تركيا تستسلم بعد خسارتها «درة التاج العثماني»

تركيا تستسلم بعد خسارتها «درة التاج العثماني»؟

تركيا تستسلم بعد خسارتها «درة التاج العثماني»؟

 السعودية اليوم -

تركيا تستسلم بعد خسارتها «درة التاج العثماني»

جورج سمعان

خطا الرئيس رجب طيب أردوغان خطوات لافتة في الأيام الأخيرة لعله يعوض ما أصاب خططه الاستراتيجية، خصوصاً سياسته في سورية. عزز وجود قواته في شمال العراق. وقرر إنشاء قاعدة عسكرية في قطر. وأقام مع المملكة العربية السعودية «مجلس تعاون استراتيجي»، بعدما رحّب بقيام التحالف الإسلامي العسكري. وعاود البحث مع إسرائيل لعله يستعيد ما كان من حرارة في العلاقات معها. وطرق أبواب أوروبا مجدداً عبر موجات اللاجئين. هذا الانتقال من موقع إلى آخر فرضه المشهد الجديد في الإقليم وتداعيات الأزمة السورية. شركاء تركيا في حلف الـ «ناتو»، والولايات المتحدة، تحديداً لا يلتقون وسياستها من سنوات. لذلك، لم يجاروها في الدعوة إلى إقامة منطقة آمنة شمال سورية تمكّنها من ممارسة نفوذ أقوى على دمشق. ولم يستجيبوا دعوتها إلى اعتبار «وحدات حماية الشعب» الكردية قوات إرهابية. لأنهم ببساطة لا يرغبون في الانزلاق إلى مواجهة مباشرة مع نظام الرئيس بشار الأسد وقواته. وهم يحتاجون إلى قوة كردية منظمة في الحرب على «داعش»، فضلاً عن اعتبارات أخرى. وحتى عندما لجأت إليهم بعد إسقاط قواتها طائرة «سوخوي» روسية، لم يظهروا حماسة كبيرة. لا يرغبون في مزيد من التوتر مع موسكو. اكتفوا بإعلان تضامنهم، بل أبدوا حرصاً على التقارب مع الرئيس فلاديمير بوتين، إثر العمليات الإرهابية في باريس وإسقاط الطائرة السياحية الروسية فوق سيناء.
غلّب شركاء أردوغان مصالحهم أولاً وأخيراً. كما فعل هو تماماً عندما تردد أو أحجم عن المشاركة في عمليات التحالف الدولي ضد تنظيم «الدولة الإسلامية». وقبل ذلك عندما تهرب من التزام العقوبات التي فرضها الأميركيون والأوروبيون على موسكو رداً على ضمها شبه جزيرة القرم وتدخلها في أوكرانيا. وعندما خرق مراراً العقوبات والحصار الاقتصادي الذي فرض على إيران قبل التوصل إلى اتفاق على تسوية برنامجها النووي. كان هاجسه مواصلة نهج حزبه في الانفتاح شرقاً، على رغم أن انفجار الأزمة في سورية أقفل بوجهه الباب نحو العالم العربي. مثلما عكّرت مواقفه من العواصف التي هبت على عدد من الدول العربية، علاقاته مع كثير من هذه الدول. لذا، لم يكن حظ «الربيع التركي» في الإقليم أفضل حالاً من مآلات «الربيع العربي» الذي ساهم في تقويض استراتيجية «حزب العدالة والتنمية» ورهانه على الأحزاب الإسلامية وعلى رأسها «الإخوان المسلمون»، لئلا نشير إلى التحديات الداخلية التي يواجهها الحزب في الداخل التركي، وأخطرها عودة الحرب مع حزب العمال الكردي بعد هدنة واعدة لم تعمر طويلاً.
حققت تركيا الكثير في السنوات السمان، قبل التحولات التي شهدها الإقليم في السنوات الخمس الماضية. وهي تسعى اليوم إلى الحد من خسائرها في السنوات العجاف. وتحاول إرساء استراتيجية جديدة فرضتها هذه التحولات. وعلى رأسها انهيار النظام الإقليمي بفعل انهيار عدد من الأنظمة العربية. وهو ما ألحق ضرراً واسعاً بعلاقات أنقرة مع معظم العواصم العربية، نظراً إلى وقوفها مع قوى الإسلام السياسي، خصوصاً في مصر. ومن التحولات أيضاً تعزيز إيران مواقعها في المنطقة، ثم تحولها شريكاً لا يمكن تجاهله بعد طي صفحة برنامجها النووي وسنوات من التوتر والتهديدات المتبادلة مع الغرب. وكذلك «هجوم» روسيا على الشرق العربي من البوابة السورية التي كانت أنقرة توسلتها مدخلاً إلى هذا الشرق قبل اندلاع أزماته. ثم قيام «دولة الخلافة» التي أسقطت حدود «سايكس - بيكو» واحتلالها البند الأول في الأجندة الدولية بعد تجاوز إرهابها ما كان لتنظيم «القاعدة» قبل سنوات... وقبل هذا وذاك الانكفاء الأميركي والتنافس على ملء الفراغ الذي سيخلفه. وعودة الحرارة إلى علاقات موسكو بالقاهرة وبدول خليجية وعربية أخرى.
قبل سنوات، كان الحديث عن نجاح حزب الرئيس أردوغان في تحقيق اختراق واسع على الجبهة الشرقية بعيداً من أوروبا. قدمت تركيا نفسها جسر عبور بين الشرق والغرب. سعت إلى أداء دور في الجهود الدولية لتسوية الملف النووي الإيراني، والقضية الفلسطينية، والمفاوضات بين سورية وإسرائيل. وتقدمت في مناطق القوقاز والبلقان على وقع انهيار الاتحاد السوفياتي. وفتحت لها علاقاتها مع دمشق الأبواب واسعة للعودة إلى بلاد الشام وصولاً إلى دول الخليج التي رأت إليها قوة يمكن الاستناد إليها في الصراع مع الجمهورية الإسلامية. وسعت تركيا أيضاً إلى طرح نفسها مركز مرور لصادرات الغاز من إيران وآسيا الوسطى إلى أوروبا. لذلك، حذرت من استخدام القوة ضد إيران، على رغم معارضتها سعي الأخيرة إلى التحول قوة نووية. ووقفت بشدة في وجه تل أبيب وعدوانها وحصارها على قطاع غزة. ووسعت شراكتها التجارية مع روسيا... والحديث طويل عن «العصر الذهبي» لسياسة «صفر مشاكل» التي وفرت لأنقرة حضوراً على امتداد خريطة واسعة من كوسوفو إلى العراق وأفغانستان، ومن الهلال الخصيب إلى اليمن والصومال والشمال الأفريقي حيث كانت نجم القمة العربية الأخيرة التي استضافها معمر القذافي في سرت قبل إطاحته.
لم تعد تركيا اليوم وحدها في المنطقة. الدب الروسي ندّ لا يستهان به وغريم تاريخي. غضت الطرف عن ضمه القرم الذي شنت السلطنة العثمانية حروباً للسيطرة عليه جسراً إلى دول البلقان وأوروبا والسيطرة على مضائق البحور الداخلية وخلجانها. لكن تدخله في سورية نزع منها كثيراً من المفاتيح. يكفي أنه يعزز بقاء الرئيس الأسد الذي طالما نادت ولا تزال بوجوب تنحيه. ولا شك في أن إسقاط طائرة «السوخوي» قدم إلى الرئيس بوتين فرصة ثمينة ليحاصر دورها وحضورها في بلاد الشام، بل ذهب بعيداً في محاصرتها ليس من الجنوب فحسب، بل من الشرق حيث عزز وجوده في أرمينيا وبحر قزوين. وأدت العقوبات الاقتصادية التي اتخذها الكرملين إلى خسارة أنقرة أهم شريك تجاري. ووجد الرئيس أردوغان بين ليلة وضحاها أنه لم يعد ينافس إيران وحدها في بلاد الشام، بل بات في صراع محموم مع روسيا أيضاً. لذلك، لم يكن أمامه بعد إقفال حدود سورية بوجهه سوى التقدم نحو العراق. لم يعر الأعراف الدولية وأدواتها أي اعتبار، كما كان يفعل في السنوات السمان. شعر بأن خصومه يتقدمون عليه ميدانياً من دون أي اهتمام بهذه الأعراف والأدوات. هكذا، فعلت إيران طوال عقود ثلاثة، خصوصاً عندما اشتد الحصار الدولي عليها في العقد الأخير. توسلت لتوكيد حضورها على مسرح الأحداث ومواجهة عزلتها، التحالف المذهبي والأيديولوجي مع قوى وجماعات، من أفغانستان إلى شاطئ المتوسط، مروراً بالعراق وسورية ولبنان، وحتى قطاع غزة واليمن. ورفعت شعار الدفاع عن الشيعة أين ما كانوا خارج حدودها. تماماً كما فعل ويفعل الرئيس بوتين لتبرير تدخله في أوكرانيا، وقبلها في أوسيتيا وأبخازيا، تارة لحماية الأمن القومي لبلاده وتارة لحماية مواطنين روس هنا وهناك!
صبرت تركيا طويلاً على ما عدّته مبالغة إيران في التمدد نحو المنطقة العربية. صبرت للحفاظ على مصالحها الاقتصادية مع الجمهورية الإسلامية. ونبهت غريمتها إلى التخلي عن العنصر المذهبي رافعة اساسية في ساحة السباق على الإقليم. وبعد إقفال روسيا الحدود السورية الشمالية، لم يكن أمام الرئيس أردوغان سوى التوجه نحو العراق، متوسلاً الرافعة السنّية والعلاقة المتينة مع رئيس كردستان. فهو لن يقبل بأي حال بأن تكون بلاده بمعزل عما يرسم للهلال الخصيب. وإذا كانت الولايات المتحدة، لم تقف الموقف المطلوب لمواجهة الطموحات الإيرانية في الإقليم كله، وتركت لموسكو «حرية التصرف» في سورية كما يحلو لها، فإن أنقرة لا يمكن أن تقبل بإقفال العالم العربي في وجهها. لا يمكن أن تسكت على تمدد قوات «وحدات حماية الشعب» الكردية التي تعدها من أذرع حزب العمال الكردستاني. لا يمكنها أن تقدم أي خطر، سواء جاء من «داعش» أو غيره، على الخطر الكردي.
في حمأة الصراع على التركة العربية، لا تجد تركيا في مواجهة روسيا وإيران، بديلاً من انضمامها إلى التحالف العسكري الإسلامي. وإقامة قاعدة عسكرية «متقدمة» في قطر على تخوم الخليج بعد حضورها في كردستان. وقيام مجلس تنسيق استراتيجي مع السعودية. وإضافة إلى ما يمكن أن تستثمر بفضل علاقاتها مع فصائل إسلامية وجماعات «الإخوان» في المشرق كله، لا يمكن تجاهل علاقاتها التاريخية والإتنية بكثير من بلدان آسيا الوسطى التي تعول عليها أيضاً كل من طهران وموسكو. يبدو من الصعب تصور أنقرة وقد استسلمت أو انسحبت من حلبة التنافس. يبقى السؤال هل تمكّنها شبكة علاقاتها الجديدة من استعادة دورها في سورية، «درة التاج العثماني» كما كان السلاطين يسمونها؟ لا شك في أن ثمة بوابات أخرى غير حلب وإدلب، وطرقاً كثيرة تؤدي إلى بلاد الشام!

 

arabstoday

GMT 15:09 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

ابنه البكر

GMT 15:08 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

... إنّها حرب تطالبنا بأن ننسى كلّ شيء تقريباً

GMT 15:07 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

المشعوذون القدامى... والجُدد

GMT 15:04 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

الدول العربية «المضروبة»

GMT 15:03 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

حانت لحظة الرحيل

GMT 15:02 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

الأسئلة الصعبة

GMT 15:01 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

من غزو العراق... إلى حرب غزّة

GMT 15:00 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

عن رسالة بوريل ومستقبل أوروبا

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تركيا تستسلم بعد خسارتها «درة التاج العثماني» تركيا تستسلم بعد خسارتها «درة التاج العثماني»



إطلالات متنوعة وراقية للأميرة رجوة في سنغافورة

سنغافورة - السعودية اليوم

GMT 16:48 2024 الثلاثاء ,16 كانون الثاني / يناير

اكتشاف بروتين يحفز إنتاج الدهون الجيدة والتخلص من السمنة

GMT 10:54 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 09:30 2016 الأربعاء ,11 أيار / مايو

لازم يكون عندنا أمل

GMT 05:34 2020 الثلاثاء ,28 إبريل / نيسان

"قبعات التباعد" سمحت بعودة الدراسة في الصين

GMT 11:29 2020 الخميس ,05 آذار/ مارس

أعمال من مجموعة «نجد» تعرض في دبي 9 الجاري

GMT 14:43 2017 الخميس ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح من أجل محاربة الأرق عن طريق الوجبات الخفيفة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
alsaudiatoday alsaudiatoday alsaudiatoday
alsaudiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab