عشر سنوات على غياب بيار أمين الجميل

عشر سنوات على غياب بيار أمين الجميل

عشر سنوات على غياب بيار أمين الجميل

 السعودية اليوم -

عشر سنوات على غياب بيار أمين الجميل

بقلم : خير الله خير الله

قبل عشر سنوات، بالتمام، اغتيل في إحدى ضواحي بيروت الوزير والنائب اللبناني بيار أمين الجميّل. لم يكن اغتيال هذا السياسي الشاب ذي المستقبل الواعد سوى حلقة في سلسلة من عمليات القتل والتفجير استهدفت إخضاع لبنان وحرمانه من أي شخصيات قادرة على امتلاك صفات معيّنة. في مقدّمة هذه الصفات القدرة على لعب دور إيجابي على الصعيد الوطني، وتوفير مناخ للتلاقي بين اللبنانيين من مختلف الطوائف والمذاهب والمناطق. هذا ما استهدُف الشيخ بيار أمين الجميل من أجله نظرا إلى أنّه كان قادرا على ملء فراغ في الوسط المسيحي. كان قادرا على أن يكون جسرا بين اللبنانيين، خصوصا بعد الدور الذي لعبه في “ثورة الأرز” التي أخرجت القوات السورية من لبنان، وبعد الجهود التي بذلها من أجل إعادة الحياة إلى “حزب الكتائب اللبنانية” الذي أسسه جدّه الذي حمل الحفيد اسمه.

ليس سرّا أن بيار أمين الجميّل كان على علاقة وثيقة بسعد رفيق الحريري. نشأت صداقة بين السياسييْن سمحت بوجود نوع من التكامل بينهما، في وقت كان لبنان يحتاج بشدة إلى مزيد من التنسيق المسيحي-الإسلامي. لا شك أن من بين الأسباب التي دفعت إلى اغتيال بيار أمين الجميّل تلك العلاقة مع سعد الحريري الذي أصيب بكسر في يده بعدما ضرب بها الطـاولة إثر تبلّغه نبأ الجريمة. قبل ذلك، لعب بيار أمين الجميل دورا في استعادة “حزب الكتائب” من براثن النظام السوري الذي وضع على رأس “الكتائب” شخصيات جعلت اللبنانيين يتساءلون هل هذا هو حزب بيار الجميّل فعلا؟ هل لا تزال هناك علاقة تربط الحزب بلبنان السيّد الحرّ المستقلّ؟

لم يخش بيار أمين الجميّل الأجهزة السورية. أعاد بناء “حزب الكتائب” على أسس وطنية تتجاوز الاعتبارات الضيّقة والطائفية والمذهبية والمناطقية، في وقت كان الجنود السوريون ما زالوا في لبنان. وقتذاك، كان الرئيس أمين الجميّل والعماد ميشال عون في المنفى، وكان الدكتور سمير جعجع في السجن، وكان بيار أمين الجميّل يعمل على الأرض. كان من بين أوائل الذين قاوموا الاحتلال السوري بالفعل وليس بمجرّد الكلام… ولا بإثارة الحساسيات أو المعارك الخاسرة سلفا.

كان فقدان بيار أمين الجميّل خسارة لا تعوّض للبنان. صحيح أن حزب الكتائب بقي حيّا يرزق بفضل شجاعة الرئيس أمين الجميّل الـذي عضّ على جرحه. صحيح أيضا أن الشقيق الأصغر الشيخ سامي الجميّل ما لبث أن حمل شعلة إعادة الحياة إلى الحزب كي يبقى له موقعه في الساحة السياسية اللبنانية، لكنّ الصحيح أيضا أنّ بيار أمين الجميّل كان حالة خاصة. لم يكتف باستعادة “حزب الكتائب”. عمل في الوقت ذاته على تطوير الحزب وإعادة تنظيمه وانتشاره على خريطة لبنان كلّه. رفض باختصار التقوقع. الأهمّ من ذلك كلّه أنّه استوعب المرحلة الجديدة التي يمر فيها لبنان، ومن هم الأعداء الجدد للبلد بعد خروج السوري منه وقبل ذلك الخروج الذي دفعت إليه تظاهرة الرابع عشر من آذار. فهم، باكرا، من هم أعداء ثقافة الحياة التي ميّزت لبنان، ومعنى مشروع الإنماء والإعمار وإعادة بيروت على خريطة الشرق الأوسط ومعها لبنان.

هذه الحالة الخاصة التي اسمها بيار أمين الجميّل جعلت منه هدفا لأعداء لبنان الذين أرادوا إحلال وصاية أخرى مكان الوصاية السورية التي انتهت في اليوم الذي اغتيل فيه الرئيس رفيق الحريري في الرابع عشر من شباط – فبراير 2005. كان مطلوبا في كلّ وقت منع التلاقي بين المسيحيين والمسلمين. ولذلك انصبّ الرصاص على بيار أمين الجميل الذي عمل من أجل تحقيق هذا الهدف بدل الدخول في مزايدات رخيصة ذات طابع شعبوي من أجل الحصول على دعم مسيحي مبني على التعصّب وإخراج الغرائز إلى العلن.

كان في استطاعة بيار أمين الجميّل تقديم الكثير للبنان عموما، وللمسيحيين خصوصا. لذلك كان مطلوبا التخلّص منه كي لا تعود هناك جسور بين المسلمين والمسيحيين. هناك حاجة يومية لدى أعداء لبنان لمواجهة مسيحية-إسلامية. هذا ما وعاه بيار أمين الجميّل الذي تطور خطابه السياسي إلى درجة كبيرة في السنوات التي سبقت الجريمة. انتقل من زعيم مسيحي إلى مرحلة صار ممكنا فيها أن يكون زعيما وطنيا بكلّ معنى الكلمة. وكان هذا تطورا جديدا فريدا من نوعه على صعيد حزب مثل “حزب الكتائب اللبنانية” لم يستطع يوما توسيع دائرة الانتماء إليه، خصوصا بعد انخراطه الخاطئ في الحرب اللبنانية عن طريق ميليشيا مسلّحة خاصة به. جعلته هذه الميليشيا، التي كانت جناحه العسكري، في مواجهة مع المسلمين على الرغم من أن الهدف الأصلي من قيامها كان مواجهة التجاوزات الفلسطينية.

سقط بيار أمين الجميّل شهيدا من أجل لبنان كلّه. سار مسلمون ومسيحيون خلف نعشه. جاء اغتياله ليؤكّد أنّ أعداء لبنان يعرفون تماما ماذا يفعلون. استهدفوا مروان حماده في الأول من تشرين الأول – أكتوبر 2004 لأنّه كان يرمز إلى التلاقي بين اللبنانيين، بين العلاقة القائمة بين رفيق الحريري ووليد جنبلاط، وبين وليد جنبلاط و”لقاء البريستول” الذي ما لبث أن انضم إليه ممثل لرفيق الحريري الذي كان بدأ يفهم معنى “لقاء قرنة شهوان” الذي رعاه البطريرك مار نصرالله بطرس صفير، أطال الله عمره.

اختار بيار أمين الجميّل الطريق الصعب. قاوم النظام السوري بذكاء شديد. لم يفقد يوما الأمل. وعندما تحقّق الانسحاب من لبنان، صار قطبا مسيحيا يمتلك امتدادا إسلاميا. لهذا السبب يصعب إيجاد بديل من هذا الرجل الذي كان مطلوبا كسر “حزب الكتائب” عبر الانتهاء منه.

بعد عشر سنوات على اغتيال بيار أمين الجميّل، لا يزال لبنان يقاوم. لا يزال “حزب الكتائب” موجودا. لا يزال هناك لبنانيون يعتبرون أن لا شيء يحدث بالصدفة في بلدهم. لم يكن اغتيال رفيق الحريري صدفة. كان الرجل في حجم بلد. لذلك كان مطلوبا تفجيره من أجل القضاء على البلد، ثمّ على أي مؤسسة ناجحة ترمز إلى لبنان وإلى إمكان قيامه.

لم يكن اغتيال جبران تويني وسمير قصير إلا من أجل التخلّص من جريدة “النهار”. لم يعد التخلصّ من “النهار” مستحيلا في ضوء الأزمة التي تواجه هذه الصحيفة. لم يكن اغتيال جورج حاوي إلا من أجل ثني أي يساري لبناني عن القيام بعملية مراجعة عميقة للذات.

لكلّ شهيد من الشهداء قصة. لكلّ من الشهداء الأحياء مثل مي شدياق وإلياس المرّ، وصولا إلى الشهيد الدكتور محمد شطح، مرورا بوليد عيدو وانطوان غانم ووسام عيد ووسام الحسن قصّة.

يبدو الجامع الوحيد بين قصص الشهداء، شهداء ما كان يعرف بالرابع عشر من آذار، هو الحرب المستمرّة على لبنان التي نعيش حاليا فصلا آخر من فصولها الحزينة. ففي غياب بيار أمين الجميّل، هناك خوف من وجود قوى تعتقد أن ما لم يتحقّق باغتيال رفيق الحريري وباسل فليحان ورفاقهما، واغتيال بقية الشخصيات السياسية والأمنية، يمكن أن يتحقّق بطرق سلمية… أي بالاغتيال السياسي!

 

arabstoday

GMT 15:01 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

من غزو العراق... إلى حرب غزّة

GMT 15:50 2024 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

المغرب وحقوق الإنسان... انتصار طبيعي

GMT 16:04 2024 الأربعاء ,10 كانون الثاني / يناير

البُعد الإيراني للتصرفات الحوثيّة

GMT 10:41 2024 الأحد ,07 كانون الثاني / يناير

حرب من دون أفق سياسي

GMT 09:01 2024 الجمعة ,05 كانون الثاني / يناير

إيران تدخل لبنان حرباً معروفة النتائج!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عشر سنوات على غياب بيار أمين الجميل عشر سنوات على غياب بيار أمين الجميل



إطلالات متنوعة وراقية للأميرة رجوة في سنغافورة

سنغافورة - السعودية اليوم

GMT 16:48 2024 الثلاثاء ,16 كانون الثاني / يناير

اكتشاف بروتين يحفز إنتاج الدهون الجيدة والتخلص من السمنة

GMT 19:18 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

يتيح أمامك هذا اليوم فرصاً مهنية جديدة

GMT 00:36 2017 الثلاثاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

5 طرق لتنظيف السيراميك والأرضيات من الطبيعة

GMT 16:43 2021 السبت ,13 شباط / فبراير

بناطيل هوت كوتور ربيع 2021 من أسبوع باريس

GMT 12:48 2020 الأربعاء ,15 إبريل / نيسان

جامعة سعودية تتوصل لنتائج تقضى على فيروس كورونا

GMT 13:28 2019 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

عادل عصمت يناقش "الوصايا" في نادي ركن الياسمين

GMT 19:49 2018 الأربعاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

"البيت الأبيض" يُعلن سحب قوات بلاده من سورية

GMT 19:12 2018 الإثنين ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فورد إكسبلورر 2020 الجديدة تظهر بتمويهات خفيفة

GMT 03:54 2018 الخميس ,30 آب / أغسطس

ترشيح أحمد السقا لبطولة فيلم "أشرف مروان"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
alsaudiatoday alsaudiatoday alsaudiatoday
alsaudiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab