارة والصناعة والزراعة والتجارة، إلخ..

لا طرابلس، اليوم، هي «أم الفقير» بل هي «الفقير» شخصياً، مهملة بالقرار الرسمي، مفقرة بعصابات التهجير وأدعياء الغيرة على الدين الحنيف (وهم بعض علته).. معطلة اقتصادياً، ملغاة الدور سياسياً حتى وربع الحكومة منها، وقد خسرت بل ثمة من تسبّب بخسارتها موقعها كحاضنة للشمال جميعاً من أقصى عكار إلى أدنى بلاد البترون، ومن القرنة السوداء حاضنة بشري وإهدن حتى أدنى الكورة، ومن جرود الضنية بسير الضنية وبخعون حتى الساحل بين المنية والميناء الذي تكثر المشاريع لتعميق الغاطس فيه ولا يؤتى بالسفن الكبيرة إليه..

لا طرابلس هي طرابلس الصناعة والتجارة، وقد كانت رائدة فيهما، ولا هي المسرح والسينما (أول مسرح فيها بُني في الثلاثينيات من القرن الماضي)، ولا هي دار الكتب التي كانتها بمكتباتها التي تستحضر لك التاريخ القديم والحديث، بالصليبيين وإجلائهم بالحرب التي جاءت بهم، والمماليك، والمساجد كدور للعلم وليس للصلاة فحسب، ثم مدارس الإرساليات الأجنبية، إيطالية وفرنسية، وراهبات ورهباناً في كنائس تؤكد فيها الهوية الجامعة..

لا طرابلس هي، كابراً عن كابر، المفتي عبد الحميد ابن المفتي رشيد كرامي، الذي خلع العمامة ليقاتل من أجل الاستقلال فكان النائب الوحيد الذي سجنه المستعمر الفرنسي مع رئيس دولة الاستقلال الشيخ بشارة الخوري وبعض حكومته وفيهم عادل عسيران وكميل شمعون...

أما اليوم فيكاد «يحتل» مشهد طرابلس تلك العصبة من الجهلاء والخارجين على القانون الذين ينصبهم «أئمة التعصب» و «خلفاء الجهل والتجهيل» لسوق الناس باسم الدين بعيداً عن المجتمع وعن الدولة إلى جاهلية الاقتتال بالشعار الديني.

ولا طرابلس هي طرابلس الرئيس الشهيد رشيد عبد الحميد كرامي التي يحاول قتلته محاصرتها بأهلها في الشمال وفصلهم عنها ومحاولة الاستغناء عنها بذريعة افتقادها الأمن... هل أفظع من أن تتحول ميليشيات القتلة، بقادتها الذين جاءهم اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري بنعمة العفو من غير استحقاق، والأخطر: من دون إعلان الندم والتوبة وطلب الغفران؟!

ولقد اجتهد عمر كرامي وضحّى من أجل «الوحدة الوطنية» ومن أجل استقرار لبنان، ومن أجل إطفاء الفتنة، فتنازل عن بعض حقوق الوطن وحقوقه الشخصية والعائلية، فضاعت تضحياته مع دماء أخيه الرئيس الشهيد رشيد كرامي.. وهو من عاش في ظله، قبل أن «يتحرر» من إرث شقيقه الزعيم، ووالده الذي خلع جبة المفتي ليتصدر العمل الوطني، ويباشر تقديم نفسه معتزاً بموروثه الغني والحافل، بإرادة أن يكون هو نفسه وليس مجرد امتداد لدار الزعامة... وهكذا استنفر عداوة الطامعين جميعاً، فحاصروه، حتى خرج من دائرة العمل السياسي الذي دخله محرجاً ومضطراً...

مع انطفاء عمر كرامي تنتهي حقبة كاملة من عصر الزعامات الشعبية التي يصل أفرادها إلى سدة السلطة بقوة حضورهم الشعبي الذي أسس له «الآباء» ثم تولاه «الأبناء» برصيد «البيت المفتوح» و «الجدارة» التي تصنع «الزعامة».. ولا مال!

رحم الله هذا الراحل الكبير الذي قاوم الغلط، وقاوم سلاح الفتنة قاتل الأطفال بل المدينة الفيحاء جميعاً ومعها الحضارة والدين الحنيف.

مع التمني أن تستعيد طرابلس روحها ودورها، لتعود السياسة هي خدمة الوطن وشعبه، والدولة هي دولة اللبنانيين جميعاً... والأخطر أن يعود الشعب إلى نفسه وإلى دوره.

ويا «أبا خالد»... تحياتنا معك إلى من لم يتح لنا أن نناديه «يا أبا عبد الحميد» الرئيس الشهيد رشيد كرامي، كما لم يتح لنا أن نودعه بما يليق به وبطرابلس وبلبنان الوطن البلا دولة.

arabstoday

GMT 15:09 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

ابنه البكر

GMT 15:08 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

... إنّها حرب تطالبنا بأن ننسى كلّ شيء تقريباً

GMT 15:07 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

المشعوذون القدامى... والجُدد

GMT 15:04 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

الدول العربية «المضروبة»

GMT 15:03 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

حانت لحظة الرحيل

GMT 15:02 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

الأسئلة الصعبة

GMT 15:01 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

من غزو العراق... إلى حرب غزّة

GMT 15:00 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

عن رسالة بوريل ومستقبل أوروبا

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

في وداع عمر كرامي في وداع عمر كرامي



إطلالات متنوعة وراقية للأميرة رجوة في سنغافورة

سنغافورة - السعودية اليوم

GMT 01:25 2017 الأربعاء ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

رائد محسن يكشف كيفية تربية الأطفال بالطرق الصحيحة

GMT 17:06 2018 الإثنين ,03 أيلول / سبتمبر

جرائم الكيان المعنوي للحاسب الآلي

GMT 12:53 2017 الأحد ,29 تشرين الأول / أكتوبر

مدرب النصر يمنح حسام غالي الفرصة الأخيرة لتحسين الأداء

GMT 04:43 2017 الجمعة ,20 تشرين الأول / أكتوبر

مجموعة ساحرة من خواتم الأصبعين الثنائية من

GMT 11:18 2021 السبت ,30 كانون الثاني / يناير

أغلى السيارات التي طرحت عبر تاريخ الصناعة

GMT 14:22 2020 الجمعة ,25 أيلول / سبتمبر

وفاة شقيق الفنان محمود حميدة

GMT 22:52 2020 السبت ,02 أيار / مايو

أبرز 6 شخصيات عربية على موقع "يوتيوب"

GMT 08:20 2019 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

!الوهم الأبیض
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
alsaudiatoday alsaudiatoday alsaudiatoday
alsaudiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab