الرجل الذي قرر مصيره بنفسه

الرجل الذي قرر مصيره بنفسه

الرجل الذي قرر مصيره بنفسه

 السعودية اليوم -

الرجل الذي قرر مصيره بنفسه

بقلم : خير الله خير الله

لم يكن علي عبدالله صالح بعيدا عن المصير الذي لقيه في الشهر الأخير من السنة 2017. قرّر مصيره بنفسه. قرر بكل بساطة الذهاب إلى النهاية والدخول في مواجهة مع الحوثيين بعدما يئس من الرهان على شراء الوقت. ذهب ضحية اللعبة اليمنية التي أتقن أصولها وقواعدها أكثر من أي يمني آخر.

كان علي عبدالله صالح أكثر يمني يعرف اليمن واليمنيين. لذلك استطاع البقاء في السلطة ثلاثة وثلاثين عاما تحققت خلالها الوحدة بين الشطرين في العام 1990، وهو حلم كان يصعب إيجاد من يصدق بأن في الإمكان تحقيقه يوما. صحيح أن ظروفا إقليمية ودولية، في مقدمها انهيار الاتحاد السوفياتي، ساعدت في تحقيق الوحدة، لكنّ الصحيح أيضا أن علي عبدالله صالح أدار المرحلة التي مهّدت للوحدة بطريقة لا تشوبها شائبة.

يكفي أنه لم يجازف بالتدخل عسكريا في الجنوب بعد ما يسمى “أحداث الثالث عشر من يناير 1986” للتأكد من أنّه كان قادرا في تلك المرحلة على استشراف المستقبل. أدرك أن النظام في الجنوب سقط بعد حصول الصدام بين علي ناصر محمد وخصومه. انتصر هؤلاء الخصوم ولجأ علي ناصر وجماعته، من بينهم عبدربّه منصور هادي، إلى صنعاء. لكن انتصارهم على علي ناصر كان بطعم الهزيمة التي جعلت علي سالم البيض يفرض في نهاية المطاف الوحدة الفورية على رفاقه في الحزب الاشتراكي. أنقذت الوحدة ما بقي من أهل النظام وقضت على النظام الذي كان انهياره في مطلع العام 1986.

ماذا تعني تصفية الحوثيين (أنصار الله) للرئيس اليمني السابق في الرابع من كانون الأوّل – ديسمبر 2017؟ تعني قبل كل شيء أنّ اليمن الذي عرفناه لم يعد قائما.

كان علي عبدالله صالح آخر رئيس لليمن الموحد. لم تعد الوحدة في مصلحة اليمن واليمنيين لسبب واحد على الأقل. يتمثل هذا السبب في أنه لم يعد هناك مركز يمكن أن يدار منه البلد الموحد. كانت لدى علي عبدالله صالح القدرة على إيجاد مصالح مشتركة بين المكونات المختلفة في اليمن، بمن في ذلك قسم من الجنوبيين الذين بقوا تحت جناحه بعد حرب صيف العام 1994 التي أراد الحزب الاشتراكي من خلالها العودة عن الوحدة.

كان قادرا على أن يكون قاسما مشتركا بين تجار تعز الذين يتحكمون بقسم لا بأس به من اقتصاد البلدـ وتاجر سلاح من صعده وبين جشع عدد من الضباط الآتين من سنحان اعتقدوا، خصوصا بعد حرب 1994 أن كلّ ما في اليمن مباح لهم، بما في ذلك الاستيلاء على منازل وأراض في عدن وغيرها من مدن الجنوب.

كان يعرف ما الذي يريده الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، زعيم حاشد الذي توفّي أواخر العام 2007، كما كان يعرف إلى أي حدّ يمكن للشيخ عبدالله الذهاب في المواجهة معه. مع وفاة الشيخ عبدالله، بدأت الصيغة التي كانت من بين ركائز النظام الذي أقامه علي عبدالله صالح تتآكل من الداخل، خصوصا مع بدء السيطرة الكاملة لجناح الإخوان المسلمين على حزب التجمع اليمني للإصلاح، على حساب الجناح القبلي من جهة، وظهور مسألة التوريث من جهة أخرى.

ترافق ظهور هذه المسألة مع الحروب مع الحوثيين التي تخللتها خلافات بين علي عبدالله صالح من جهة، وقريبه اللواء علي محسن صالح الأحمر (نائب رئيس الجمهورية الآن برتبة فريق) من جهة أخرى. جاءت هذه الخلافات في مرحلة صعد فيها نجم أفراد العائلة المباشرة لعلي عبدالله صالح الذين سماهم “فريق عملي” وبناء الحرس الجمهوري كقوّة رئيسية بقيادة نجله العميد أحمد علي.

لم يكن وصول الحوثيين إلى السيطرة على صنعاء سوى نتيجة مباشرة لانهيار الصيغة التي تحكّمت بالبلد طوال ثلاثة وثلاثين عاما استطاع خلالها علي عبدالله صالح إقامة شبكة علاقات داخلية وإقليمية معقّدة تدور حول شخصه قبل أيّ شيء آخر. استطاع خصوصا تهميش القوى الأخرى، بما في ذلك “الإصلاح” والإخوان المسلمين الذين وضعوا رجل الأعمال حميد عبدالله بن حسين الأحمر في الواجهة كي يقولوا إنهم مازالوا يتمتعون بغطاء قبلي من حاشد.

إذا كان من كلمة حقّ تقال، فإن علي عبدالله صالح حقق الكثير لليمن على الصعيديْن الداخلي والخارجي، بما في ذلك إقامة بنية تحتية في الحدّ الأدنى من المواصفات المعتمدة عالميا، وترسيم الحدود مع السعودية بفضل العلاقة الخاصة التي أقامها مع الملك عبدالله بن عبدالعزيز وقبل ذلك مع سلطنة عُمان. كذلك، تصدّى بنجاعة لمحاولات أريتريا وضع اليد على جزيرة حنيش وجزر أخرى في البحر الأحمر.

كان بناء الحرس الجمهوري بالطريقة التي اتبعها نجله خطوة على طريق بناء مؤسسات لدولة حديثة. لم يكن ذلك سهلا في ظل عدم اقتناع علي عبدالله صالح بأهمية التركيز على بناء مدارس ونظام تعليمي حديث، وفي ظل الهجمة التي شنها الإخوان المسلمون من أجل الاستيلاء على السلطة، وهي هجمة بلغت ذروتها في العام 2011 ومحاولة اغتياله في دار الرئاسة يوم الثالث من حزيران – يونيو من تلك السنة.

ذهب علي عبدالله صالح في نهاية المطاف ضحية رغبته في الانتقام من الذين حاولوا اغتياله. هؤلاء تجاهلوا الخطر الحوثي تماما مثلما تجاهله الرئيس الانتقالي عبدربّه منصور هادي الذي أراد تقليد علي عبدالله صالح في اللعب على التوازنات والبقاء في موقع الحاكم بأمره. هذا ما فعله ومارسه علي عبدالله صالح دائما، خصوصا في مرحلة ما بعد الوحدة عندما راح يتفرّج على الصراع بين الحزب الاشتراكي والإخوان المسلمين ممثلين بـ“الإصلاح”.

عندما رفض عبدربّه منصور التصدي للحوثيين في عمران، لم يستوعب معنى النصيحة التي قدّمها له علي عبدالله صالح باستخدام ما لديه من جيش لمنع سيطرتهم على تلك المحافظة ذات الأهمية الإستراتيجية. اعتقد أن لديه ما يمكّنه من ممارسة لعبة قديمة لم يمتلك في أيّ يوم الأدوات التي تسمح له بذلك.

انهار اليمن قبل سيطرة “أنصار الله” على العاصمة في الواحد والعشرين من أيلول – سبتمبر 2014. انهار في 2011 حين انتقل الصراع على السلطة في اليمن إلى داخل أسوار صنعاء.

كان على علي عبدالله صالح أن يغادر اليمن يوم تسليمه السلطة إلى الرئيس الانتقالي بموجب المبادرة الخليجية في شباط – فبراير 2012. اختار البقاء لعل وعسى يستعيد دور الحكَم والحاكم. لم يجد بعد دخول الحوثيين صنعاء فريقا داخليا يلعب ورقته ضدّ الحوثيين. هؤلاء كانوا في كل مكان. كانوا اخترقوا حتّى جهاز الأمن القومي الذي بناه علي عبدالله صالح في مرحلة معيّنة من أجل إيجاد توازن مع الأجهزة الأمنية الأخرى التي كان يسيطر عليها الإخوان المسلمون.

تميّز عهد علي عبدالله صالح بمزاجية كبيرة تحكّمت بالرجل، خصوصا بعد حرب صيف العام 1994. الأكيد أن هذه المزاجية زادت بعد محاولات الاغتيال التي تعرّض لها في 2011. شاهد الموت يومذاك بأم عينيه. ظنّ أنّه سيتغلب عليه دائما. كان شخصا فريدا من نوعه في تاريخ اليمن الحديث. من يراهن على وراثته، إنما يراهن على سراب. لا وجود لجيش يمني موحد بعد اليوم. لا وجود لحزب اسمه “المؤتمر الشعبي العام”. لا وجود لرجال أعمال من تعز أو من مناطق جنوبية يقيمون في صنعاء.

بدأت مرحلة نهاية اليمن الذي عرفناه في 2011. انتهت المرحلة مع تصفية علي عبدالله صالح. الأكيد أن الحوثيين لن يحكموا صنعاء إلى ما لانهاية. هناك من سيخرجهم منها. الأكيد أنّ السؤال المطروح حاليا أي صيغة لليمن الجديد، أو على الأصح كم عدد الدول والكيانات التي ستحلّ مكان اليمن الموحّد؟

arabstoday

GMT 15:01 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

من غزو العراق... إلى حرب غزّة

GMT 15:50 2024 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

المغرب وحقوق الإنسان... انتصار طبيعي

GMT 16:04 2024 الأربعاء ,10 كانون الثاني / يناير

البُعد الإيراني للتصرفات الحوثيّة

GMT 10:41 2024 الأحد ,07 كانون الثاني / يناير

حرب من دون أفق سياسي

GMT 09:01 2024 الجمعة ,05 كانون الثاني / يناير

إيران تدخل لبنان حرباً معروفة النتائج!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الرجل الذي قرر مصيره بنفسه الرجل الذي قرر مصيره بنفسه



إطلالات متنوعة وراقية للأميرة رجوة في سنغافورة

سنغافورة - السعودية اليوم

GMT 16:48 2024 الثلاثاء ,16 كانون الثاني / يناير

اكتشاف بروتين يحفز إنتاج الدهون الجيدة والتخلص من السمنة

GMT 19:18 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

يتيح أمامك هذا اليوم فرصاً مهنية جديدة

GMT 00:36 2017 الثلاثاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

5 طرق لتنظيف السيراميك والأرضيات من الطبيعة

GMT 16:43 2021 السبت ,13 شباط / فبراير

بناطيل هوت كوتور ربيع 2021 من أسبوع باريس

GMT 12:48 2020 الأربعاء ,15 إبريل / نيسان

جامعة سعودية تتوصل لنتائج تقضى على فيروس كورونا

GMT 13:28 2019 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

عادل عصمت يناقش "الوصايا" في نادي ركن الياسمين

GMT 19:49 2018 الأربعاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

"البيت الأبيض" يُعلن سحب قوات بلاده من سورية

GMT 19:12 2018 الإثنين ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فورد إكسبلورر 2020 الجديدة تظهر بتمويهات خفيفة

GMT 03:54 2018 الخميس ,30 آب / أغسطس

ترشيح أحمد السقا لبطولة فيلم "أشرف مروان"

GMT 23:45 2018 السبت ,30 حزيران / يونيو

تعرف على حكم قراءة الفاتحة في "صلاة الجماعة"

GMT 22:30 2017 الجمعة ,22 كانون الأول / ديسمبر

ميلان يبرر تواصل ليوناردو بونوتشي مع كونتي

GMT 00:03 2017 الخميس ,07 كانون الأول / ديسمبر

حقيبة اليد تضيف المزيد من الأناقة للرجل في 2018

GMT 02:50 2016 الإثنين ,10 تشرين الأول / أكتوبر

ياسين الصالحي يتمسك بالطرق القانونية للانتقال إلى "الكويت"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
alsaudiatoday alsaudiatoday alsaudiatoday
alsaudiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab