تجديد الخطاب الديني والأسئلة نفسها منذ 2001

تجديد الخطاب الديني والأسئلة نفسها منذ 2001

تجديد الخطاب الديني والأسئلة نفسها منذ 2001

 السعودية اليوم -

تجديد الخطاب الديني والأسئلة نفسها منذ 2001

خيرالله خيرالله

هل هناك من يعمل على نشر ثقافة ذات طابع متطور تحترم الاعتراف بالآخر وإنسانيته ورفض تكفيره استنادا إلى نصوص دينية واضحة.
 
ما الذي يمكن أن يحمل شبّانا على الانتحار وقتل أكبر عدد من الأبرياء في الوقت ذاته؟ أين مكمن العلّة؟ هل من سبيل لمعالجة ظاهرة الإرهاب، ومعها ظاهرة التطرّف الديني الذي يلبس لبوس الإسلام؟

لا تزال الأسئلة المطروحة هي نفسها منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، أي منذ “غزوتي نيويورك وواشنطن” اللتين طرحتا مشكلة يبدو أن لا حل لها. تفاقمت مشكلة الإرهاب على الرغم من إسقاط حكم “طالبان” في أفغانستان. تبيّن أن باكستان أخطر من أفغانستان. تبيّن أيضا أنّ العراق لم يكن المكان الذي تستطيع فيه الولايات المتحدة خوض حرب ناجحة على الإرهاب. كلّ ما فعلته إدارتا بوش الابن وأوباما، من خلال العراق، هو زيادة الوضع سوءا، في غياب من يستطيع فهم تعقيدات الشرق الأوسط في واشنطن.

مرّة أخرى، كيف يمكن لشبّان مسلمين الإقدام على ما أقدموا عليه في باريس أخيرا؟ هل يعقل أن يكون هناك من هو على استعداد لقتل صحافيين ورسّامين في مجلة، لمجرّد أن ما ورد فيها لم يعجبه؟ حسنا، هناك في “شارلي إيبدو” من تجرّأ على نشر ما يسيء إلى الأديان. لم يقتصر الأمر على الدين الإسلامي. فالمجلة سخرت من كلّ الأديان. ولكن هل يعقل أن يكون هناك من يقتل من أجل ذلك؟

لنضع جانبا قضية “شارلي إيبدو” نظرا إلى أن العمل الإرهابي لم يستهدف مسلمين بل مجموعة من “الكفرة”.

ولكن، ما قصة المدرسة الباكستانية في بيشاور التي وجد من يقتل تلاميذها قبل أسابيع قليلة؟ ما قصة كلية الشرطة في صنعاء حيث قُتل العشرات قبل بضعة أيّام؟ ما قصة أحد مستشفيات العاصمة اليمنية؟ ما هي الأسباب التي دعت انتحاريين إلى مهاجمة مستشفى في صنعاء قبل بضع سنوات وقتل العشرات؟ ألم يكن الضحايا في باكستان واليمن من المسلمين؟

هناك “داعش” السنّية، وهناك “دواعش” شيعية. فقبل أن تولد “القاعدة” ومتفرعاتها، كان هناك في العراق وإيران ولبنان من يعمل من أجل تحقيق مآرب سياسية عن طريق الانتحاريين أو عمليات الخطف والترهيب التي استهدفت، على سبيل المثال وليس الحصر، القضاء على كل معارض للنظام “الثوري” في إيران، داخل البلد وخارجه، وعلى تمدّد “حزب الله” في بيروت ومناطق لبنانية معيّنة. من طرد الأرمن من بيروت الغربية في منتصف الثمانينات من القرن الماضي ليحلّ آخرون مكانهم؟ أليس ذلك إرهابا، مثله مثل خطف أجانب كانوا مقيمين في العاصمة اللبنانية؟

مثل هذه الأسئلة، التي يوجد الآلاف منها، ما زالت تحتاج إلى أجوبة واضحة كلّ الوضوح. هناك ثقافة نشأت استنادا إلى نصوص معيّنة لا علاقة لها بالإسلام والمسلمين لا بدّ من محاربتها.

هذه الثقافة مرتبطة في جانب منها بالمدرسة والمناهج التربوية. ماذا يتعلّم الأولاد في المدارس؟ هل هناك من يعمل على نشر ثقافة ذات طابع متطور تحترم، أوّل ما تحترم، الاعتراف بالآخر وإنسانيته ورفض تكفيره استنادا إلى نصوص دينية واضحة. هناك نصوص تنادي بالتسامح وتشدّد عليه، بدل اللجوء إلى نصوص ذات طابع مختلف تدعو إلى القتل صراحة؟

هذا لا يعني أن البرامج التربوية ستحلّ كلّ المشكلة. الدليل على ذلك أن قسما من المنتمين إلى الجيل الثاني والثالث من الباكستانيين المهاجرين إلى بريطانيا أقلّ انفتاحا على تقاليد المجتمع البريطاني وقيمه من أفراد الجيل الأوّل. هناك رغبة في الانغلاق لدى كثيرين من أبناء الجيلين الثاني والثالث الذين درسوا في بريطانيا. هؤلاء نفّذوا صيف العام 2005 عمليات إرهابية في محطات للقطارات وباصات نقل في لندن. ليس معروفا إلى الآن ما الذي دفع إلى ذلك.

    لا تزال الأسئلة المطروحة هي نفسها منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، أي منذ «غزوتي نيويورك وواشنطن» اللتين طرحتا مشكلة يبدو أن لا حل لها

في الواقع، هناك عالمان لا يمكن أن يكون هناك أيّ تعايش بينهما. هناك عالم عرف كيف يضع حدّا لأي خلط بين الدين والدولة، وعالم آخر يصرّ على أن يكون في عالم خاص به يرفض على سبيل المثال، وليس الحصر، المساواة بين الرجل والمرأة. هناك من يعيش في أوروبا وأميركا ويرفض ذلك، على الرغم من أنّه هارب من الظلم والفقر في بلده إلى هاتين القارتين.

من الصعب تحديد مكمن العلّة. لنأخذ بلدا مثل باكستان. تأسّس البلد من منطلق ديني. كان على رأسه في البداية رجل معتدل يعرف العالم المتحضر وعلى تماس معه. كان اسمه محمد علي جناح. حمت باكستان المسلمين في شبه القارة الهندية، لأن محمد علي جناح كان رجلا يمتلك بعد نظر.

مع الوقت تدهور وضع المجتمع الباكستاني في ظلّ تدهور التعليم فيه. نشأت في باكستان أجيال من أشباه الأميين لا يعرفون شيئا عن الدين. تعلّم هؤلاء في ما سمّي “المدارس” الدينية التي مهّدت، عمليا، لقيام “طالبان”. بات هناك “طالبان” أفغانستان، كما هناك “طالبان” باكستان نفسها. صارت الهند، على العكس من باكستان، المكان الذي يشعر فيه المسلمون بالأمان. هل ذلك عائد إلى النظام التعليمي فيها، أم إلى نظامها الديمقراطي الذي يسمح بإجراء انتخابات حرّة وتداول على السلطة بين الأحزاب؟

كلّما تعمّق المرء في سعيه لمحاولة فهم ظاهرة الإرهاب، زادت الأسئلة. الثابت الوحيد في عالمنا العربي هو الحاجة إلى مقاربة شاملة للموضوع تقوم على اتخاذ مواقف جريئة. لا شكّ أن على مصر لعب دور طليعي في هذا المجال. لا شكّ أن الرئيس عبدالفتّاح السيسي اتخذ مواقف في غاية الجرأة في الأشهر القليلة الماضية. إنّه أوّل رئيس مصري يزور كاتدرائية الأقباط في مناسبة عيد الميلاد، كما أنّه أول رئيس مصري يدعو صراحة إلى تحديث الخطاب الديني، بل إلى “ثورة” في هذا المجال.

الأكيد أن ممارسات الإخوان المسلمين، الذين سعوا إلى نشر التخلّف في مصر، والذين لم يكن لديهم ما يتباهون به أو يقدّمونه، سوى تجربة “الإمارة الإسلامية” على الطريق الطالبانية في غزّة، ساعدته في استيعاب ما هو على المحكّ بالنسبة إلى مستقبل مصر.

هل تلعب مصر دورها الطليعي في مجال تحديث الخطاب الديني؟ الأمل كبير في ذلك، خصوصا أن المشير السيسي يحظى بدعم قويّ من دول تدرك مدى خطورة الإرهاب، والدور السلبي للإخوان المسلمين في مجال نشره وتعميمه. على رأس هذه الدول المملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات العربية المتّحدة، والمملكة الأردنية الهاشمية. ليس سرّا أن الوقوف مع مصر، حيث الأزهر، يعني أن على مصر أن تساعد نفسها أيضا بعيدا عن أي نوع من العقد. في استطاعة مصر أن تستفيد من التجربة المغربية في نشر ثقافة تقوم على الاعتدال في كلّ المجالات، بدل الوقوع في أفخاخ جزائرية هي في غنى عنها. وهذا ما حصل أخيرا للأسف الشديد.

لا بدّ من مكان يمكن الانطلاق منه في الحرب على الإرهاب الذي يغذّيه النظام السوري عن طريق الاستمرار في قتل شعبه من منطلق مذهبي تشجّع عليه إيران.

هذا المكان يمكن أن يكون مصر في حال نجاحها في تجديد الخطاب الديني، وفي حال تخلّت عن عقد كثيرة، من بينها عقدة المغرب، تماما مثلما تخلّت قبل فترة قصيرة عن عقدة الأردن!

arabstoday

GMT 15:09 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

ابنه البكر

GMT 15:08 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

... إنّها حرب تطالبنا بأن ننسى كلّ شيء تقريباً

GMT 15:07 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

المشعوذون القدامى... والجُدد

GMT 15:04 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

الدول العربية «المضروبة»

GMT 15:03 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

حانت لحظة الرحيل

GMT 15:02 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

الأسئلة الصعبة

GMT 15:01 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

من غزو العراق... إلى حرب غزّة

GMT 15:00 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

عن رسالة بوريل ومستقبل أوروبا

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تجديد الخطاب الديني والأسئلة نفسها منذ 2001 تجديد الخطاب الديني والأسئلة نفسها منذ 2001



إطلالات متنوعة وراقية للأميرة رجوة في سنغافورة

سنغافورة - السعودية اليوم

GMT 16:19 2021 الخميس ,07 كانون الثاني / يناير

حظك اليوم برج الأسد الخميس 7 يناير/كانون الثاني 2021

GMT 18:13 2019 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

حمدي فتحي يسجل أول أهداف مصر في شباك بوتسوانا

GMT 11:25 2018 الجمعة ,26 تشرين الأول / أكتوبر

عسيري يؤكد أن الاتحاد قدم مباراة كبيرة امام الهلال

GMT 00:28 2018 الخميس ,05 تموز / يوليو

كروم 67 يدعم تطبيقات الويب المتجاوبة

GMT 15:41 2018 الجمعة ,09 شباط / فبراير

سترة الجلد تناسب جميع الأوقات لإطلالات متنوعة

GMT 14:57 2017 الجمعة ,15 كانون الأول / ديسمبر

كليب Despacito يحقق مليار ونصف مشاهدة على اليوتيوب

GMT 18:27 2017 الثلاثاء ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

العثور على معدات صيد في الدار البيضاء لرجل اختفى عن الأنظار

GMT 21:15 2017 الأربعاء ,04 تشرين الأول / أكتوبر

مباراة الدحيل والريان تحظى بنصيب الأسد من العقوبات

GMT 08:17 2017 الأربعاء ,27 أيلول / سبتمبر

الكويت تجدد سعيها لحل الخلافات العربية مع قطر

GMT 02:26 2017 الجمعة ,14 تموز / يوليو

نادي نابولي الإيطالي يكشف عن بديل بيبي رينا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
alsaudiatoday alsaudiatoday alsaudiatoday
alsaudiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab