تشرف السنة 2023 على نهايتها، فيما حرب غزّة مستمرّة. لا تقتصر المخاطر الناجمة عن حرب غزّة على الوضع الفلسطيني فحسب، بل هناك أسئلة كثيرة محورها تأثير هذه الحرب على المملكة الأردنيّة الهاشميّة أيضاً. واجه الأردن في الماضي تحديات شكلت تهديداً مباشراً له. ليس ما يشير إلى أنّه سيكون عاجزاً عن مواجهة تحديات حرب غزّة وما بعد حرب غزّة على الرغم من كل التعقيدات التي يمرّ فيها الشرق الأوسط وعلى الرغم من الحلف غير المقدس بين قوى التطرف، أكانت إسرائيلية أو عربيّة أو إيرانية المنشأ والهوى...
يفسّر هذا التأثير لحرب غزّة على الإقليم مدى الاهتمام الأردني، الذي يعبّر عنه يومياً الملك عبدالله الثاني، في التوصّل إلى وقف للنار يكون خطوة أولى في اتجاه جعل الحل السياسيّ يحلّ مكان الحل العسكريّ الذي يتمسّك به بنيامين نتنياهو ولا يرى غيره.
إذا كان من خلاصة يمكن التوصل إليها، على الرغم من كلّ المآسي الناجمة عن ردّ الفعل المبالغ فيه لإسرائيل على ما قامت به «حماس»، فإن هذه الخلاصة في أن لا وجود لحل عسكري لدى التعاطي مع الموضوع الفلسطيني، بما في ذلك موضوع غزّة.
لا يمكن للقوة العسكريّة الإسرائيلية، بكلّ جبروتها، الانتصار على القضيّة الفلسطينيّة. لا لشيء سوى لأن هذه القضيّة قضيّة شعب موجود بقوّة على الخريطة السياسيّة للمنطقة.
وحدها السياسة تمثل ردّاً على «طوفان الأقصى» الذي ترك انعكاساته على كلّ الصعد بما يتجاوز منطقة الشرق الأوسط ومحيطها القريب. شئنا أم أبينا، هناك مستفيدان كبيران من حرب غزّة ومن استمرارها هما إيران وروسيا.
لم تكن إيران يوماً بعيدة عمّا حصل في غزّة، في ضوء علاقتها العضوية بـ«حماس»... بغض النظر عمّا إذا كانت طهران على علم بالموعد المحدد لهجوم «طوفان الأقصى» أم لا.
لا يمكن تجاهل أن الرئيس فلاديمير بوتين يعتبر من بين الرابحين من حرب غزّة، خصوصاً أن التركيزين الأميركي والأوروبي ابتعدا، ولو ضمن حدود، عن حرب أوكرانيا.
مع استمرار حرب غزّة، يستطيع بوتين متابعة المجزرة التي يرتكبها في أوكرانيا، كما تستطيع «الجمهوريّة الإسلاميّة» متابعة مشروعها التوسّعي عبر تعزيز مواقعها في العراق وسورية ولبنان... واليمن.
ترتكب إسرائيل المجزرة تلو الأخرى بعدما سهلت لها «حماس» ذلك في السابع من أكتوبر الماضي. يومذاك، شنت الحركة هجوماً على مستوطنات إسرائيلية أسفرت عن مقتل نحو 1200 شخص وأسر عشرات الإسرائيليين. مازال نحو 150 من هؤلاء رهائن لدى الحركة.
لم يكن ما حدث أمراً عادياً. يعود ذلك إلى أن إسرائيل لم تتعرّض يوماً منذ قيامها في العام 1948 لمثل هذه الضربة التي هزت كيانها.
من الآن، يمكن التساؤل هل تستطيع إسرائيل أن تقوم مجدداً بعد كلّ الذي تعرّضت له على يد «حماس»، أو على الأصحّ على يد الثنائي محمّد ضيف - يحيى السنوار.
يبدو أنّ الثنائي اتخذ القرار بشن هجوم «طوفان الأقصى»، بعد الإعداد له إعداداً جيّداً، مع حرص على إخفاء الموعد المحدد عن «حماس» الخارج خشية تسريب أي معلومات عن العملية.
لا يستطيع تطرفان، تطرّف «حماس» ومن يقف خلفها في المنطقة، وتطرّف إسرائيل من صنع سلام واستقرار. يفرض وجود هذين التطرفين في ظلّ سلطة وطنيّة عاجزة الاستماع إلى لغة العقل، وهي لغة الصوت الأردني ولغة كلّ من يدعو إلى وقف النار فوراً تمهيداً لمباشرة البحث عن حلّ سياسي.
الجميع في مأزق. إسرائيل في مأزق، كذلك «حماس». لم يدرك الرجلان اللذان وقفا خلف «طوفان الأقصى» أنّ لا فائدة من هجوم من هذا النوع في غياب أي أفق سياسي.
لا تدرك إسرائيل في الوقت ذاته أنّ لا فائدة من تدمير غزّة ما دامت لا تعرف ما الذي ستفعله في اليوم التالي وهل القضاء على غزّة سيقضي على «حماس».
لعلّ أخطر ما يحدث حالياً في ضوء الردّ الإسرائيلي الوحشي على«طوفان الأقصى»التدمير الممنهج لغزّة حتّى تصبح أرضاً طاردة لأهلها.
تكشف عمليّة تدمير غزّة الهدف الإسرائيلي الذي لا علاقة له بالواقع. يتمثّل هذا الهدف في الانقضاض لاحقاً على الضفّة الغربيّة لتهجير أهلها.
من الواضح أنّ«بيبي»الذي يكنّ عداء للأردن لا يعرف شيئاً عن المنطقة ولا عن أهمّية المملكة الأردنيّة الهاشمية التي كانت دائماً حجر زاوية للاستقرار في الشرق الأوسط وحتّى في الخليج.
يبدو بعض التواضع الإسرائيلي ضرورياً لتفادي مزيد من الكوارث في المنطقة. هل يدرك رئيس الوزراء أن إصراره على متابعة حرب غزّة يخدم المشروع التوسّعي الإيراني الذي غالباً ما شكا منه وادّعى محاربته؟
هل يدرك أن متابعته هذه الحرب تخدم«الجمهوريّة الإسلاميّة»حليفة«حماس»التي تمارس كلّ أنواع الضغط على الأردن عبر ميليشيات موجودة في العراق وعبر تهريب السلاح والمخدرات من جنوب سورية؟
يواجه الأردن تحديات كبيرة وخطيرة في آن. لا يمكن الاستخفاف بقدرته على المقاومة سياسياً وحتّى عسكرياً. إسرائيل نفسها تدرك ذلك وتدرك على وجه التحديد أن مستقبل«بيبي» نتنياهو صار خلفه وأن من إسباب فشله سياسياً عسكرياً وأمنياً العداء القديم المتجذر لديه للإردن والجهل بمدى أهميته...