لبنان والأشياء الصغيرة

لبنان والأشياء الصغيرة

لبنان والأشياء الصغيرة

 السعودية اليوم -

لبنان والأشياء الصغيرة

بقلم : خير الله خير الله

ستكون السنة 2017 سنة مهمّة لبلد صغير مثل لبنان يواجه تحدّيات كبيرة ويكافح من أجل تمرير مرحلة التغييرات الكبيرة في الشرق الأوسط. ليس انتخاب رئيس للجمهورية، بغض النظر عن شخص الرئيس، وتشكيل حكومة برئاسة سعد الحريري، بغض النظر عن بعض الوزراء المحسوبين على النظام الأمني السوري ـ اللبناني السعيد الذكر، سوى دليل على وجود إرادة صلبة ونيّة في المقاومة لدى معظم اللبنانيين. تعبّر هذه الإرادة الصلبة عن رغبة في المحافظة على البلد وبقائه مرتبطا بثقافة الحياة أوّلا وأخيرا.

من يزور لبنان هذه الأيّام، يكتشف أنّ هناك إيجابيات معيّنة تحققت على الرغم من الفوضى السائدة في قطاعات كثيرة، بما في ذلك قطاع المواصلات وحركة السير التي تكاد تخنق الناس العاديين. من الواضح أنّ هناك من يرغب في نشر البؤس وتعطيل الحياة الاقتصادية في البلد. لكن الواضح أيضا أنّ هناك من يسعى إلى مد الجسور مع المستقبل، في وقت يبدو مطلوبا تقديم الكثير من التنازلات للحفاظ على ما بقي من مؤسسات الدولة.

هناك حدثان يمكن التوقف عندهما. الأوّل مرور ليلة رأس السنة من دون حوادث تذكر، وذلك بفضل سهر عناصر الجيش والقوى الأمنية التي انتشرت في كلّ مكان. أشرف الرئيس الحريري بنفسه على هذه الترتيبات. زار وزارة الدفاع وزار غرفة العمليات التابعة لقوى الأمن الداخلي في بيروت من أجل التأكّد أن كلّ الإجراءات المطلوبة اتخذت لحماية المواطنين.

أمّا الحدث الثاني، الذي لا بدّ من التوقف عنده أيضا، فهو يتمثّل في ذلك التضامن بين اللبنانيين ردّا على جريمة الملهى الليلي “رينا” في إسطنبول. قتل إرهابي ثلاثة شبان لبنانيين كانوا بين 39 ضحية سقطت ليلة رأس السنة في إحدى أكثر مدن العالم حيوية وتعلّقا بالحياة.

تبيّن أخيرا لأن هناك دولة في لبنان تعمل من أجل أن تكون إلى جانب مواطنيها وأن تلعب دور المعين لهم أينما وجدوا. مرّة أخرى، كان سعد الحريري في استقبال جثامين الضحايا والجرحى في مطار بيروت وذلك تأكيدا لكون اللبنانيين عائلة واحدة، بغض النظر عن الدين والطائفة والمنطقة.

الأمل في أن يبقى هذان الحدثان دافعا للبحث الجدّي في كيفية الاستثمار في المستقبل. مثل هذا الاستثمار ليس ممكنا من دون تحسين الخدمات على كلّ الأراضي اللبنانية، بدءا بجمع النفايات، وصولا إلى جعل الكهرباء تعمل بشكل طبيعي، مرورا طبعا بتحسين شبكة المواصلات ونوعية الطرقات. ليس مسموحا أن تكون بيروت الآمنة، بفضل وزير الداخلية نهاد المشنوق وأجهزة الوزارة، من دون أرصفة وأن تعود فوضى الوقوف الممنوع للسيارات إلى كلّ المدينة، بما في ذلك الوسط التجاري الذي كان في الماضي القريب تجربة رائدة. كان قانون السير يطبّق في الوسط التجاري، لكنّ شيئا ما حدث وتبدّلت الأحوال وصار وقوف السيارات في أماكن ممنوعة وفي صفّين بمثابة أمر عادي تتغاضى عنه قوى الأمن…

إنها أشياء صغيرة. لكنّها في غاية الأهمّية بالنسبة إلى مدينة مثل بيروت تحتاج إلى عودة العرب إليها كي تكون بالفعل عاصمة المنطقة، وليس مجرّد مكان تسوده شريعـة الغاب في مجال تنظيم السير.

إن عدم قدرة المؤسسات اللبنانية على مواجهة التحديات الكبيرة، على رأسها السلاح المذهبي وغير الشرعي لـ“حزب الله” الذي يعطّل الدولة اللبنانية يجب أن لا يحول دون التفكير في الأمور والأشياء الصغيرة انطلاقا من بيروت. فأيّ تجربة ناجحة في بيروت يمكن أن تنقل عندئذ إلى مدن أخرى من بينها طرابلس وصيدا وبعلبك وبقية المناطق. لا شيء أيضا يمنع من استفادة بيروت من تجارب ناجحة مثل تجربة كهرباء زحلة. أين المشكلة في ذلك، أم أن المطلوب منع أي تقدّم في بيروت كي يهاجر أكبر عدد من الشباب اللبناني؟

ليس سرّا أن هناك دائما رغبة في الانتقام من بيروت. كان الانتقام من بيروت من بين الأسباب التي دفعت إلى اغتيال رفيق الحريري في الرابع عشر من شباط – فبراير 2005. لا يزال قسم من شوارع وسط المدينة مغلقا بحجة حماية مجلس النّواب. من يقف وراء هذا القرار؟ لماذا على قسم من اللبنانيين تحمّل هذا الظلم؟ الجواب على مثل هذا النوع من الأسئلة في غاية البساطة. لا شيء يحدث صدفة في لبنان. إن إغلاق قسم من وسط بيروت أمام الناس تتمة للاعتصام الذي يقف وراءه “حزب الله” والذي نفّذ بعد حرب صيف العام 2006. لا تزال هناك خطة تستهدف تهجير أكبر عدد من اللبنانيين من بلدهم. لا يزال مطلوبا نشر البؤس في لبنان وضرب الاقتصاد فيه انطلاقا من بيروت.

نعم، ليس في استطاعة الحكومة الحالية القيام بأشياء كبيرة. هذا لا يحول دون الاهتمام بكلّ ما يمكنه تحسين البنى التحتية والمحافظة على الأمن بغية التمهيد لعودة قسم من السيّاح العرب، خصوصا أهل الخليج، الذين نسوا أن لبنان موجود على خارطة المنطقة والعالم.

مذ انتخاب رئيس للجمهورية ومنذ تشكيل الحكومة، حصل فارق في لبنان. هناك تحسّن طرأ على الوضع. لكنّه ليس تحسّنا كافيا يعيد الحياة إلى البلد ويمنع استمرار هجرة اللبنانيين ويسمح بالتصدي للمشكلة التي تلوح في الأفق، وهي مشكلة اللاجئين السوريين. هذا عائد أساسا إلى أنّه من غير الطبيعي أن يكون لبنانيون يقاتلون في سوريا من منطلق مذهبي، وأن يكونوا شركاء في حرب يتعرّض لها شعب بكامله. مثل هذه الحرب على الشعب السوري تؤدي إلى إلحاق المزيد من الأذى بلبنان واللبنانيين. هذه الحرب على الشعب السوري تخدم “داعش”، وكلّ تلك التنظيمات الإرهابية التي تقتات من الإرهاب الذي يمارسه النظام السوري والذين يدعمونه.

في ظلّ هذه الصورة القاتمة، يظلّ لبنان، الذي يحتاج إلى قانون انتخابي سيكون من الصعب الاتفاق في شأنه، في حاجة إلى الأمل. هذا الأمل توفّره الأشياء الصغيرة التي يبدو العهد الجديد والحكومة الجديدة في وضع القادرين عليها. مثل هذه الأشياء الصغيرة التي يمكن أن تنعش الحياة الاقتصادية وتحسن صورة بيروت والمدن الأخـرى تظلّ أفضل من لا شيء. أكثـر من ذلك، يمكن لهذه الأشياء الصغيرة المساعدة في كسـب الـوقت في انتظـار أيّام أفضل يتبيّن فيها على ماذا سيستقر الشرق الأوسط. عاجلا أم آجلا، ثمّة سؤال سيطرح نفسه بحدّة شديدة: كيف سيكون لبنان بعدما تتفتت سوريا؟ أي دور سيلعبه لبنان في حال بدأت عملية إعمار سوريا بشكلها الجديد؟

إذا كان من إنجاز حقّقه النظام السوري، منذ تفرّد حافظ الأسد بحكم سوريا وتوريثها لنجله بشّار، فهذا الإنجاز يتمثّل في الانتهاء من سوريا التي عرفناها. لماذا لا يحافظ لبنان على مدنه، في مقدّمتها بيروت، ولو عبر أشياء صغيرة لكنّها مهمّة، في وقت هناك خطة واضحة المعالم للانتهاء من كلّ مدينة سورية؟

المصدر صحيفة الحياة

 

arabstoday

GMT 15:01 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

من غزو العراق... إلى حرب غزّة

GMT 15:50 2024 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

المغرب وحقوق الإنسان... انتصار طبيعي

GMT 16:04 2024 الأربعاء ,10 كانون الثاني / يناير

البُعد الإيراني للتصرفات الحوثيّة

GMT 10:41 2024 الأحد ,07 كانون الثاني / يناير

حرب من دون أفق سياسي

GMT 09:01 2024 الجمعة ,05 كانون الثاني / يناير

إيران تدخل لبنان حرباً معروفة النتائج!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لبنان والأشياء الصغيرة لبنان والأشياء الصغيرة



إطلالات متنوعة وراقية للأميرة رجوة في سنغافورة

سنغافورة - السعودية اليوم

GMT 16:48 2024 الثلاثاء ,16 كانون الثاني / يناير

اكتشاف بروتين يحفز إنتاج الدهون الجيدة والتخلص من السمنة

GMT 19:18 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

يتيح أمامك هذا اليوم فرصاً مهنية جديدة

GMT 00:36 2017 الثلاثاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

5 طرق لتنظيف السيراميك والأرضيات من الطبيعة

GMT 16:43 2021 السبت ,13 شباط / فبراير

بناطيل هوت كوتور ربيع 2021 من أسبوع باريس

GMT 12:48 2020 الأربعاء ,15 إبريل / نيسان

جامعة سعودية تتوصل لنتائج تقضى على فيروس كورونا

GMT 13:28 2019 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

عادل عصمت يناقش "الوصايا" في نادي ركن الياسمين

GMT 19:49 2018 الأربعاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

"البيت الأبيض" يُعلن سحب قوات بلاده من سورية

GMT 19:12 2018 الإثنين ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فورد إكسبلورر 2020 الجديدة تظهر بتمويهات خفيفة

GMT 03:54 2018 الخميس ,30 آب / أغسطس

ترشيح أحمد السقا لبطولة فيلم "أشرف مروان"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
alsaudiatoday alsaudiatoday alsaudiatoday
alsaudiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab