المزاج الدرزي

المزاج الدرزي

المزاج الدرزي

 السعودية اليوم -

المزاج الدرزي

بقلم _خير الله خير الله

الذين نزلوا الى الشارع واعترضوا على جبران باسيل، هم في معظمهم شبان لا يسيطر عليهم وليد جنبلاط. هؤلاء يعبرون عن المزاج الحقيقي المهيمن داخل الطائفة الدرزية لا اكثر.

ليس الموضوع في لبنان موضوع فتنة درزية – درزية يوجد من يسعى الى اشعالها، او على الاصحّ الى افتعالها. الموضوع موضوع لبنان ككلّ، ومصير البلد، واحتقان في كلّ شارع وداخل كل طائفة وفي كلّ منطقة.

من لا يعترف بذلك، انّما يحاول تجاوز الواقع بكلّ تعقيداته من اجل حسابات صغيرة تصبّ في مصلحة السلاح غير الشرعي الذي يعاني منه البلد منذ خمسين عاما بالتمام والكمال. صار عمر اتفاق القاهرة نصف قرن. وُقّع الاتفاق بين تياسر عرفا رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية وقائد الجيش اللبناني وقتذاك اميل البستاني في خريف العام 1969. لم يأبه العماد البستاني بالنتائج التي تترتب علي مثل هذا الاتفاق. هناك في كلّ وقت نوع من العمى السياسي لدى معظم زعماء المسيحيين في لبنان تفسّره تلك الرغبة في الوصول الى رئاسة الجمهورية بايّ ثمن كان... حتّى لو كان ذلك بفضل بندقية "حزب الله".

لنكن واقعيين. رحل السلاح الفلسطيني صيف العام 1982، ليحلّ مكانه شيئا فشيئا سلاح "حزب الله" الايراني وصولا الى مرحلة صار فيها هذا الحزب يحدّد من هو رئيس جمهورية لبنان، الذي يفترض ان يكون مسيحيا من الطائفة المارونية.

ليس الاشكال الذي حصل في قبرشمون وكفرمتّى، وهما بلدتان في منطقة عالية في الجبل اللبناني، سوى دليل آخر على المدى الذي بلغه الاحتقان. تسبب في الاشكال رئيس "التيّار الوطني الحر"، وزير الخارجية جبران باسيل، الذي يجيد خطابا يثير الغرائز المسيحية في أوساط الجهلة من أبناء الطبقة الدون متوسطة. يقوم هذا الخطاب على بيع المسيحيين الاوهام وجعلهم يعتقدون انّ في استطاعتهم استعادة موقع الطائفة المتميّزة في لبنان من منطلق ان لبنان خلق أصلا من اجل المسيحيين فيه.

في الأصل، لم يكن من اعتراض درزي على زيارة يقوم بها باسيل لقبرشمون وكفرمتّى، بل هناك مشكلة تسبب بها رئيس "التيّار الوطني الحر" عندما استفزّ الدروز، باكثريتهم الساحقة، عن طريق خطاب يعيد الى الذاكرة معارك حصلت في منطقة عالية في ثمانينات القرن الماضي او احداث 1860. خرج المسيحيون الخاسر الأكبر من معارك ثمانينات القرن الماضي وجرى تهجير العدد الأكبر منهم من بلداتهم التي كان فيها تعايش مشترك مع الدروز. كانت كفرمتّى مسرحا لجرائم ارتكبت في حقّ الدروز ما لبثت ان ارتدّت على المسيحيين وصولا الى يوم تحقيق المصالحة التاريخية في الجبل بين الزعيم الدرزي وليد جنبلاط والبطريرك نصرالله صفير، الرجل العاقل الذي اعترض دائما على اللجوء الى السلاح والكلام الغوغائي. كانت المصالحة في الثالث من آب – أغسطس 2001 عندما ذهب البطريرك الماروني الى المختارة لطيّ صفحة اليمة.

لا يسعى جبران باسيل حاليا الى خطاب شعبوي، يثير الغرائز، من اجل استمالة المسيحيين فحسب، بل يعتقد أيضا ان دخوله كفرمتّى وقبرشمون هو اختراق للوسط الدرزي أيضا. اكثر من ذلك، يظنّ انّ مثل هذا الاختراق يؤكد القدرة على إيجاد زعامة درزية أخرى غير زعامة وليد جنبلاط. الأكيد انّه يفعل ذلك من اجل اثبات انّه زعيم مسيحي وان من حقّه احتكار كل التعيينات الإدارية مسيحيا وان تكون له حصّة في التعيينات السنّية وأخرى في الوسط الدرزي. اكثر من ذلك يهيّئ نفسه ليكون الرئيس المقبل للبنان من منطلق انهّ المسيحي الأقوى وان لا وجود لزعامات مسيحية أخرى.

نظريا، هذا الكلام صحيح. عمليا، ليست لهذا الكلام علاقة من قريب او بعيد بالواقع. ليست الجهود الهادفة الى اختراق الطائفة الدرزية سوى امتداد لنهج سياسي واضح. مطلوب، بكل بساطة، الغاء وليد جنبلاط الذي تصدّى على مراحل للهيمنة السورية على لبنان ثم للهيمنة الايرانية. هناك من يحاول في 2019 تحقيق ما عجز عن تحقيقه سلاح "حزب الله" من خلال غزوة بيروت والجبل في ايّار – مايو من العام 2008. استطاع الجبل الدرزي الوقوف في وجه "حزب الله"، لكنّ المحاولات الهادفة الى اخضاع دروز لبنان مستمرّة، وهي تترافق في هذه المرحلة مع محاولات اخضاع دروز سوريا الذين رفضوا، في معظمهم، الانضمام الى الحرب ذات الطابع المذهبي التي يخوضها بشّار الأسد ونظامه مع الشعب السوري. لا يمكن تجاهل ما تعرّض له دروز سوريا قبل سنة على يد "داعش" من خطف وتنكيل. تبيّن مع مرور الوقت ان "داعش" ليس، من خلال الاعتداء على الدروز السوريين، سوى احدى واجهات النظام السوري، مع الذين يقفون خلفه من ميليشيات مذهبية تابعة لإيران.

يفترض في كل مسيحي لبناني ان يأخذ في الاعتبار انّ أي اضعاف للدروز هو اضعاف له. اذا كان مطلوبا الدخول في تعقيدات حرب الجبل وشرق صيدا التي انتهت بتهجير المسيحيين من مناطق عدّة في العامين 1983 و1984، فذلك يعني السعي الى الدخول في لعبة لا طائل منها. هناك مسؤولية تقع على الميليشيات المسيحية التي اجتاحت الجبل الدرزي في وقت كان الإسرائيليون ما زالوا في لبنان... وهناك مسؤولية يتحمّلها الجانب الدرزي الذي اختار الانتقام بطريقة عشوائية من كلّ مسيحي في المنطقة.

من يريد العودة الى الماضي، انّما يريد العودة الى الدوران في حلقة مقفلة. انّه دوران لا يمكن ان يخرج منه المسيحيون سوى خاسرين نظرا الى انّ مصلحتهم تكمن اوّلا وأخيرا في علاقات متوازنة مع كلّ الطوائف الأخرى وذلك تفاديا للوقوع في لعبة "حزب الله". في النهاية، ما مصلحة المسيحي اللبناني في ان يكون الدرزي ضعيفا؟ ما مصلحة المسيحي في استعادة حقوقه بسلاح "حزب الله"؟ جرّب السنّة قبله، كذلك الدروز، تحقيق مكاسب في الداخل اللبناني بفضل السلاح الفلسطيني. ماذا كانت النتيجة؟

من الأفضل في هذه المرحلة التعلّم من تجارب الماضي القريب والاستفادة منها. لعلّ اهمّ ما يبدو ضروريا تعلّمه انّ المشكلة الأساسية في لبنان في هذه المرحلة هي مشكلة سلاح "حزب الله" الذي يدمّر يوميا مؤسسات الدولة اللبنانية او ما بقي من هذه المؤسسات.

الأكيد ان وليد جنبلاط ليس قدّيسا. ارتكب أخطاء كثيرة في الماضي. سيرتكب أخطاء أخرى في المستقبل نظرا الى ان وضعه ووضع طائفته ليسا على ما يرام، لا في لبنان ولا في سوريا. لكنّ ذلك لا يمنع الاعتراف بانّ عملية تزوير كبيرة يمارسها حاليا بعض الصغار الذين لا يريدون فهم امرين. الامر الاوّل ان الأكثرية الدرزية، وهي أكثرية ساحقة، مع وليد جنبلاط، بحسناته وسيئاته. الامر الثاني ان الذين نزلوا الى الشارع واعترضوا على جبران باسيل، هم في معظمهم شبان لا يسيطر عليهم وليد جنبلاط، بل انّ هؤلاء يعبرون عن المزاج الحقيقي المهيمن داخل الطائفة الدرزية لا اكثر... وهذا المزاج موجود بغض النظر عمّا اذا كان وليد جنبلاط معه او ضدّه!

 

arabstoday

GMT 09:20 2020 السبت ,06 حزيران / يونيو

أخبار المتزوجين

GMT 09:15 2020 السبت ,06 حزيران / يونيو

أخبار من ايران وغيرها

GMT 05:49 2020 السبت ,06 حزيران / يونيو

«قيصر» يقتحم أبوابكم!

GMT 04:28 2020 السبت ,06 حزيران / يونيو

3 سنوات قطيعة

GMT 04:19 2020 السبت ,06 حزيران / يونيو

مسكين صانع السلام

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المزاج الدرزي المزاج الدرزي



إطلالات متنوعة وراقية للأميرة رجوة في سنغافورة

سنغافورة - السعودية اليوم

GMT 16:48 2024 الثلاثاء ,16 كانون الثاني / يناير

اكتشاف بروتين يحفز إنتاج الدهون الجيدة والتخلص من السمنة

GMT 10:54 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 09:30 2016 الأربعاء ,11 أيار / مايو

لازم يكون عندنا أمل

GMT 05:34 2020 الثلاثاء ,28 إبريل / نيسان

"قبعات التباعد" سمحت بعودة الدراسة في الصين

GMT 11:29 2020 الخميس ,05 آذار/ مارس

أعمال من مجموعة «نجد» تعرض في دبي 9 الجاري

GMT 14:43 2017 الخميس ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح من أجل محاربة الأرق عن طريق الوجبات الخفيفة

GMT 18:25 2016 الثلاثاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

معين شريف يهاجم راغب علامة عبر قناة "الجديد"

GMT 04:58 2012 الخميس ,06 كانون الأول / ديسمبر

سلوى خطاب بائعة شاي في"إكرام ميت"

GMT 03:32 2016 الإثنين ,04 كانون الثاني / يناير

جيسيكا هيلز ستعتزل في 2017 لتتفرَّغ لإنجاب طفل آخر

GMT 11:22 2012 الثلاثاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

تفاصيل سرية تنشر للمرة الأولى بشأن اغتيال الشيخ أحمد ياسين

GMT 15:55 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

ارتفاع عدد ضحايا العدوان الإسرائيلي علی غزة إلى 24448 شهيدًا

GMT 17:10 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

مواطنة من فئة الصم تحصل على درجة الماجستير من أمريكا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
alsaudiatoday alsaudiatoday alsaudiatoday
alsaudiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab