زواج مصلحة في اليمن

زواج مصلحة في اليمن

زواج مصلحة في اليمن

 السعودية اليوم -

زواج مصلحة في اليمن

بقلم : خير الله خير الله

لا يمكن الاستخفاف بالكلمة الأخيرة لعلي عبدالله صالح ومضمونها. كذلك لا يمكن الاستخفاف بالأسئلة التي تثيرها. في مقدم هذه الأسئلة مستقبل العلاقة بينه وبين الحوثيين وإلى متى تتسع صنعاء لهما معا. هناك زواج مصلحة في الوقت الراهن لا أكثر ولا أقل.

من يستمع إلى الكلمة التي ألقاها الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح في الثلاثين من الشهر الماضي، أي قبل أيّام قليلة، يتأكد من أنّ المفاوضات مع وفد “الشرعية”، التي استضافتها الكويت، لم تعد مجدية. أقلّه من وجهة نظره.

توحي الكلمة بكل بساطة بأن لا فائدة من أيّ مفاوضات يمنية ـ يمنية، نظرا لأن هناك طرفا واحدا بات يعتبر أنه يمثل اليمن من الآن فصاعدا. هذا الطرف هو الحلف القائم بين علي عبدالله صالح و”أنصار الله” والذي توّج بتوقيع الاتفاق في شأن المجلس السياسي الأعلى.

أراد علي عبدالله صالح، الذي تحدث في لقاء مع قياديي حزبه (المؤتمر الشعبي العام)، القول إن المخرج يكون بصفقة تاريخية مع “الشقيقة الكبرى” المملكة العربية السعودية على غرار تلك “المصالحة” التي عقدت في العام ألف وتسعمئة وسبعين بعد سلسلة مفاوضات معها.

جاءت تلك “المصالحة” بعد حروب داخلية يمنية استمرت ما يزيد على سبع سنوات بين الملكيين والجمهوريين وانتهت باستضافة السعودية آل حميد الدين وأنصارهم، فيما سمح لمواطنين آخرين، كانوا يقفون إلى جانب الأسرة التي حكمت اليمن طويلا في عهد الإمامة، بالعودة إلى البلد الذي صار اسمه الجمهورية العربية اليمنية (اليمن الشمالي).

هل يمكن أن يشكل طرح الرئيس السابق مخرجا من الطريق المسدود الذي بلغته المفاوضات اليمنية ـ اليمنية في ظل جمود على الصعيد العسكري، خصوصا بعدما تبيّن أن ليس في استطاعة أيّ طرف تغيير الوضع الذي استقرت عنده الخطوط التي تفصل بين الجانبين، إن في محيط صنعاء أو في تعز نفسها وحتى في مأرب. يمكن أن تحصل استفزازات للسعودية عند نقاط حدودية معيّنة.

يمكن أيضا أن تحصل بعض الحوادث ذات الطابع المذهبي أو المناطقي مثل تلك التي ارتكبها السلفيون قرب تعز أو الحوثيون في البيضاء أو ما حدث من طرد لشماليين من عدن. لم يتغيّر شيء على الأرض منذ أشهر عدة، خصوصا بعدما تبيّن أن الرهان على الإخوان المسلمين من أجل تغيير الخريطة التي استقرت عندها خطوط وقف النار ليس في محله.

لا شكّ الكلمة التي ألقاها رئيس “المؤتمر الشعبي العام” مدروسة بعناية كبيرة، علما أنّها لم تأخذ في الاعتبار أنّ هناك يمنا جديدا قام منذ العام 1970. فما يمكن وصفه بـ”مصالحة”، وقتذاك، كان بين السعودية والشمال وبين أهل الشمال أنفسهم، كما كان اعترافا من المملكة العربية السعودية بقيام نظام جديد في اليمن الشمالي، في حين كانت هناك دولة مستقلة في الجنوب استقلّت في العام 1967. الأهمّ من ذلك كلّه، أنّ الوضع اليمني تغيّر كليا منذ العام 2011. هذا ليس عائدا فقط إلى الوحدة التي تحققت في العام 1990، بمقدار ما أنّه عائد إلى الصراع الذي دار داخل أسوار صنعاء والذي انتهى باستقالة علي عبدالله صالح وتسليمه الرئاسة إلى “رئيس انتقالي” هو نائبه عبدربّه منصور هادي.

من حق الرئيس السابق التشكيك في شرعية “الرئيس الانتقالي” الذي لم يكن مقررا، استنادا إلى المبادرة الخليجية، أن يبقى في موقعه غير سنتين. لكنّ السؤال الذي يفرض نفسه لا يزال هل في الإمكان حكم اليمن من صنعاء، لا لشيء سوى لأنّ الحوثيين (أنصار الله) قبلوا الدخول في شراكة مع علي عبدالله صالح والتخلي عن “الإعلان الدستوري” الذي نادوا به بعد احتلالهم العاصمة اليمنية في الحادي والعشرين من أيلول ـ سبتمبر 2014؟

قبل العام 2011، عندما استغل الإخوان المسلمون الانتفاضة التي قام بها شبان يمنيون صادقون على الحكم القائم في إطار “الربيع العربي”، كي يتخلصوا من نظام علي عبدالله صالح، كان اليمن يحكم من صنعاء.

بعد سقوط الصيغة التي كانت تحكم اليمن، صار الصراع على السلطة يدور داخل أسوار صنعاء. لا يزال هذا الصراع داخل أسوار صنعاء قائما بعدما حلّ الحوثيون في العاصمة مكان الإخوان المسلمين.

استخدم علي عبدالله صالح عبارة “الشقيقة الكبرى” مرات عدة لدى تطرّقه إلى المملكة العربية السعودية ولكن بعد شنّه هجوما عنيفا عليها بسبب “عاصفة الحزم” متجاهلا مقدمات هذه العملية العسكرية، بما في ذلك الاتفاقات التي عقدها “أنصار الله” مع إيران بعد احتلالهم للعاصمة والمناورات العسكرية التي أجروها على الحدود السعودية.

يمكن أن يكون الرئيس السابق مدفوعا بالرغبة في الخروج من الأزمة العميقة التي يعيشها اليمن. يسعى إلى تصوير نفسه بالقادر على طرح حلول وتقديم كلّ الضمانات المطلوبة للمملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي. لكنّ ذلك لا يمنع من طرح سلسلة من الأسئلة تستند إلى أن اليمن في العام 2016 ليس يمن مرحلة ما بين 1962 و1970. صحيح أن الحكمة دفعت آل حميد الدين إلى التزام حدود معيّنة في تلك المرحلة، لكنّ الصحيح أيضا أن كلّ شيء في اليمن مختلف الآن.

هناك قبل كلّ شيء سؤال مرتبط بطبيعة العلاقة بين علي عبدالله صالح نفسه والحوثيين. الرجل ليس أيديولوجيا، بل هو براغماتي إلى أبعد حدود البراغماتية ومستعد لعقد كل أنواع الصفقات في الأوقات التي تناسبه. في المقابل إن الحوثيين أصحاب عقيدة ولديهم أجندة لا علاقة لها من قريب أو بعيد بأجندة علي عبدالله صالح وذلك على الرغم من وجود خدمات متبادلة بين الجانبين في هذه المرحلة.

في ظلّ توازن القوى القائم على الأرض وغياب القيادات القادرة على اتخاذ قرارات كبيرة، لا مجال لمفاوضات يمنية ـ يمنية مثمرة. هناك بالفعل حاجة إلى تجاوز المفاوضات اليمنية ـ اليمنية، علما أنّ طبيعة العلاقة بين الرئيس السابق و”أنصار الله” ليست واضحة.

الأمر الوحيد الواضح أن طبيعة العلاقة بين الحوثيين وإيران أعمق بكثير مما يعتقد. ليس كافيا تلميح علي عبدالله صالح إلى أن إيران لم تدعم الحوثيين سوى عن طريق الإعلام وانتقادها بشكل مبطّن كي يقتنع، من عليه أن يقتنع، بأن الدور الإيراني في اليمن هامشي وأن لا طموحات إيرانية في اليمن ولا رغبة في استغلاله في عملية زعزعة الاستقرار الخليجي وتهديد المملكة العربية السعودية. أكثر من ذلك، هل يمكن القول إن علي عبدالله صالح قادر على تقديم الضمانات التي تحدّث عنها في كلمته؟

نعم، لم يكن هناك في يوم من الأيّام فارق بين شافعي وزيدي في اليمن. ولكن هل لا يزال ذلك هو الوضع القائم في ضوء التحولات التي شهدها قسم من الزيود على يد “أنصار الله”؟

يبقى السؤال الأهمّ. هذا السؤال يفرض نفسه نظرا إلى أن الرئيس السابق شدّد غير مرّة في كلمته على الوحدة اليمنية وعلى أن هذه الوحدة كانت موجودة دائما، حتّى عندما كان الجنوب مشيخات وسلطنات وتحت الحكم البريطاني. هل رهانه على الوحدة في مكانه في بلد تشظّى. لم يعد ممكنا في أيّ شكل إعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل الوحدة، أي عندما كان هناك شمال وجنوب ودولتان مستقلتان، كما لا يمكن استعادة دور صنعاء قبل العام 2011.

على الرغم من ذلك كلّه، لا يمكن الاستخفاف بالكلمة الأخيرة لعلي عبدالله صالح ومضمونها. كذلك لا يمكن الاستخفاف بالأسئلة التي تثيرها. في مقدّم هذه الأسئلة مستقبل العلاقة بينه وبين الحوثيين وإلى متى تتسع صنعاء لهما معا. هناك زواج مصلحة في الوقت الراهن لا أكثر ولا أقلّ. إلى متى يدوم هذا الزواج بين عقائديين من جهة وشخص أبعد ما يكون عن كلّ العقائد وكل ما هو عقائدي من جهة أخرى؟ إلى متى يدوم هذا الزواج وهل يمكن البناء عليه؟

arabstoday

GMT 15:01 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

من غزو العراق... إلى حرب غزّة

GMT 15:50 2024 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

المغرب وحقوق الإنسان... انتصار طبيعي

GMT 16:04 2024 الأربعاء ,10 كانون الثاني / يناير

البُعد الإيراني للتصرفات الحوثيّة

GMT 10:41 2024 الأحد ,07 كانون الثاني / يناير

حرب من دون أفق سياسي

GMT 09:01 2024 الجمعة ,05 كانون الثاني / يناير

إيران تدخل لبنان حرباً معروفة النتائج!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

زواج مصلحة في اليمن زواج مصلحة في اليمن



إطلالات متنوعة وراقية للأميرة رجوة في سنغافورة

سنغافورة - السعودية اليوم

GMT 16:48 2024 الثلاثاء ,16 كانون الثاني / يناير

اكتشاف بروتين يحفز إنتاج الدهون الجيدة والتخلص من السمنة

GMT 19:18 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

يتيح أمامك هذا اليوم فرصاً مهنية جديدة

GMT 00:36 2017 الثلاثاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

5 طرق لتنظيف السيراميك والأرضيات من الطبيعة

GMT 16:43 2021 السبت ,13 شباط / فبراير

بناطيل هوت كوتور ربيع 2021 من أسبوع باريس

GMT 12:48 2020 الأربعاء ,15 إبريل / نيسان

جامعة سعودية تتوصل لنتائج تقضى على فيروس كورونا

GMT 13:28 2019 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

عادل عصمت يناقش "الوصايا" في نادي ركن الياسمين

GMT 19:49 2018 الأربعاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

"البيت الأبيض" يُعلن سحب قوات بلاده من سورية

GMT 19:12 2018 الإثنين ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فورد إكسبلورر 2020 الجديدة تظهر بتمويهات خفيفة

GMT 03:54 2018 الخميس ,30 آب / أغسطس

ترشيح أحمد السقا لبطولة فيلم "أشرف مروان"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
alsaudiatoday alsaudiatoday alsaudiatoday
alsaudiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab