السعودية في مواجهة تحديات ما بعد النفط

السعودية في مواجهة تحديات ما بعد النفط

السعودية في مواجهة تحديات ما بعد النفط

 السعودية اليوم -

السعودية في مواجهة تحديات ما بعد النفط

بقلم :خير الله خير الله

تؤكد المملكة العربية السعودية مرّة أخرى القدرة على التكيّف من منطلق أنّها دولة راسخة وقديمة. لعلّ أهمّ ما في “رؤية المملكة العربية السعودية 2030” التي أقرّها مجلس الوزراء في المملكة في جلسة برئاسة الملك سلمان بن عبدالعزيز، هو ربط المملكة بالمستقبل من دون طلاق مع الماضي. هناك للمرّة الأولى، ربّما، كلام من داخل المملكة يعتمد لغة الأرقام والتحليل العلمي للوضع السعودي وكيفية تطويره.

يصدر هذا الكلام عن الأمير محمد بن سلمان، وليّ وليّ العهد، الذي يتحدّث عن وضع المملكة بكلّ شفافية ومن دون عقد. حدّد مكامن الضعف ونقاط القوّة، وما يمكن عمله من أجل تحقيق الأهداف المنشودة الواردة في “الرؤية”.

لا شكّ أن المقابلة التي أجراها الأمير محمد بن سلمان مع الزميل تركي الدخيل وبثّتها قناة “العربية” كانت أيضا نقلة نوعية في حدّ ذاتها، إذ كشفت مدى تقدّم الإعلام في المملكة أوّلا، وقدرة زميل سعودي على الارتقاء بالحوار إلى مستوى أيّ محطة عالمية أميركية أو أوروبية جديرة بالاحترام.

قدّم “الرؤية”، التي وافق عليها مجلس الوزراء، مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية الذي يرأسه الأمير محمّد بن سلمان نفسه. الملفت أنّها لم تتجاهل أي نقطة ارتكاز يمكن للمملكة الاستناد إليها للتوجه نحو المستقبل. كان هناك تركيز خاص على الإنسان السعودي وعلى أن المملكة لم تتأسّس عندما كانت لديها ثروة نفطية. المملكة تأسست وتوحّدت قبل اكتشاف النفط، وهي باقية بعد النفط. لذلك جاء في “الرؤية” أن “ثروتنا الأولى التي لا تعادلها ثروة مهما بلغت هي شعب طموح معظمه من الشباب، هو فخر بلادنا وضمان مستقبلها”.

اندرج كلّ ما ورد في “الرؤية” في إطار عام يشكّل مكامن القوّة السعودية. هناك “الحَرمان الشريفان، أطهر بقاع الأرض وقبلة أكثر من مليار مسلم، وهذا هو عمقنا العربي والإسلامي وهو عامل نجاحنا الأوّل، كما أن بلادنا تمتلك قدرات استثمارية ضخمة وسنسعى إلى أن تكون محرّكا لاقتصادنا وموردا إضافيا لبلادنا، وهذا هو عامل نجاحنا الثاني. ولوطننا موقع جغرافي استراتيجي، فالمملكة العربية السعودية هي أهمّ بوابة للعالم بصفتها مركز ربط للقارات الثلاث وتحيط بها أكثر المعابر المائية أهمّية. وهذا هو عامل نجاحنا الثالث”.

من كلّ ما ورد في “الرؤية” والحوار مع الأمير محمّد بن سلمان، يمكن استخلاص أن هناك مملكة عربية سعودية لديها قيادة شابة تدرك، برعاية الملك سلمان وتوجيهاته، أن لا مكان في هذا العالم سوى للأقوياء. لذلك لا يجد وليّ وليّ العهد السعودي عيبا في الحديث عن البيروقراطية وكيفية التخلّص من تعقيداتها، وعن مشكلة استفادة الأغنياء من الدعم الحكومي المتوفر سواء في المياه أو الكهرباء أو المشتقات. يقول محمد بن سلمان صراحة عن الإصلاحات المرتبطة بالدعم “والله أنا سأطبّقها على نفسي، والذي لا يرضى يصطدم مع الشارع” مضيفا “هذا ليس وعدا. هذا ما يجب أن يكون”. يعترف بأن “نسبة سبعين في المئة من الدعم يستفيد منها الأثرياء” هل هذا يجوز؟

لم تترك “الرؤية” بابا إلّا وطرقته. من تخصيص جزء صغير من “آرامكو” بهدف تكبير حجم الاقتصاد السعودي مرّات عدة وتحقيق تحوّل في دخل المملكة “فبدل أن يكون الدخل من النفط، سيكون من الاستثمار”. أشار إلى أهمّية الجسر بين المملكة ومصر… إلى التسلح ووضع وزارة الدفاع أيضا. يتساءل وليّ وليّ العهد، الذي هو أيضا وزير الدفاع، “هل يعقل أنّه في عام 2014، كانت السعودية رابع أكبر دولة في العالم تنفق عسكريا، وأصبحت في 2015 ثالث أكبر دولة تنفق عسكريا، وليس لدينا صناعة داخل السعودية؟ نعم نحن ننفق أكثر من بريطانيا وأكثر من فرنسا وليست لدينا صناعة (عسكرية)”. يضيف ” نعم لدينا مشكلة في الإنفاق العسكري. من غير المعقول أننا ثالث أو رابع أكبر دولة في العالم تنفق في المجال العسكري، فيما لا يزال تقويم جيشها في (درجة) العشرينات. ثمّة خلل” وثمّة “مشكلة”.

نعم، هذا تصريح من وزير الدفاع السعودي يعترف بأن “هناك هدرا عاليا جدا في الإنفاق”. يشكو من الفخامة في إحدى القواعد الجوية التي يرى فيها فندقا ذا خمس نجوم، ويقارن بين هذه القاعدة وقاعدة أميركية تخلو من كلّ ما له علاقة بالمظاهر. هذا كلام جديد من نوعه يضع الفعالية فوق أيّ شيء آخر.

ثمة نقاط كثيرة يمكن التوقف عندها من أجل تأكيد التغيير العميق الذي طرأ على طريقة التفكير في المملكة العربية السعودية. يقول محمّد بن سلمان “الكثير يربط تاريخ الجزيرة العربية بتاريخ قصير جدّا. هؤلاء تاريخهم 1400 سنة فقط، مرتبط بالتاريخ الإسلامي. لا شك أن التاريخ الإسلامي هو أهمّ مرتكز ومنطلق لنا، لكن عندنا عمقا تاريخيا ضخما جدّا يتقاطع مع الكثير من الحضارات. التاريخ العربي هو عبارة عن آلاف السنين، هو تاريخ الكلمة، وتاريخ المبادئ، وتاريخ القيم، ولا يضاهيه أي تاريخ أو حضارة في العالم. أفضل حضارة وقيم ومبادئ هي الحضارة العربية التي عمرها آلاف السنين”.

ما يبعث على الأمل أن هناك مسؤولا سعوديا يتحدث عن “خلل” و”مشكلة” و”هدر” و”إدمان على النفط”، وعن “الشفافية” و”خليط الحضارات الموجود في المملكة العربية السعودية” وعن ضرورة الاهتمام بالثقافة. يقول بشكل مباشر، لم يتعوّد عليه السعوديون، أن ليس كلّ شيء على ما يرام وأن لا بدّ من الإصلاح الجذري. هناك، بكلّ بساطة، مسؤول سعودي يتحدّث عن “الشارع”، أي أن همّه الأوّل هو المواطن السعودي العادي، متوسط الدخل وما دون ذلك. هذا جديد بالفعل، بل ثورة.

كان يمكنه القول إنّ العلاج يمكن أن يكون بالمسكّنات أو أن يكتفي بالكلام الجميل. الواقع أن “الرؤية” وما قاله محمّد بن سلمان ليسا مجرّد كلام بكلام. هناك ترجمة على أرض الواقع. كانت “عاصفة الحزم” في اليمن دليلا ساطعا على ضرورة التعاطي مع “الرؤية” ومع كلام محمّد بن سلمان تعاطيا جدّيا. فالمملكة تغيّرت بالفعل وليس بالكلام، بما في ذلك الكلام عن حقوق المرأة ودورها في المجتمع ودور الأسرة والبرامج التربوية المطلوب تطويرها وأهميّة السياحة والانفتاح على العالم وممارسة الرياضة وإطالة معدل أعمار السعوديين… والمتحف الإسلامي المنوي إقامته وكثير من غير ذلك، مثل “البطاقة الخضراء” للمقيمين في المملكة، وصولا إلى الاستفادة من الثروات التي في الأرض، من الذهب إلى اليورانيوم.

يقول كلّ ذلك وعينه على المستقبل وتحدياته المتمثلة في مرحلة ما بعد النفط. هذا النفط سينتهي يوما رغم أن المخزون السعودي لا مثيل له في العالم. لذلك لا مفرّ من مواجهة هذه التحديات التي جعلت محمّد بن سلمان يقول “أعتقد أنّه في السنة 2020، يعني لو النفط توقّف، نستطيع أن نعيش. نحتاجه، نحتاجه، لكن أعتقد في السنة 2020، نستطيع أن نعيش من دون نفط”.

 

arabstoday

GMT 15:01 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

من غزو العراق... إلى حرب غزّة

GMT 15:50 2024 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

المغرب وحقوق الإنسان... انتصار طبيعي

GMT 16:04 2024 الأربعاء ,10 كانون الثاني / يناير

البُعد الإيراني للتصرفات الحوثيّة

GMT 10:41 2024 الأحد ,07 كانون الثاني / يناير

حرب من دون أفق سياسي

GMT 09:01 2024 الجمعة ,05 كانون الثاني / يناير

إيران تدخل لبنان حرباً معروفة النتائج!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السعودية في مواجهة تحديات ما بعد النفط السعودية في مواجهة تحديات ما بعد النفط



إطلالات متنوعة وراقية للأميرة رجوة في سنغافورة

سنغافورة - السعودية اليوم

GMT 16:48 2024 الثلاثاء ,16 كانون الثاني / يناير

اكتشاف بروتين يحفز إنتاج الدهون الجيدة والتخلص من السمنة

GMT 19:18 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

يتيح أمامك هذا اليوم فرصاً مهنية جديدة

GMT 00:36 2017 الثلاثاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

5 طرق لتنظيف السيراميك والأرضيات من الطبيعة

GMT 16:43 2021 السبت ,13 شباط / فبراير

بناطيل هوت كوتور ربيع 2021 من أسبوع باريس

GMT 12:48 2020 الأربعاء ,15 إبريل / نيسان

جامعة سعودية تتوصل لنتائج تقضى على فيروس كورونا

GMT 13:28 2019 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

عادل عصمت يناقش "الوصايا" في نادي ركن الياسمين

GMT 19:49 2018 الأربعاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

"البيت الأبيض" يُعلن سحب قوات بلاده من سورية

GMT 19:12 2018 الإثنين ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فورد إكسبلورر 2020 الجديدة تظهر بتمويهات خفيفة

GMT 03:54 2018 الخميس ,30 آب / أغسطس

ترشيح أحمد السقا لبطولة فيلم "أشرف مروان"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
alsaudiatoday alsaudiatoday alsaudiatoday
alsaudiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab