استبدال لسفير… أم استبدال لبغداد

استبدال لسفير… أم استبدال لبغداد

استبدال لسفير… أم استبدال لبغداد

 السعودية اليوم -

استبدال لسفير… أم استبدال لبغداد

بقلم :خير الله خير الله

هل تريد الحكومة العـراقية تغيير السياسة السعودية تجاه العراق أم تريد استبدال سفير السعودية في بغداد ثامر السبهان لتأكيد ما لم يعد في حاجة إلى تأكيد، أي أن العراق صار تابعا لإيران؟ تلك هي الرسالة التي يبدو أن الحكومة تريد توجيهها إلى كل من يعنيه الأمر. فحوى الرسالة أن المسألة ليست مسألة سفير سعودي معيّن في عاصمة معينة بمقدار ما انّها مسألة مرتبطة بسياسة تتبعها المملكة التي تدرك تماما خطورة ما يجري في العراق.

الواضح ان هناك ما هو أبعد من طلب عراقي وقح بتغيير السفير السعودي الذي لا يقول شيئا غير معروف عن التدخل الإيراني في العراق ومـدى سيطرة الميليشيات المذهبية على مرافق الدولة ومؤسساتها. إنّه تدخل يعبّر عنـه كلّ يوم رئيس الحكومة حيدر العبادي الذي ليس هناك ما يشير إلى أنّه يختلف في شيء عن سلفه نوري المالكي الذي أخذ على عاتقه تحويل العراق مستعمرة إيرانية. الدليل على ذلك أنّ مسؤولا عسكريا إيرانيا هو الجنرال قاسم سليماني قائد “فيلق القدس” في “الحرس الثوري” يدير ميليشيات عراقية تسمّى “الحشد الشعبي” تخوض معارك في العراق. كيف يمكن لدولة مثل المملكة العربية السعودية السكوت عن تحول العراق، الذي كان إلى ما قبل فترة قصيرة دولة عربية، إلى مجرّد مستعمرة إيرانية، بكل ما في كلمة مستعمرة من معنى؟ هل يمكن لدولة مثل السعودية تجاهل الانعكاسات الناجمة عن مثل هذا التحوّل على أمنها الوطني وعلى التوازن الإقليمي؟

هناك إصرار لدى الحكومة العراقية على قول الأمور كما هي من دون مواربة. وهذه نقطة تسجّل لحكومة العبادي التي لا تتردد، خصوصا عبر وزير الخارجية إبراهيم الجعفري، في السير على الخط الإيراني بشكل أعمى. لذلك ليس مستغربا أن يقول السفير السعودي في بغداد الأمور كما هي أيضا. المسألة ليست مرتبطة بالسفير السعودي الذي اسمه ثامر السبهان. أي سفير سعودي في بغداد سيتصرّف بالطريقة نفسها. السفير يعبّر عن السياسة العامة للبلد الذي يمثّله، في إطار خطوط عريضة وتوجّهات مرسومة له، لا أكثر ولا أقل، أي من دون زيادة أو نقصان. هل يستطيع السفير، أي سفير، الإتيان بتصريحات ومواقف معيّنة من بيت أبيه؟

إذا كانت الحكومة العراقية تريد الوصول إلى موقف سعودي مختلف حيال ما يجري في العراق، يتوجّب عليها قبل كلّ شيء إثبات أنّها حكومة تعمل في بلد مستقلّ وليس مجرّد تابع لإيران. هذا كلّ ما في الأمر. هل تستطيع الحكومة العراقية التصرّف من هذا المنطلق؟ ذلك هو السؤال الأساسي، فيما التركيز على السفير السعودي، بغض النظر عن اسمه، ليس سوى محاولة للهرب من الواقع ومن الحال التي يعاني منها العراق.

بعد الدعوة إلى استبدال السفير السعودي، لم يعد من شكّ في عمق الأزمة التي يعاني منها العراق، وهي أزمة عائدة أوّلا وأخيرا إلى وضع ايران يدها على البلد، نتيجة الحرب الأميركية التي أصرّ عليها جورج بـوش الابـن في العـام 2003. مـا نشهـده اليوم هـو نتيجة طبيعيـة لتلك الحرب التي كانت إيران شريكا فعليا فيها على كل المستويات. لم تكن شريكا عبر التسهيلات العسكرية التي قدّمتها للولايات المتحدة فحسب، بل كانت شريكا في صياغة مستقبل العراق، على أسس طائفية ومذهبية أيضا.

مرّة أخرى، لا بدّ من العودة إلى مؤتمر لندن الذي عقدته المعارضة العراقية في كانون الأوّل ـ ديسمبر 2002 من أجل الاتفاق على الأسس التي سيقوم عليها النظام الجديد بعد إسقـاط الأميركيين لصدّام حسين. كانت رعايـة المؤتمر أميركية ـ إيرانية. جاء أعضاء وفد المعارضة العراقية وقتذاك إلى لندن من طهران في طائرة واحدة. كـان أعضاء الوفد من الأكراد والشيعة في تلك الطائرة. كان الهدف من المؤتمر التوصل إلى بيان هو الأول من نوعه عن “الأكثرية الشيعية في العراق” وعن الصيغة “الفيديرالية” لعراق ما بعد صدّام حسين.

كل ما أرادته إيران هو البيان الذي يتضمن ورود عبارة “الأكثرية الشيعية في العراق”. كان ذلك ثمن سماحها لفصيل مثل “المجلس الأعلى للثورة الإسلامية” بالمشاركة في المؤتمر.

ما نشهده اليوم هـو فصل آخر مـن فصول وضـع اليـد الإيرانية على العـراق، بمـا في ذلك الاعتراض على وزير المال هوشيار زيباري، الكردي الذي سعى لأن يكون وزيرا لكلّ العراقيين والدفاع عن هامش للمناورة خاص بالعراق، خصوصا عندما كان وزيرا للخارجية. هناك الآن محاولات مكشوفة لإخراج زيباري من الحكومة وذلك من أجل إثبات أن من يحكم العراق هو “الحشد الشعبي”، أي “الحرس الثوري” الإيراني.

ليس طلب استبدال السفير السعودي رسالة إلى المملكة فحسب، بل هو رسالة إلى جميع العرب وإلى القوى الدولية، على رأسها الولايات المتحدة أيضا. فحوى الرسـالة أنّه مثلما أن “الحرس الثوري” يحكم إيران في ظل عباءة “الوليّ الفقيه”، فإنّ “الحشد الشعبي”، وهو مجموعة ميليشيات مذهبية تابعة لأحزاب عراقية تعمل لدى إيران، هو من يحكم العراق.

كلّ مـا في الأمـر أنّ العـراق صـار في مكـان آخـر. كان إعادة فتح السفارة السعودية في بغداد وإرسال سفير إلى العاصمة العراقية مناسبة للتأكّد من ذلك. ربّما للتأكد من أن ظهور “داعش” في العراق كان الهدف منه ظهور “الحشد الشعبي” أيضا وذلك كي يتابع الإيرانيون عملية استكمال السيطرة على العراق بالاعتماد على الغرائز المذهبية.

ليس الموضوع موضوع استبدال سفير عربي في بغداد، وذلك على الرغم من أنّ السفير السعودي ارتكب خطيئة وضع يده على الجرح. الموضوع موضوع استبدال بغداد ببغداد أخرى. إنه انتقام من هذه المدينة بالذات بكلّ ما مثلته عبر تاريخها الطويل والعريق، كمدينة لجميع العراقيين من كل المذاهب والطوائف والقوميات.

هل يمكن للعراق استعادة بغداد يوما، بغداد السنّية والشيعية والمسيحية والعربية والكردية والتركمانية…؟ ذلك هو السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح بعدما كشف السفير ثامر السبهان ما لم يعد سرّا عسكريا، أي سقوط بغداد في يد طهران وفي يد “الحشد الشعبي”، أي “الحرس الثوري” على الطريقة العراقية.

مرّة أخرى، ليست المسألة استبدال سفير بمقدار ما أنّها مسألة استبـدال مدينة بمـدينة أخرى عبـر كلّ أنـواع التطهير العرقي والمذهبي والطائفي. أليس هذا ما يمارس حاليا في حمص بعدما مورس في محيط دمشق. لا تزال داريا شاهدا حيّا على هذه الممـارسات التي تصـبّ في نهـاية المطـاف في تنفيذ فكرة محدّدة هي القضاء على المدينة العربية في منطقة المشرق العربي…

 

arabstoday

GMT 15:01 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

من غزو العراق... إلى حرب غزّة

GMT 15:50 2024 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

المغرب وحقوق الإنسان... انتصار طبيعي

GMT 16:04 2024 الأربعاء ,10 كانون الثاني / يناير

البُعد الإيراني للتصرفات الحوثيّة

GMT 10:41 2024 الأحد ,07 كانون الثاني / يناير

حرب من دون أفق سياسي

GMT 09:01 2024 الجمعة ,05 كانون الثاني / يناير

إيران تدخل لبنان حرباً معروفة النتائج!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

استبدال لسفير… أم استبدال لبغداد استبدال لسفير… أم استبدال لبغداد



إطلالات متنوعة وراقية للأميرة رجوة في سنغافورة

سنغافورة - السعودية اليوم

GMT 16:48 2024 الثلاثاء ,16 كانون الثاني / يناير

اكتشاف بروتين يحفز إنتاج الدهون الجيدة والتخلص من السمنة

GMT 19:18 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

يتيح أمامك هذا اليوم فرصاً مهنية جديدة

GMT 00:36 2017 الثلاثاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

5 طرق لتنظيف السيراميك والأرضيات من الطبيعة

GMT 16:43 2021 السبت ,13 شباط / فبراير

بناطيل هوت كوتور ربيع 2021 من أسبوع باريس

GMT 12:48 2020 الأربعاء ,15 إبريل / نيسان

جامعة سعودية تتوصل لنتائج تقضى على فيروس كورونا

GMT 13:28 2019 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

عادل عصمت يناقش "الوصايا" في نادي ركن الياسمين

GMT 19:49 2018 الأربعاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

"البيت الأبيض" يُعلن سحب قوات بلاده من سورية

GMT 19:12 2018 الإثنين ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فورد إكسبلورر 2020 الجديدة تظهر بتمويهات خفيفة

GMT 03:54 2018 الخميس ,30 آب / أغسطس

ترشيح أحمد السقا لبطولة فيلم "أشرف مروان"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
alsaudiatoday alsaudiatoday alsaudiatoday
alsaudiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab