الأكراد يعيدون رسم خريطة المنطقة

الأكراد يعيدون رسم خريطة المنطقة

الأكراد يعيدون رسم خريطة المنطقة

 السعودية اليوم -

الأكراد يعيدون رسم خريطة المنطقة

بقلم : خير الله خير الله

جرى الاستفتاء الكردي. هذا حدث تاريخي على صعيد الشرق الأوسط كلّه، لكنّه لا يعني أن الدولة الكردية المستقلّة ستبصر النور غدا. لا تزال الطريق أمام قيام الدولة الكردية المستقلة شائكا، لكنّ الأكراد يجدون أن من الأفضل لهم التفاوض مع الحكومة المركزية في بغداد من موقع قوّة، أي بعد إجراء الاستفتاء، هذا إذا كان في بغداد من يريد بالفعل التفاوض.

كان صعبا تصوّر مسعود البارزاني يصمد في مواجهة الضغوط التي تعرّض لها من أجل تأجيل الاستفتاء على الاستقلال الكردي. لكنّ البارزاني صمد، على الرغم من تقديم تنازلات تتناول ملف كركوك الشائك. حرص على القول إن الاستفتاء “خطوة أولى لشعب يريد الاستقلال” كما أن الاستفتاء لا يعني رسم حدود الدولة الكردية. أين ستكون كركوك في حال استقلّت كردستان؟

تكمن صعوبة القرار الذي اتخذه رئيس إقليم كردستان والقاضي بالتمسك بموعد الاستفتاء في حجم الضغوط ونوعية الأطراف التي مارستها. ليس سهلا الاستخفاف بالمعارضة التركية لخطوة البارزاني، خصوصا بعد اعتبار أنقرة، على أعلى المستويات، أن مثل هذه الخطوة تهدّد “الأمن الوطني” لتركيا. ليس سهلا أيضا رفض الرضوخ للضغوط الإيرانية التي تحمل في طياتها تهديدا بترك “الحشد الشعبي”، أي الميليشيات المذهبية العراقية التي في إمرة طهران، يدخل في مواجهة مع قوات “البيشمركة”.

فوق ذلك كلّه، جاء الموقف السلبي للإدارة الأميركية من الاستفتاء. يعكس الموقف الأميركي المفاجئ غيابا لأي استراتيجية لواشنطن في الشرق الأوسط والخليج وحالا من الضياع لم يبددها الخطاب الأخير للرئيس دونالد ترامب في الأمم المتحدة. لا شكّ أن الولايات المتحدة لعبت أيضا دورا في دفع مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إلى أن يتخذ موقفا معارضا للاستفتاء.

كان الموقف الطبيعي لرئيس إقليم كردستان في ظلّ هذه الضغوطات والتهديدات التراجع في انتظار أيام أفضل يمكن فيها تمرير الاستفتاء في ظلّ نوع من التواطؤ الدولي والإقليمي. لكنّ مسعود البارزاني لم يعد يمتلك مثل هذا الخيار لسببين على الأقلّ. الأوّل أن تأجيل الموعد سيعني انتحارا سياسيا بالنسبة إليه، بل بالنسبة إلى كلّ ما يمثله مع أفراد عائلته وعشيرته على الصعيد الكردي. أمّا السبب الثاني، فهو عائد أساسا إلى أنّه ليس معروفا هل ستتوفر في يوم من الأيّام ظروف أفضل تسمح بإجراء الاستفتاء الذي أعدّ البارزاني المسرح الكردي له إعدادا جيّدا… أو هكذا يُفترض.

هناك نقاط عدّة تجعل من موقف مسعود البارزاني، الذي خطب في أربيل، قبل ثلاثة أيام من الاستفتاء ليعلن أن لا تراجع عنه، ثم أكد ذلك عشية يوم الاستفتاء، موقفا منطقيا وقويّا ومتماسكا في الوقت ذاته. إنّه موقف منطقي وقوي ومتماسك، على الرغم من ثغرات عدة في طرح مسعود البارزاني، في مقدّمها القنبلة الموقوتة التي اسمها كركوك.

في مقدّم نقاط القوّة لدى مسعود البارزاني أن أي طرف من الأطراف المعترضة على الاستفتاء لم يعط مبررا منطقيا واحدا لتأجيله. حسنا، تأجل الاستفتاء، هل على الأكراد انتظار معطيات جديدة تسمح لهم مجددا بطلب الاستقلال؟ ما هي هذه المعطيات الجديدة، التي ليست متوفّرة اليوم والتي ستتوفّر غدا والتي ستسمح للقوى الإقليمية والدولية بالموافقة على إجراء الاستفتاء الكردي والقبول بنتيجته؟ بكلام أوضح، من يستطيع تحديد موعد مناسب للاستفتاء؟

تعود المشكلة لدى المعترضين على الاستفتاء بكل بساطة إلى أنّ الوضع العراقي لا يسمح لهم بتقديم بديل من الاستفتاء، باستثناء الدعوة إلى التأجيل. هل كان يمكن للتأجيل أن يكون هدفا بحدّ ذاته؟

أكثر من ذلك، هناك من لا يزال متمسّكا بوحدة العراق لتبرير الدعوة إلى تأجيل الاستفتاء، علما أن هذه الوحدة صارت مجرّد نكتة أكثر من أيّ شيء آخر. إنهار العراق عمليا في اليوم الذي قررت فيه الولايات المتحدة تسليمه على صحن من فضّة إلى إيران. لعلّ نقطة القوّة الأساسية، التي تعمل لمصلحة الاستفتاء، أن تجربة الشراكة في السلطة كانت تجربة فاشلة.

بعد العام 2003 وسقوط نظام صدّام حسين، قامت في العراق دولة هشّة سيطرت عليها بشكل تدريجي الميليشيات المذهبية التابعة لأحزاب عراقية تابعة عمليا لإيران. ما لبثت هذه الميليشيات أن تحوّلت إلى ما يسمّى “الحشد الشعبي” الذي يشكل بديلا من المؤسسة العسكرية العريقة. ما لا يمكن تجاهله أن الجيش العراقي تأسّس في العام 1921. ما استطاعت إيران عمله هو تغيير طبيعة هذا الجيش كي لا تقوم له قيامة في يوم من الأيّام من جهة، وكي يكون في كلّ وقت تحت سيطرة “الحشد الشعبي”، تماما كما حال الجيش الإيراني مع “الحرس الثوري” من جهة أخرى.

لم يجد الأكراد مكانا لهم في الدولة الدينية التي أقامتها إيران في العراق، مثلما لم يجدوا مكانا في الماضي عندما حكم البعث العراق بروح تغلب عليها الشوفينية أكثر من أيّ شيء آخر. فضلا عن ذلك، ليس ما يشير إلى أنّ في الإمكان خروج العراق من النفق المظلم الذي دخل فيه وذلك على الرغم من وجود بعض المقاومة للسيطرة الإيرانية. تعبّر عن هذه المقاومة بحياء وخفر أحيانا، وبجرأة في أحيان أخرى، شخصيات مثل رئيس الوزراء حيدر العبادي أو السيّد مقتدى الصدر أو السيّد عمّار الحكيم.

في نهاية المطاف، لم يكن أمام الأكراد من خيار غير الانتقال إلى مرحلة جديدة في الطريق إلى تحقيق حلم الاستقلال. ليس أكيدا أن في استطاعتهم إقامة دولة ناجحة، لكنّ خيارهم الوحيد كان السعي والمحاولة في ضوء الترددات المستمرّة للزلزال العراقي الذي تسببت به إدارة جورج بوش الابن. هناك فرصة لم يكن مسموحا للأكراد تفويتها. لا يتعلّق الأمر بأن ليس في استطاعتهم العيش في ظل الدولة الدينية التي أقامتها إيران في العراق فحسب، بل هناك أيضا غياب لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني، حزب جلال الطالباني. شكل حزب الطالباني، المُقعد حاليا، عامل توازن داخليا مع الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يتزعمّه مسعود البارزاني.

لا يفرض الأكراد واقعا جديدا في العراق فحسب، بل إنهّم يعيدون رسم خريطة المنطقة كلّها أيضا. ما فعلوه هو البداية الحقيقية لإعادة رسم خريطة المنطقة بالمبضع. لن يكون قيام دولتهم المستقلة أمرا سهلا، لكن الأكيد أن الحجج التي ساقها رئيس الوزراء العراقي لتبرير رفضه الانفصال لا قيمة قانونية لها، إضافة إلى أنّها غير واقعية، خصوصا عندما يتحدّث عن “الفساد” في كردستان. الفساد في كردستان نقطة في بحر الفساد العراقي منذ العام 2003.

تكمن المشكلة أساسا في أنّ العبادي، وقبله نوري المالكي، لم يتمكنا من تقديم أي نموذج لدولة “فيديرالية” كان يمكن أن يغري الأكراد، وغير الأكراد، وذلك على الرغم من أنّه لا يمكن في أيّ شكل الاستخفاف بالمشاكل الداخلية والتعقيدات التي يعاني منها الإقليم الذي يحكمه هؤلاء في شمال العراق…

إذا كان هناك فشل لتجربة إقليم كردستان، فهذا الفشل، يبقى محدودا، ولا يقارن مع الفشل الكبير الذي اسمه عراق ما بعد 2003.

 

arabstoday

GMT 15:01 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

من غزو العراق... إلى حرب غزّة

GMT 15:50 2024 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

المغرب وحقوق الإنسان... انتصار طبيعي

GMT 16:04 2024 الأربعاء ,10 كانون الثاني / يناير

البُعد الإيراني للتصرفات الحوثيّة

GMT 10:41 2024 الأحد ,07 كانون الثاني / يناير

حرب من دون أفق سياسي

GMT 09:01 2024 الجمعة ,05 كانون الثاني / يناير

إيران تدخل لبنان حرباً معروفة النتائج!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الأكراد يعيدون رسم خريطة المنطقة الأكراد يعيدون رسم خريطة المنطقة



إطلالات متنوعة وراقية للأميرة رجوة في سنغافورة

سنغافورة - السعودية اليوم

GMT 16:48 2024 الثلاثاء ,16 كانون الثاني / يناير

اكتشاف بروتين يحفز إنتاج الدهون الجيدة والتخلص من السمنة

GMT 19:18 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

يتيح أمامك هذا اليوم فرصاً مهنية جديدة

GMT 00:36 2017 الثلاثاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

5 طرق لتنظيف السيراميك والأرضيات من الطبيعة

GMT 16:43 2021 السبت ,13 شباط / فبراير

بناطيل هوت كوتور ربيع 2021 من أسبوع باريس

GMT 12:48 2020 الأربعاء ,15 إبريل / نيسان

جامعة سعودية تتوصل لنتائج تقضى على فيروس كورونا

GMT 13:28 2019 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

عادل عصمت يناقش "الوصايا" في نادي ركن الياسمين

GMT 19:49 2018 الأربعاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

"البيت الأبيض" يُعلن سحب قوات بلاده من سورية

GMT 19:12 2018 الإثنين ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فورد إكسبلورر 2020 الجديدة تظهر بتمويهات خفيفة

GMT 03:54 2018 الخميس ,30 آب / أغسطس

ترشيح أحمد السقا لبطولة فيلم "أشرف مروان"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
alsaudiatoday alsaudiatoday alsaudiatoday
alsaudiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab