قمم الرياض… والتصالح مع الواقع

قمم الرياض… والتصالح مع الواقع

قمم الرياض… والتصالح مع الواقع

 السعودية اليوم -

قمم الرياض… والتصالح مع الواقع

بقلم : خير الله خير الله

ليس انعقاد القمم الثلاث في الرياض سوى تأكيد لوجود نيّة في الخروج من أسر الماضي وعقده وتسمية الأشياء بأسمائها. لا يجوز أن تتغيّر المنطقة بالطريقة التي تغيّرت بها وأن يبقى الخطاب السياسي العربي على حاله.

تكمن مشكلة العالم العربي، في جانب منها طبعا، في أنّ الخطاب السياسي المعتمد لم يتغيّر بعد هزيمة الخامس من حزيران-يونيو 1967. لم تتجسّد الهزيمة في الاحتلال الإسرائيلي لسيناء، بما في ذلك قطاع غزّة، والضفة الغربية والقدس الشرقية وهضبة الجولان فحسب، بل تجسّدت أيضا في الجمود العربي والـ”لاءات ثلاث”. انعقدت قمة عربية في الخرطوم بعيد الهزيمة وتمسك العرب بـ”لا صلح، لا مفاوضات، لا اعتراف”.

حسنا، يمكن فرض شروط معيّنة عندما تسمح موازين القوى بذلك. هذا من بديهيات العمل السياسي والدبلوماسية الواقعية التي لا تخدم مخططات العدوّ المفترض أن يكون تحقّق انتصار عليه وتمريغ أنفه بالوحل. يظلّ التفريق بين الانتصار الحقيقي والانتصار الوهمي، من نوع انتصار النظام السوري على الشعب السوري، من أهمّ عناصر الدبلوماسية الفعّالة غير المبنيّة على الخيال الواسع والشعارات الطنانة.

بعد خمسين عاما على هزيمة 1967 يذهب العرب إلى الواقع من أجل التصالح معه وذلك بعدما عاشوا طويلا في الخيال. يذهبون من بوابة قمم الرياض التي تعكس أوّل ما تعكس الاعتراف بأنّ المنطقة تغيّرت وأن هناك تحديات جديدة لا يمكن مواجهتها بلغة خشبية من “مقاومة” و”ممانعة” ومتاجرة لا فائدة منها بالقضيّة الفلسطينية.

هناك واقع لا يمكن الهرب منه. هناك بكلّ بساطة دول عربية لم تعد موجودة بالطريقة التي كانت موجودة بها. لم تختف هذه الدول عن الخريطة، أقلّه إلى الآن، ولكن هل هناك من يستطيع إعطاء تحديد لمفهوم يتعلّق بدولة مثل العراق أو سوريا أو اليمن؟ من يحكم العراق هذه الأيّام؟ هل الحكومة العراقية التي على رأسها حيدر العبادي تمثّل السلطة الفعلية أم أن الإمرة هي لما يسمّى “الحشد الشعبي”؟

لا ضرورة بالطبع إلى إثارة الموضوع الكردي ومناطق النفوذ على الأرض السورية الموزّعة بين إيران وروسيا وتركيا وإسرائيل والولايات المتحدة. هذا من دون الحديث عن دور الميليشيات المذهبية التابعة لإيران التي تلعب أدوارا في سياق عملية تبادل للسكّان ليس معروفا، إلى الآن، إلى أيّ مدى سيبقى لبنان في منأى عنها في حال حصول مواجهات في سوريا. مثل هذا الاحتمال بات واردا بعد إصرار النظام السوري، ومن يقف خلفه، على التوجه نحو الحدود الأردنية. وقد استوجب ذلك ردّا أميركيا ليس معروفا الحد الذي يمكن أن يبلغه…

ليس التصدّي الأميركي لمسلحين تابعين للنظام السوري أرادوا التوجه نحو الحدود الأردنية والعراقية سوى مقدّمة للقمم الثلاث المنعقدة في الرياض. تريد الولايات المتحدة تأكيد جديّتها في التصدي للمشروع التوسّعي الإيراني في المنطقة ولكلّ ما هو مرتبط به من ميليشيات مذهبية، لبنانية أو عراقية، أخذت على عاتقها دعم النظام السوري.

أظهرت أميركا أنّها قادرة على استعادة المبادرة وأنّ في الإمكان الاتكال عليها من الآن فصاعدا. هذا يعني بكل بساطة أن هناك حاجة إلى شجاعة عربية من نوع تلك التي مارسها الشيخ محمّد بن زايد ولي العهد في أبوظبي الذي استوعب باكرا أن المنطقة دخلت مرحلة جديدة تتطلب تعاونا من نوع مختلف مع الولايات المتحدة، ومع قوى عالمية أخرى، خصوصا لجهة طبيعة الانتشار العسكري في الخليج وكلّ المناطق ذات الطابع الاستراتيجي القريبة منه.

لا شكّ أن هناك ما يبرّر أيّ تردّد لدى بعض العرب حيال السياسة الأميركية والذهاب بعيدا معها، خصوصا إذا أخذنا في الاعتبار ما فعلته إدارة باراك أوباما في السنوات الثماني الماضية. ولكن يبقى أن لا مفرّ من الاعتراف بأن في واشنطن فريق عمل يعرف تماما ما هي طبيعة التحديات التي تواجه القوة العظمى الوحيدة في العالم وأولئك الذين يشاركونها في مواجهة هذه التحديات بشكل جدّي.

لم تعد من حاجة إلى كثير من العبقرية لتحديد أنّ الشرق الأوسط والخليج يواجهان خطر المشروع التوسّعي الإيراني القائم على الاستثمار في إثارة الغرائز المذهبية. ولا حاجة أيضا إلى توضيح أن الإرهاب الذي تمارسه تنظيمات مثل “داعش”، الذي هو امتداد طبيعي لـ”القاعدة” الذي تربّى في أحضان الإخوان المسلمين، يمثل الوجه الآخر لممارسات الميليشيات المذهبية التي ترعاها إيران.

ثمّة خطوط عريضة بات متفقا عليها بين الأميركيين من جهة والعرب ومعظم المسلمين من جهة أخرى. أحد هذه الخطوط العريضة أنّ الخطر الأكبر الذي يهدّد المنطقة والعالم الإسلامي هو الشرخ السنّي-الشيعي الذي افتعلته إيران. إيران التي خطفت القضية الفلسطينية من العرب وراحت تتاجر بها وتزايد عليهم في هذا المجال.

هناك خطّ عريض آخر لا يمكن الهرب من التركيز عليه هو أن العرب استطاعوا بشكل عام احتواء إسرائيل على الرغم من مرور نصف قرن على هزيمة 1967. لم تستطع إسرائيل اختراق أيّ مجتمع عربي. بقيت مرفوضة حتّى في الدولتين اللتين تربطها بهما معاهدتا سلام وهما مصر والأردن. لم تقم إسرائيل أيّ موقع لها لا في مصر ولا في الأردن ولا في أيّ مكان آخر في غياب القدرة لدى زعمائها على التوصل إلى تسوية تأخذ في الاعتبار أن الشعب الفلسطيني موجود على الخارطة السياسية للمنطقة.

مثل هذه الحاجة إلى تسوية والتي عبّرت عنها القمة العربية الأخيرة التي انعقدت في الأردن أواخر آذار-مارس الماضي، بدأت تظهر آثارها الايجابية في واشنطن نفسها حيث لم يعد الرئيس دونالد ترامب مستعجلا لنقل السفارة الأميركية إلى القدس.

باختصار، هناك من يريد بقاء المنطقة أسيرة المفاهيم التي كانت سائدة قبل خمسين عاما. إنّها المفاهيم التي قادت إلى الهزيمة. يظلّ السؤال هل تصنع قمم الرياض الفارق وتقول صراحة ما يجب قوله وعمله في الوقت ذاته لمواجهة المشروع التوسّعي الإيراني والتطرّف الإسلامي بكلّ أشكاله؟

سيتوقّف الكثير على مدى استعداد الإدارة الأميركية لجعل سياستها المعلنة منذ دخول ترامب البيت الأبيض سياسة دائمة وثابتة. الأكيد أنّ الوضوح في المواقف العربية والإسلامية سيساهم في ذلك. ما كان ملفتا منذ تولّى الملك سلمان مقاليد السلطة في السعودية وبروز نجم الأمير محمد بن سلمان وليّ وليّ العهد أن الخطاب المعتمد في المملكة صار خطابا جريئا لا يتردّد في قول الأمور كما يجب أن تقال. كان وليّ وليّ العهد السعودي أكثر من واضح عندما حدّد حديثا في مقابلة تلفزيونية أساس المشكلة مع إيران وكيف يمكن لإيران أن تحسّن علاقتها مع جيرانها الخليجيين ومع العرب عموما.

هذا عالم لم تعد فيه أسرار ولم تعد فيه حاجة إلى دفن الرؤوس في الرمل تفاديا لمواجهة التحديات القائمة وهي تحديات ذات طابع مصيري. كلّ ما في الأمر أن التعاون العسكري والأمني مع الولايات المتحدة على كلّ صعيد، بات حاجة، خصوصا من أجل سدّ الثغرات التي تتسلّل منها إيران. هناك واقع لم يعد مفرّ من التعاطي معه. هذا الواقع أفرزه تراكم لأحداث يزيد عمرها على نصف قرن فرضت خطابا سياسيا جديدا وتفسيرا متطورا لمفهوم المصالح المشتركة مع أميركا أو مع غيرها من قوى موجودة في هذا العالم… مثل الصين والهند وروسيا ودول أوروبية معيّنة مثلا.

المصدر : صحيفة العرب

arabstoday

GMT 15:01 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

من غزو العراق... إلى حرب غزّة

GMT 15:50 2024 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

المغرب وحقوق الإنسان... انتصار طبيعي

GMT 16:04 2024 الأربعاء ,10 كانون الثاني / يناير

البُعد الإيراني للتصرفات الحوثيّة

GMT 10:41 2024 الأحد ,07 كانون الثاني / يناير

حرب من دون أفق سياسي

GMT 09:01 2024 الجمعة ,05 كانون الثاني / يناير

إيران تدخل لبنان حرباً معروفة النتائج!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قمم الرياض… والتصالح مع الواقع قمم الرياض… والتصالح مع الواقع



إطلالات متنوعة وراقية للأميرة رجوة في سنغافورة

سنغافورة - السعودية اليوم

GMT 16:48 2024 الثلاثاء ,16 كانون الثاني / يناير

اكتشاف بروتين يحفز إنتاج الدهون الجيدة والتخلص من السمنة

GMT 19:18 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

يتيح أمامك هذا اليوم فرصاً مهنية جديدة

GMT 00:36 2017 الثلاثاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

5 طرق لتنظيف السيراميك والأرضيات من الطبيعة

GMT 16:43 2021 السبت ,13 شباط / فبراير

بناطيل هوت كوتور ربيع 2021 من أسبوع باريس

GMT 12:48 2020 الأربعاء ,15 إبريل / نيسان

جامعة سعودية تتوصل لنتائج تقضى على فيروس كورونا

GMT 13:28 2019 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

عادل عصمت يناقش "الوصايا" في نادي ركن الياسمين

GMT 19:49 2018 الأربعاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

"البيت الأبيض" يُعلن سحب قوات بلاده من سورية

GMT 19:12 2018 الإثنين ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فورد إكسبلورر 2020 الجديدة تظهر بتمويهات خفيفة

GMT 03:54 2018 الخميس ,30 آب / أغسطس

ترشيح أحمد السقا لبطولة فيلم "أشرف مروان"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
alsaudiatoday alsaudiatoday alsaudiatoday
alsaudiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab