تصدّع الـ»نعم» والـ»لا» المطلقتين

تصدّع الـ»نعم» والـ»لا» المطلقتين

تصدّع الـ»نعم» والـ»لا» المطلقتين

 السعودية اليوم -

تصدّع الـ»نعم» والـ»لا» المطلقتين

حازم صاغية

في وسع واحدنا أن يقول اليوم إنّه يؤيّد سياسات باراك أوباما الداخليّة ويعارض سياساته الخارجيّة، لا سيّما في سوريّة. كما يستطيع آخر أن يقول إنّه يرفض سياسات رجب طيّب أردوغان التركيّة، خصوصاً قمعيّتها وثأريّتها، لكنّه يحبّذ سياساته السوريّة، لا سيّما تشدّده حيال بشّار الأسد. لكنْ حتّى هنا، يمكن الذهاب خطوة أبعد في إعمال التحفّظ والفرز داخل سياسات أردوغان السوريّة، بحيث يُدان تسهيله عبور «داعش» والتكفيريّين إلى الداخل السوريّ، كما يُعترَض على تعامله مع الموضوع الكرديّ.

وتصدّع الـ»نعم» والـ»لا» المطلقتين هذا هو ما لم يكن ممكناً في زمن الحرب الباردة، حيث السمة العامّة الوقوف مع السوفيات أو الأميركيّين في الداخل والخارج، وفي السياسة كما في الاقتصاد والثقافة ونظام القيم وطريقة الحياة. فالسير دائماً خطّيّ ولولبيّ من ألف الكلام حتّى يائه، وفي أبجديّة ممتثلة كهذه لا ينفر حرف واحد. وفي الجبهة السوفياتيّة على الأقلّ، كان الموقف يتعزّز بذاك التأويل المترابط شكليّاً الذي يهبط بصاحبه هبوطاً آمناً من العالميّ فالإقليميّ فالمحلّيّ من دون أدنى اعتبار لتمايز الظروف والمستويات.

وإلى انتهاء الحرب الباردة تضافرت العولمة والمشروع الأوروبيّ، كما باتت السياسة، تفاوضاً وتسوياتٍ، تتخلّل النزاعات المؤرّثة، كالإرلنديّ والتركيّ-اليونانيّ والعربيّ-الإسرائيليّ، بحيث غدت الإشارات القوميّة إلى «حروب الوجود» أقرب إلى الإنشاء النزق للمتمرّنين.

هكذا نشأت أيضاً، مع نهاية الحرب الباردة، مصالحات بين السرديّات والأحكام التي بدا مستحيلاً، إبّان تلك الحرب، أن تتصالح، فبات يمكن القول إنّ العنصريّة في جنوب إفريقيا جمعت بين نظام سياسيّ واجتماعيّ بالغ التوحّش واقتصاد هو الأجود في إفريقيا، وإنّ فرانكو وبينوشيه كانا مستبدّين أحدثا تنمية في بلديهما، وإنّ كاسترو الذي خنق كوبا أسّس نظاماً ممتازاً للرعاية الصحّيّة.

والميل الجديد هذا هو ما عرّضته جريمة 11 أيلول (سبتمبر) للإنتكاس، فعادت إلى الواجهة نظريّات أسامة بن لادن وجورج دبليو بوش عن «الفسطاطين»، و»من ليس معنا فهو ضدّنا»، على إيقاع ما سمّاه البعض «حرب الغرب والإسلام»، وكان من تفرّعات ذاك المناخ «اجتثاث البعث» في العراق.

بيد أنّ البلدان الديموقراطيّة التي أبدت، ولو بقدر من التفاوت، مقاومتها لتلك الانتكاسة، ما لبثت أن استكملت تعافيها، أقلّه على أصعدة التفكير والتعبير. ذاك أنّ الديموقراطيّة وإن كانت هي الأخرى إيديولوجيا، تبقى أقلّ الإيديولوجيّات إيديولوجيّةً، وأكثرها تحويلاً للنزاع إلى سياسة فيما تنهض الإيديولوجيّات الأخرى على تحويل السياسة إلى نزاع.

أمّا بلدان الاستبداد فلم تتأثّر إلاّ قليلاً جدّاً بانتهاء الحرب الباردة، ولم تشعر تالياً أنّ لغتها انتكست بفعل بن لادن وبوش. فحكّامها إنّما يقدّمون أنفسهم وأنظمتهم أصلاً بوصفها كلّ الخير في مواجهة الشرّ كلّه، فيما أدنى النقد لهؤلاء يرقى إلى جريمة، مثله مثل الكلام بتوازن وإنصاف عن خصومهم. وقبل انتهاء الحرب الباردة وبعده، كانت فكرة «الشرّ المطلق» الإسهام الأساسيّ لإيران الخمينيّة في الفكر السياسيّ.

فإذا كانت اللغة النسبيّة في المجتمعات الديموقراطيّة بنت الاستقلال العقلانيّ عن المقدّس بسائر أشكاله، فإنّ اللغة الإطلاقيّة في مجتمعات الاستبداد إنّما تغرف من بحر الانقسامات العصبيّة القطعيّة والنظرة الدينيّة إلى العالم. وهنا لا يمكن أن يتقاطع، أو يتجاور، ما يُفترض أنّه خير وما يُفترض أنّه شرّ.

وهكذا تلوح اللغة السياسيّة لعالمنا اليوم نصفين كنصفي أبي الهول: رأس إنسان وجذع أسد. لكنّ من عاش العقود القليلة الماضية وعاين أنماط كلامها وتحوّلاته لن تفوته ملاحظة التغيّر باتّجاه أشدّ دقّةً وفرزاً، يُسعى إليه بكثير من التعثّر والتراجع والانتكاس، إنّما يُسعى إليه...

arabstoday

GMT 15:09 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

ابنه البكر

GMT 15:08 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

... إنّها حرب تطالبنا بأن ننسى كلّ شيء تقريباً

GMT 15:07 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

المشعوذون القدامى... والجُدد

GMT 15:04 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

الدول العربية «المضروبة»

GMT 15:03 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

حانت لحظة الرحيل

GMT 15:02 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

الأسئلة الصعبة

GMT 15:01 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

من غزو العراق... إلى حرب غزّة

GMT 15:00 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

عن رسالة بوريل ومستقبل أوروبا

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تصدّع الـ»نعم» والـ»لا» المطلقتين تصدّع الـ»نعم» والـ»لا» المطلقتين



إطلالات متنوعة وراقية للأميرة رجوة في سنغافورة

سنغافورة - السعودية اليوم

GMT 16:19 2021 الخميس ,07 كانون الثاني / يناير

حظك اليوم برج الأسد الخميس 7 يناير/كانون الثاني 2021

GMT 18:13 2019 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

حمدي فتحي يسجل أول أهداف مصر في شباك بوتسوانا

GMT 11:25 2018 الجمعة ,26 تشرين الأول / أكتوبر

عسيري يؤكد أن الاتحاد قدم مباراة كبيرة امام الهلال

GMT 00:28 2018 الخميس ,05 تموز / يوليو

كروم 67 يدعم تطبيقات الويب المتجاوبة

GMT 15:41 2018 الجمعة ,09 شباط / فبراير

سترة الجلد تناسب جميع الأوقات لإطلالات متنوعة

GMT 14:57 2017 الجمعة ,15 كانون الأول / ديسمبر

كليب Despacito يحقق مليار ونصف مشاهدة على اليوتيوب

GMT 18:27 2017 الثلاثاء ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

العثور على معدات صيد في الدار البيضاء لرجل اختفى عن الأنظار

GMT 21:15 2017 الأربعاء ,04 تشرين الأول / أكتوبر

مباراة الدحيل والريان تحظى بنصيب الأسد من العقوبات

GMT 08:17 2017 الأربعاء ,27 أيلول / سبتمبر

الكويت تجدد سعيها لحل الخلافات العربية مع قطر

GMT 02:26 2017 الجمعة ,14 تموز / يوليو

نادي نابولي الإيطالي يكشف عن بديل بيبي رينا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
alsaudiatoday alsaudiatoday alsaudiatoday
alsaudiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab