خيرالله خيرالله
عكست الجولة الاخيرة من المفاوضات بين ايران ومجموعة الخمسة زائد واحد، أي الدول الخمس ذات العضوية الدائمة في مجلس الامن والمانيا، جوّا جديدا. هناك اجماع بين المتفاوضين على تحقيق تقدّم في مجال تأكيد أنّ ايران لا تسعى الى امتلاك السلاح النووي.
للمرّة الاولى منذ العام 2009، صدر بيان مشترك عن جولة المفاوضات التي انعقدت في جنيف. تحدّث البيان عن "تقدّم" وأشار في الوقت ذاته الى أن المفاوضات ستتابع مطلع الشهر المقبل. أكثر من ذلك، انعقد على هامش المفاوضات اجتماع علني أميركي- ايراني. وهذا لا يحدث الا نادرا.
هناك شهر عسل أميركي- ايراني. شهر العسل مع "الشيطان الاكبر" لا يزال في بدايته. الاكيد أن هناك امورا كثيرة سيبحث فيها الطرفان قبل الوصول الى مرحلة التطبيع الكامل للعلاقات التي يسبقها اسقاط العقوبات الدولية المفروضة على "الجمهورية الاسلامية" تدريجا، على أن تتوّج يوما باعادة العلاقات الديبلوماسية بين واشنطن وطهران.
ما يدعو الى التحدث عن احتمال حصول تقدّم حقيقي على صعيد الملف النووي الايراني، أن هناك في الواقع خطوطا عريضة لصفقة قبلت بها ايران. بموجب هذه الصفقة التي تمّ التوصل اليها قبل توجه الرئيس حسن روحاني الى نيويورك للمشاركة في دورة الجمعية العمومية للامم المتّحدة، كان على الرئيس باراك أوباما تضمين خطابه عبارات معيّنة. حصل ذلك. قال الرئيس الاميركي المطلوب منه قوله. كانت العبارة السحرية في الخطاب الرئاسي الاميركي:"نحن لا نسعى الى تغيير النظام في ايران ونحترم حقوق الايرانيين في الحصول على الطاقة النووية السلمية". قبل ذلك، صدرت تأكيدات عن "المرشد" علي خامنئي في شأن رفض ايران للسلاح النووي نظرا الى أنّ ذلك "محرّم شرعا".
لم يعد السؤال الآن هل سيستمرّ شهر العسل؟ السؤال هل تحقّق ايران أهدافها المتمثّلة في رفع العقوبات الدولية في مقابل تقديم الضمانات المطلوبة في المجال النووي؟
من الواضح أن ايران تعرف تماما ما الذي تريده. هل تعرف الادارة الاميركية ومعها أوروبا ما المطلوب من ايران؟ هل تعرف أميركا ما الذي تريده من ايران وحتى من غير ايران؟
تريد ايران قبل كلّ شيء استغلال تركيز الادارة الاميركية الحالية على برنامجها النووي كي تنتهي من العقوبات. يبدو أنّ هذه العقوبات بدأت تفعل فعلها. هناك مشاكل حقيقية في الداخل الايراني وهناك كلّ الاسباب التي يمكن أن تشعل ثورة حقيقية لن يكون من السهل قمعها كما حصل في العام 2009. تدرك ايران أن التخلّص من العقوبات ليس ممكنا من دون تفاهم مع الولايات المتحدة في شأن برنامجها النووي. هل تقبل الادارة الاميركية بذلك؟
بكلام أوضح، هل يكفي تقديم ايران الضمانات المطلوبة في شأن برنامجها النووي كي لا تعود هناك عقوبات وكي تعود الى تصدير نفطها بشكل طبيعي وكي تفتح الاسواق الايرانية مجددا أمام الشركات الاميركية والاوروبية على أن يشمل ذلك شركات النفط الكبرى؟
معروف أن النفط الايراني يعاني حاليا من مشكلتين أساسيتين. الاولى أن الاحتياط ليس كبيرا. والاخرى أن آبار النفط والحقول الايرانية في حاجة الى تطوير. وهذا ليس ممكنا من دون التكنولوجيا الغربية، خصوصا التكنولوجيا الاميركية. الاهمّ من ذلك كلّه، أن العراق الذي يمتلك مخزونا كبيرا من النفط سيحلّ، مع مرور الوقت، بشكل طبيعي مكان ايران في السوق العالمية للنفط، وذلك في حال استمر تراجع الحصة الايرانية.
في ضوء هذه المعطيات، يبدو أن هناك استعدادا ايرانيا لصفقة مع الولايات المتحدة في شأن البرنامج النووي، خصوصا أن مثل هذه الصفقة ستريح اسرائيل التي تدرك، مهما علا صراخها، أن ايران لا يمكن الا تخدم مصالحها في المدى الطويل. هل أفضل من هذا العدو الذي يعمل على تأجيج الغرائز المذهبية في المنطقة كلها، بدءا بالبحرين وصولا الى اليمن، مرورا بسوريا ولبنان والعراق وبكلّ دولة من دول الخليج العربي؟
يبقى السؤال الحقيقي مرتبطا بالدور الاقليمي لايران. يفترض بهذا الدور أن يكون لبّ المفاوضات بين ايران والمجتمع الدولي. هل مسموح لايران، التي لا همّ لديها سوى تخريب المنطقة، متابعة دورها القائم على توظيف التطرّف الديني لاغراض سياسية؟ هل هذا الدور مشمول بالمفاوضات، أم أن المطلوب رفع
العقوبات عن ايران لمجرد قبولها بتوفير الضمانات الكافية في شأن السلاح النووي؟
لنفترض أن ايران استطاعت التوصل الى الصفقة الموعودة مع "الشيطان الاكبر"، هل سيتغير سلوكها في المنطقة وتستخدم الاموال التي ستأتي من بيع النفط لخدمة الشعب الايراني وتوفير الرفاه له؟ هل ستتوقف عن العمل من أجل تهديم مؤسسات الدولة اللبنانية وتغيير طبيعة المجتمع والنظام القائم في الوطن الصغير من منطلق مذهبي وبقوة السلاح غير الشرعي؟
وسط كلّ الضجة التي تحيط بالمفاوضات في شأن الملفّ النووي الايراني، فانّ مثل هذا السؤال، الذي يتجاوز لبنان، يظل السؤال الوحيد الذي يمكن أن يكون له معنى...
كلّ ما تبقى حسابات ايرانية تصبّ في خدمة نظام في حال هروب مستمرّة من المشاكل الداخلية لايران لا أكثر ولا أقلّ. انها مشاكل من النوع المستعصي وهي تجعل النظام في حال تركيز دائم على الخارج في غياب أي قدرة على بلورة مشروع اقتصادي واجتماعي وسياسي داخلي بعيدا من الشعارات القائمة على المزايدات التي لا تنطلي سوى على السذج. هؤلاء السذّج لا يريدون الاعتراف بأن نسبة أربعين في المئة من الايرانيين تعيش تحت خطّ القفر وأن الاتحاد السوفياتي انهار في أوائل التسعينات من القرن الماضي، أي قبل ما يزيد على عقدين، لأنّه كان قوة عسكرية كبيرة تقف على ساقين هزيلتين تمثلان الاقتصاد.
ايران تعرف ماذا تريد. هل تعرف الادارة الاميركية ما الذي تريده ايران من المفاوضات... أم تذهب في لعبتها من منطلق أن المهمّ طمأنة اسرائيل نوويا... ولا أحد آخر غير اسرائيل!