تقاسم للنفوذ في سوريا… قبل تقسيمها

تقاسم للنفوذ في سوريا… قبل تقسيمها

تقاسم للنفوذ في سوريا… قبل تقسيمها

 السعودية اليوم -

تقاسم للنفوذ في سوريا… قبل تقسيمها

بقلم :خير الله خير الله

ما الذي يدور في سوريا، على أرض سوريا، تحديدا، والمناطق المحيطة بها وفي العواصم المهتمة مباشرة بهذا البلد وبمصيره؟ اختلطت الأوراق إلى درجة تصعب الإجابة عن أي سؤال في شأن سوريا باستثناء أن هناك سباقا على حجز مناطق نفوذ في البلد في ضوء الغياب الأميركي، وغياب القدرة على تقسيم الأرض السورية، أقلّه في المدى المنظور.

يمكن أن يأتي التقسيم لاحقا. أمّا الآن، فكل طرف يحاول ضمان منطقة نفوذ له في انتظار الإدارة الأميركية الجديدة التي ستقرّر هل سيكون لها دور في سوريا أم لا؟ هل تلتزم هيلاري كلينتون التي ستخلف باراك أوباما، على الأرجح، سياسة الانكفاء أم تتبع سياسة جديدة من منطلق أن القضاء على “داعش” يتطلب، قبل أيّ شيء، التخلص من عرّاب الإرهاب في المنطقة، أي النظام السوري والميليشيات المذهبية التابعة لإيران بجنسياتها المختلفة، في الوقت ذاته؟

بعد زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لموسكو ومحادثاته مع الرئيس فلاديمير بوتين، دخلت إيران على الخطّ. لم يعد لدى طهران من خيار غير التقارب مع أنقرة. في مؤتمره الصحافي الذي عقده في العاصمة التركية، راح وزير الخارجية الإيراني محمّد جواد ظريف يتغزّل بتركيا، وبما يجمع بين بلده وهذا البلد. ذهب بعيدا في الغزل وفي مديح رجب طيب أردوغان. لم يكن ينقص سوى تبني إيران عملية إفشال المحاولة الانقلابية التي استهدفت الرئيس التركي منتصف الشهر الماضي.

كان المديح الذي كاله ظريف لأردوغان بمثابة تسخيف لبشّار الأسد وموقفه من الرئيس التركي، ولكل ما صدر، وما زال يصدر، عن الأدوات الإيرانية في لبنان من نوع الميليشيا المذهبية المسمّاة “حزب الله”. تبيّن في نهاية المطاف أن لإيران حساباتها السورية التي لا تتفق بالضرورة مع حسابات بشّار الأسد، إضافة إلى أن الأدوات الإيرانية في لبنان والعراق التي تستخدم لدعم رئيس النظام السوري تبقى أدوات ليس مطلوبا منها سوى تنفيذ الأوامر التي تصدر من طهران من دون سؤال أو جواب ومن دون سؤال، حتّى، عن الثمن المطلوب دفعه.

جاءت زيارة وزير الخارجية الإيراني لأنقرة بعيد عودة الرئيس التركي من موسكو حيث التقى فلاديمير بوتين. لا يزال من الباكر الحديث عن النتائج التي أسفرت عنها الزيارة في شأن كلّ ما يتعلّق بسوريا. لكنّ الثابت أنّ هناك اتفاقات اقتصادية ذات حجم كبير أمكن التوصل إليها في أثناء الزيارة ومراعاة للموقف التركي من كلّ ما له علاقة بالأكراد، خصوصا في سوريا.

تجاوز البلدان لأسباب اقتصادية كلّ أزمات الماضي وفتحا صفحة جديدة في العلاقات بينهما. بقيت المسألة المرتبطة بمستقبل بشّار الأسد عالقة. تعرف روسيا، قبل غيرها، أن لا شرعية من أي نوع لهذا النظام المنبثق أصلا عن انقلاب عسكري وعن استيلاء حزب البعث على السلطة في الطريق إلى إقامة النظام العلوي في عهد حافظ الأسد، ثم نظام الأسرة العلوية المرتبطة ارتباطا وثيقا بإيران في عهد بشّار الأسد. بكلام أوضح، تعتقد روسيا أنّ أوان قبض ثمن رأس بشّار الأسد لم يحن بعد، وأن هذا الثمن يتجاوز تركيا، إذ ثمّة حاجة إلى صفقات من نوع آخر مع دول عربية خليجية تعتبر أن لا حلّ في سوريا من دون الانتهاء من النظام ورموزه على رأسهم الأسد الابن.

لم يذهب أردوغان إلى سانت بطرسبرغ للقاء بوتين من موقع ضعف. صحيح أنّه منهك على الصعيد الداخلي في ظلّ المعركة التي يخوضها، كأحد زعماء تنظيم الإخوان المسلمين، مع الدولة العميقة في تركيا التي ترمز إليها المؤسسة العسكرية، ومع جماعة فتح الله غولن، لكن الصحيح أيضا أن بوتين رجل منهك أيضا. اكتشف الرئيس الروسي أن معركة حلب ليست نزهة كما تتصوّر إيران وميليشياتها والنظام السوري الذي يقاتل عن طريق “الشبيحة” إلى جانب هذه الميليشيات. إضافة إلى ذلك، إن الاقتصاد الروسي في حال يرثى لها، وهو في حاجة إلى الأوكسيجين التركي، بالمقدار الذي تحتاج فيه تركيا إلى الأوكسيجين الروسي، خصوصا في ظل التدهور في العلاقات بين أنقرة من جهة، والعواصم الأوروبية المهمة والإدارة الأميركية من جهة أخرى.

كان حصول التقارب الروسي – التركي طبيعيا، كذلك التقارب الإيراني – التركي الذي يفرضه العامل الكردي. إيران تخشى أكرادها، وهي نفّذت حملة إعدامات في حقّهم قبل أيّام قليلة، فيما تركيا تعيش هاجس الدولة الكردية المستقلّة التي لا تبدو أميركا بعيدة عنها كمشروع يندرج في سياق إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط.

المفارقة أن إيران تتقرّب من تركيا التي تعمل على إعادة التطبيع الكامل للعلاقة مع إسرائيل، كما أنّ سعيها إلى التنسيق مع روسيا في سوريا يأتي في وقت هناك تنسيق كامل روسي – إسرائيلي في مجالات عدة من بينها سوريا طبعا.

هناك باختصار أربع دول معنية بسوريا أخذت لنفسها مواقع فيها. كلّ من هذه الدول تعمل على طريقتها وبما يخدم مصالحها…

كان هناك في مرحلة معيّنة استخفاف بتركيا وبأوراقها السورية. جاء فك الحصار عن قسم من حلب ليؤكّد أن هذا الاستخفاف ليس في محلّه، وأن حلب قضية حياة أو موت بالنسبة إلى رجب طيب أردوغان ومؤيديه. لو سقطت حلب، لكان سقط أردوغان. ما فشلت في تحقيقه المحاولة الانقلابية كانت ستنجح في تحقيقه حلب، في حال سقوطها. في المقابل، إن بقاء المدينة في يد الثوار لا يعني أن على بشّار مغادرة دمشق غدا. يستطيع البقاء أسير العاصمة ما دامت روسيا وإيران على استعداد لحمايته، وما دامت إسرائيل لا تعترض على ذلك بأي شكل من الأشكال.

هناك باختصار تموضع لأربع قوى في سوريا. هذه القوى هي تركيا وروسيا وإيران وإسرائيل. كلّ قوة من هذه القوى الأربع صارت تمتلك منطقة نفوذ في سوريا، وذلك بعدما أكّدت تركيا أن سقوط حلب ليس مسموحا به.

ما الذي سيحصل في عهد الإدارة الأميركية الجديدة؟ الأكيد أن تغييرا ما سيحصل على الصعيد الأميركي. ما ليس أكيدا وواضحا هو حجم هذا التغيير، لكنّ الثابت أن روسيا قبلت أخيرا بأن عليها التعاطي مع تركيا في سوريا وتجاوز مسألة الإصرار التركي على رحيل الأسد الابن. كذلك الأمر بالنسبة إلى إيران التي باتت تعرف

أن هناك خطوطا لا تستطيع تجاهلها في سوريا، خصوصا في ظلّ العلاقة العميقة الموجودة بين فلاديمير بوتين وبنيامين نتانياهو.

من هذا المنطلق، يمكن الحديث في المرحلة الراهنة عن تقاسم للنفوذ في سوريا تمهيدا لتقسيم سوريا في يوم من الأيّام. قد يحدث ذلك، كما قد لا يحدث. الكثير سيتوقف على موقف الإدارة الأميركية الجديدة ونوع الدور الذي ستقرر لعبه في الشرق الأوسط الذي يشهد حاليا، عبر ما يجري على أرض سوريا ووسط وقوف العالم المتحضر موقف المتفرّج، أكبر مآسي القرن الواحد والعشرين وأكثرها إيلاما.

 

arabstoday

GMT 15:01 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

من غزو العراق... إلى حرب غزّة

GMT 15:50 2024 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

المغرب وحقوق الإنسان... انتصار طبيعي

GMT 16:04 2024 الأربعاء ,10 كانون الثاني / يناير

البُعد الإيراني للتصرفات الحوثيّة

GMT 10:41 2024 الأحد ,07 كانون الثاني / يناير

حرب من دون أفق سياسي

GMT 09:01 2024 الجمعة ,05 كانون الثاني / يناير

إيران تدخل لبنان حرباً معروفة النتائج!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تقاسم للنفوذ في سوريا… قبل تقسيمها تقاسم للنفوذ في سوريا… قبل تقسيمها



إطلالات متنوعة وراقية للأميرة رجوة في سنغافورة

سنغافورة - السعودية اليوم

GMT 16:48 2024 الثلاثاء ,16 كانون الثاني / يناير

اكتشاف بروتين يحفز إنتاج الدهون الجيدة والتخلص من السمنة

GMT 19:18 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

يتيح أمامك هذا اليوم فرصاً مهنية جديدة

GMT 00:36 2017 الثلاثاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

5 طرق لتنظيف السيراميك والأرضيات من الطبيعة

GMT 16:43 2021 السبت ,13 شباط / فبراير

بناطيل هوت كوتور ربيع 2021 من أسبوع باريس

GMT 12:48 2020 الأربعاء ,15 إبريل / نيسان

جامعة سعودية تتوصل لنتائج تقضى على فيروس كورونا

GMT 13:28 2019 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

عادل عصمت يناقش "الوصايا" في نادي ركن الياسمين

GMT 19:49 2018 الأربعاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

"البيت الأبيض" يُعلن سحب قوات بلاده من سورية

GMT 19:12 2018 الإثنين ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فورد إكسبلورر 2020 الجديدة تظهر بتمويهات خفيفة

GMT 03:54 2018 الخميس ,30 آب / أغسطس

ترشيح أحمد السقا لبطولة فيلم "أشرف مروان"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
alsaudiatoday alsaudiatoday alsaudiatoday
alsaudiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab