كان التغيير الذي حصل في مصر ضربة قوية للإخوان. كشفت خصوصا أن ليس لديهم أي مشروع على علاقة بالدولة العصرية.. أو بالديمقراطية.
أنقذت القمّة الاستثنائية للدول الأعضاء في مجلس التعاون لدول الخليج العربية التي انعقدت في الرياض، القمّة التي يفترض أن تستضيفها الدوحة، الشهر المقبل. قمّة الدوحة هي قمة دورية تنعقد كلّ سنة مداورة بين الدول الست التي تحتاج لبعضها البعض، خصوصا في ظلّ الظروف بالغة التعقيد التي تمرّ بها المنطقة.
ما ساعد في إنقاذ قمّة الدوحة كانت الجهود التي بذلها أمير الكويت الشيخ صُباح الأحمد الذي يبدي حرصا ليس بعده حرص على المحافظة على الحدّ الأدنى من التضامن الخليجي. فالكويت تعرف قبل غيرها أنّ مجلس التعاون الذي تأسس في أبوظبي العام 1981 في القمة التي استضافها الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، كانت ولا تزال الخيمة التي تحمي الجميع. حمى مجلس التعاون دول الخليج في أثناء الحرب العراقية ـ الإيرانية بين العامين 1980 و1988.
حال المجلس، بفضل التفاهم القائم بين أعضائه، دون توسّع تلك الحرب، وعمل على ضمان حرّية الملاحة في الخليج. من يتذكّر كيف نجحت الكويت وقتذاك في منع الهجمات الإيرانية على ناقلات النفط التي تمتلكها برفع العلمين الأميركي والسوفيتي عليها؟
في صيف العام 1990، لعب مجلس التعاون دوره في حماية الكويت بعد القرار المجنون الذي اتخذه صدّام حسين والقاضي باحتلال تلك الدولة وتحويلها إلى محافظة عراقية. كان الموقف الخليجي حازما وحاسما في آن. ساعد إلى حد كبير في استنفار المجتمع الدولي، على رأسه الولايات المتحدة، من أجل الذهاب بعيدا في خوض حرب لتحرير الكويت. وهذا الأمر ما كان ممكنا لولا التضامن الخليجي مع الكويت والقرار الذي لا لبس فيه بالوقوف إلى جانبها بكلّ الوسائل والسبل المتاحة من دون أيّ مواربة وتردّد من أي نوع كان.
في القرن الواحد والعشرين، واجه مجلس التعاون تحديات من نوع جديد. في الماضي، في مرحلة ما بعد تأسيس المجلس، كانت هناك في كلّ وقت تجاذبات بين الدول الست. راوحت التجاذبات بين الاتفاقية الأمنية والعملة الموحّدة والخلافات الحدودية التي سرعان ما أُمكن احتواؤها. بقيت الخلافات دائما ضمن البيت الواحد. بقيت كذلك، إلى أن جاء الخلاف الكبير الناجم عن الإرهاب وكيفية مكافحته وعلاقة الإخوان المسلمين به. هنا، اختلفت الأمور، خصوصا بعدما تبيّن أن هناك علاقة عضوية بين قطر والإخوان، فيما هؤلاء على لائحة الإرهاب السعودية والإماراتية. هناك رهان قطري واضح على الإخوان فيما هناك حملة سعودية عليهم، وفيما لا مكان لهؤلاء في الإمارات، حيث كشفت السلطات نياتهم الحقيقية ومآربهم منذ فترة طويلة.
أخذت قطر على عاتقها الترويج للإخوان. اعتبرتهم حصانا رابحا في اليمن وتونس وليبيا وفلسطين وفي كلّ دولة عربية، خصوصا في مصر. أكثر من ذلك، وظّفت قطر ما تمتلكه من وسائل إعلامية في خدمة الإخوان. كان الصدام السعودي ـ القطري طبيعيا، خصوصا في ظلّ إدارة جديدة في الدوحة ليس لديها من يستطيع إدارة الأزمات والتراجع في الوقت المناسب، أي قبل الوصول إلى حافة الهاوية.
لا شكّ أن المملكة العربية السعودية لم تتصرّف بالطريقة التي تصرّفت بها بدءا بسحب سفيرها من الدوحة، هي ودولة الإمارات والبحرين، لولا فقدان الأمل في إمكانية إيجاد تفاهم ما مع قطر بشأن الموقف الواجب اتخاذه من الإخوان ومن مسائل عدة، بما في ذلك الأزمة السورية.
طلبت الدوحة مرّة تلو الأخرى مهلة لتصحيح الأوضاع. كان الرأي السائد في السعودية أن كلّ المطلوب هو تمرير الوقت. وصل الأمر بالملك عبدالله بن عبدالعزيز إلى حدّ رفض الوساطات من منطلق أن الموضوع المطروح لم يعد يتحمّل المواقف المحايدة.
بات على من يريد إنقاذ قمة الدوحة إقناع المسؤولين القطريين، على رأسهم الأمير الشيخ تميم بن حمد، بأنّ هناك شروطا سعودية غير قابلة للنقاش بأيّ شكل.
ما حصل، بكل بساطة، كان قبول قطر بضرورة مراعاة الموقف السعودي بعدما أكّد الملك عبدالله بن عبدالعزيز لأمير الكويت أن لا مكان بعد الآن للمواقف المحايدة وأنه لن تكون قمة خليجية في الدوحة في غياب التغيير المطلوب بعيدا عن الوعود والمهل الزمنية.
أين يمكن أن يظهر التغيير المطلوب، خصوصا بعد إعادة السفراء إلى الدوحة؟ الأكيد أن مجال الإعلام سيكون الامتحان الذي ستظهر من خلاله الدوحة أنّ شيئا ما تغيّر جذريا وأنّ التعاطي مع أزمات المنطقة سيكون بالتنسيق مع المجموعة الخليجية، وليس مع تركيا ذات الأجندة الإخوانية الخاصة بها.
هناك أربع دول خليجية هي السعودية والإمارات والكويت والبحرين اتخذت موقفا داعما لا تردد فيه من الثورة التي حصلت في مصر والتي أدّت إلى إخراج الإخوان من السلطة. بقي الموقف القطري داعما للإخوان وذلك استنادا لوجهة نظر تقول إنّهم رمز التحولات التي تشهدها المنطقة. كذلك، بقيت وسائل الإعلام القطرية تصف ما حدث في مصر بأنّه “انقلاب”.
انسحب الموقف القطري على ما يدور في تونس وليبيا واليمن وغزّة. صار هناك موقفان مختلفان كلّيا تجاه الثورات العربية أو ما يسمّى “الربيع العربي”. هل هذا ممكن داخل مجلس التعاون؟ هل في استطاعة مجلس التعاون تحمّل مثل هذا الشرخ العمودي الذي يعني أن هناك خلافا جذريا على كلّ شيء، بما في ذلك كيفية دعم المعارضة السورية في مواجهة نظام يذبح شعبه؟
كان التغيير الذي حصل في مصر ضربة قويّة، بل قاصمة للإخوان. كشفت مصر الإخوان. كشفت خصوصا أن ليس لديهم أيّ مشروع على علاقة بالدولة العصرية… أو بالديمقراطية والتداول السلمي للسلطة.
ما شهدته مصر انعكس على ليبيا، حيث مني الإخوان بسلسلة من النكسات. تلقّى الإخوان ضربات قوية في اليمن وفي تونس وفي غزّة. تبيّن بكل بساطة أنّ لا مستقبل لهم وأن الرهان عليهم رهان على وهم أكثر من أي شيء آخر. يمكن للإخوان أن يشكلوا من خلال تنظيمهم العالمي شبكة استخبارات فعالة. يمكنهم التخريب أيضا خدمة لدور تركي غير مفهوم حتّى الآن. لكنّ هذا حدود ما يستطيعون تقديمه من خدمات لا أكثر.
هناك، في هذه الأيّام ما هو أهمّ بكثير من الخلاف بشأن الإخوان. هناك العراق ومستقبله وهناك المشروع التوسّعي الإيراني، الذي يُعتبر المستفيد الأوّل من الشرخ القائم داخل مجلس التعاون. وهناك أيضا الموقف الواجب اتخاذه من إدارة أوباما الحائرة التي لا تعرف ماذا تريد باستثناء اختزال مشاكل المنطقة بالملفّ النووي الإيراني.
سيتبيّن خلال أسابيع ما إذا كان هناك أمل في طي صفحة الخلاف العميق مع قطر. كلّ ما سيكون على المتابع للشأن الخليجي عمله هو مراقبة الموقف القطري من مصر. هل سيتغيّر شيء أم لا؟ هل المسألة مسألة انعقاد قمّة الدوحة في موعدها لا أكثر ولا أقلّ، أم أن هناك مصالحة حقيقية ستذهب إلى أبعد من عودة السفراء الثلاثة إلى الدوحة؟