احذروا العربي القلق احذروا العربي المُقلق

احذروا العربي القلق... احذروا العربي المُقلق

احذروا العربي القلق... احذروا العربي المُقلق

 السعودية اليوم -

احذروا العربي القلق احذروا العربي المُقلق

غسان شربل
بقلم: غسان شربل

يجلسُ مدير المخابرات حائراً في مكتبه. واجبه يقضي بأن يُطلعَ الرئيس على الوضع في البلاد. وأن يقترح أفكاراً للخروج من المأزق. لن يستخدم كلمة المأزق في تقريره. يستحسن تفادي الكلمة التي تزعج الحاكم وتوحي له أن الأبواب موصدة ولا يمكن فتحها إلا بتنازلات جدية. وصاحب القرار لا يحب كلمة التنازل. لديه شعورٌ عميق أن الشعب طمَّاع؛ كلما قدمت له تنازلاً طالب بالمزيد.
يفكر السيد المدير ملياً. كانت الأمور أسهل في عهد أسلافه. كانت خريطة الجمهورية بأكملها ممسوكة جيداً. كانت الرواية الرسمية وحدها تحتلُّ الصحف والشاشات التي لم تكن تحتاج إلى من يذكّرها بالخطوط الحمر. وكان الجهاز يعرف ليلاً العناوين التي ستطلُّ بها الصحف صباحاً. هذا إذا لم يكن أسهم في تدبيجها. ولم يكن وارداً نشر ما يهدد النظام العام أو يشكك في صدقية الحكم. الأرقام الاقتصادية كان يجري تطويعها للإيحاء أن العجلة تدور. وأن الحكم ساهر. ويستشعر المشكلات قبل وقوعها ويعدّ لها العقاقير اللازمة.
كان الأمن مستتباً. وحين تبلغ الوقاحة بحفنة متهورة حدَّ الاعتراض علناً كانت العلاجات جاهزة ومتاحة. يستدعى الشخص إلى المقر فيدخله قلقاً أو شبه مستسلم. يتهم بالعمل لأهداف مشبوهة. وإن عاند يتهم بالعمل لمصلحة العدو بقصد أو من دون أن يدري. وسرعان ما يفهم الرجل الذي استقدم بحجة محاورته أن سلامته وسلامة خبزه وعائلته في الميزان فيقرر عدم المجازفة. وإذا كان من الرؤوس الحامية يخضع لعملية تأديب قد تكلفه بعض أظافره وأسنانه. سيخرج الرجل مكسوراً. لا الصحف ستشير إلى ما تعرض له، ثم إن التلفزيون الرسمي مشغول بقضايا أهم.
يفتح مدير المخابرات يديه. هذا العالم انتهى. إذا استدعى الجهاز مراهقاً وعاجله بصفعتين تهبُّ الصحف والشاشات والمواقع. تعليقات وتغريدات. تنهال التعليقات من منظمات حقوق الإنسان وتتلطخ سمعة الدولة. تنتشر على وسائل التواصل الاجتماعي دعوات لمظاهرات أو احتجاجات ويغلي الشارع.
ثمة مجرم خطر دخل المعادلة بلا استئذان. يسمونه الهاتف الذكي. قلَّص سلطة الأهالي على أبنائهم. وقلَّص سلطة الدولة على أبنائها. أصعب مواطن في الجمهورية. يسجل ويصور ويرسل كشاهد ورقيب. لا تستطيع الدولة زرع عسكري في كل جهاز لمنعه من الترويج والتواصل. إنه جنرال الاحتجاجات وزعيم المحرضين. كان الجهاز يستميل الكتاب أو يراقبهم أو يزجرهم أو يمنع أسماءهم من التسلل إلى الصفحات. اليوم صار كل مواطن صحافياً وكاتباً. ماذا نستطيع أن نفعل بنهر المواقف الموزعة على «تويتر» و«فيسبوك» وغيرهما؟
كانت إدارة الجمهورية أسهل. حفلة توزيع للحصص على المكونات والمناطق والأحزاب. وكان حجم الحصة مرتبطاً بالولاء الكامل. وكان يمكن استرضاء الناس بالتوظيفات والعقود والمقاعد النيابية والوزارية. وكان كل شيء يخضع قبل إعلانه لمعالجة رسمية؛ بما في ذلك معدل البطالة والتضخم وأرقام الخطة الخمسية. وكان العقاب متيسراً لمن يوزع الشكوك أو يكثر من استخدام علامات الاستفهام.
يطلب فنجاناً جديداً من القهوة. تغير العالم وتغير الناس خصوصاً الشبان والشابات. أفلتوا من أيدي الدولة. يتنادون على وسائل التواصل الاجتماعي ويتدفقون. يقولون كلاماً كبيراً وخطراً. يريدون «إسقاط النظام». ومحاكمة «الطبقة السياسية الفاسدة». وحكومة انتقالية بأسماء «نزيهة وغير ملوثة». وانتخابات حرة وشفافة تحت أنظار مراقبين دوليين. ويقولون أيضاً إن الطائفية ماتت. يخرقون قواعد التخاطب السابقة مع المسؤولين والسياسيين والرموز كأنهم يريدون إعادة تأسيس البلاد بهتافهم «كلن يعني كلن». ويُقسمون أنهم لن يرتكبوا خطأ أهاليهم حين كان يتم إسكاتهم بإطلاق الحساسيات المذهبية والمناطقية أو الوعود البراقة أو التذرع بدقة الظروف التي يجتازها الوطن. يريدون ما هو أخطر وهو «إعادة الأموال المنهوبة». لا يدرون أن توزيع المغانم كان جزءاً من صيغة استقرار.
ما أصعب التعامل مع هذا الجيل الغاضب حين يتدفق أبناؤه في الشوارع يقطعون الطرقات أو يحرقون الإطارات ويوزعون الاتهامات. إن عاجلتهم أجهزة مكافحة الشغب بالغاز المسيل للدموع لمعت صورهم على شاشات العالم وتعاطف المشاهدون مع «انتفاضتهم» أو «ثورتهم». وإن سقط منهم قتيل تحول تشييعه فرصة لإعادة إطلاق الحراك، واستقدام مزيد من الحشود إلى الساحات. كان الخوف حارس النظام والاستقرار لكنهم قتلوا الحارس. ما أصعب التعامل مع جيل «تويتر». التعامل مع الإرهابيين أسهل. ترصد مكالماتهم وتنصب لهم الكمائن وتنهال عليهم بلا رحمة.
لا يمكن تحميل الجهاز مسؤولية ما آلت إليه الأمور. بالغ السياسيون في السطو على مناجم الجمهورية. لم يتركوا فيها ما يكفي لاسترضاء الناس. وتسببوا بصراعاتهم ومناكفاتهم في نشر غسيل الدولة الوسخ على حبال وسائل التواصل الاجتماعي. لقد قطعوا الغصن الذي يقفون عليه.
هذا جيل آخر. تعب من الفقر والدولة المخلعة الأبواب. جيل يريد أن تكونَ كلمتُه مسموعة. يريد دولة عصرية. وقضاءً مستقلاً. ومدرسة حديثة. وفرصة عمل. لا يريد البطالة والاتكاء على جدران المدن. ولا التسلل في «قوارب الموت» إلى أوروبا.
يسأل المدير نفسه: هل أسهمت وسائل التواصل الاجتماعي في ولادة عربي مختلف لا يقبل بأقل من العيش في دولة تستحق التسمية؟ هل وُلد جيل جديد في الجزائر والعراق ولبنان؟ جيل لم يعد بالإمكان إعادته إلى بيت الطاعة، سواء بالرصاص المطاطي أو الرصاص الحي. ألم يكن من الأجدى التنبه لتكاثف الغيوم قبل أن تمطرَ احتجاجاتٍ احتجاجاتٍ احتجاجات؟
تأخر الوقت ولا جدوى من العقاقير القديمة والمراهم الدجّالة. لن تنقذ القوة تركيبات انتهت صلاحية استعمالها. لن يوصي بإعلان حال الطوارئ ودفع الجيش إلى الاصطدام بالأنهار المتدفقة إلى الساحات. سيحاول القول إن مرحلة انتهت وإطالة عمرها بالدم محفوفة بالأخطار والعواقب. سيكتب: احذروا الاستخفاف بجيل عربي قلق على مستقبله تحول مقلقاً لحكومات تهدد بإضاعة بلاده. الحل الاستماع إليه لا الانتصار عليه.

 

arabstoday

GMT 09:20 2020 السبت ,06 حزيران / يونيو

أخبار المتزوجين

GMT 09:15 2020 السبت ,06 حزيران / يونيو

أخبار من ايران وغيرها

GMT 05:49 2020 السبت ,06 حزيران / يونيو

«قيصر» يقتحم أبوابكم!

GMT 04:28 2020 السبت ,06 حزيران / يونيو

3 سنوات قطيعة

GMT 04:19 2020 السبت ,06 حزيران / يونيو

مسكين صانع السلام

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

احذروا العربي القلق احذروا العربي المُقلق احذروا العربي القلق احذروا العربي المُقلق



إطلالات متنوعة وراقية للأميرة رجوة في سنغافورة

سنغافورة - السعودية اليوم

GMT 16:48 2024 الثلاثاء ,16 كانون الثاني / يناير

اكتشاف بروتين يحفز إنتاج الدهون الجيدة والتخلص من السمنة

GMT 10:54 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 09:30 2016 الأربعاء ,11 أيار / مايو

لازم يكون عندنا أمل

GMT 05:34 2020 الثلاثاء ,28 إبريل / نيسان

"قبعات التباعد" سمحت بعودة الدراسة في الصين

GMT 11:29 2020 الخميس ,05 آذار/ مارس

أعمال من مجموعة «نجد» تعرض في دبي 9 الجاري

GMT 14:43 2017 الخميس ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح من أجل محاربة الأرق عن طريق الوجبات الخفيفة

GMT 18:25 2016 الثلاثاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

معين شريف يهاجم راغب علامة عبر قناة "الجديد"

GMT 04:58 2012 الخميس ,06 كانون الأول / ديسمبر

سلوى خطاب بائعة شاي في"إكرام ميت"

GMT 03:32 2016 الإثنين ,04 كانون الثاني / يناير

جيسيكا هيلز ستعتزل في 2017 لتتفرَّغ لإنجاب طفل آخر

GMT 11:22 2012 الثلاثاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

تفاصيل سرية تنشر للمرة الأولى بشأن اغتيال الشيخ أحمد ياسين

GMT 15:55 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

ارتفاع عدد ضحايا العدوان الإسرائيلي علی غزة إلى 24448 شهيدًا

GMT 17:10 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

مواطنة من فئة الصم تحصل على درجة الماجستير من أمريكا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
alsaudiatoday alsaudiatoday alsaudiatoday
alsaudiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab